رسالة جديدة، أقرأ الآن، هكذا تعودت ان أقرأ على شاشة التلفون الجوال، وفي ليلة رأس السنة، وكنت قد قررت ان امضيها في النادي الخاص "تحت اللحاف" في نوم عميق، استيقظت صباحا لأجد على تلفوني 22 رسالة كان اصحابها جميعا يهنئونني بالعيد الجديد، بعضها من مصر وبعضها من خارج مصر، وان كنت قد لاحظت ان هناك رسائل كثيرة تحمل الكلمات نفسها، وكأنها رسائل جاهزة ومعبأة للاستخدام الفوري. في حياتي، ومنذ بدأت استخدام الجوال او المحمول، لم ارسل رسالة، ولم ارد على رسالة بأخرى، وقد حاول صديق ان يعلمني كيف أوفر الاتصالات مع الآخرين، واكتب رسالة واحدة ابعثها في دقائق الى عشرين او حتى مائة شخص، ولكنني رفضت الانتباه اليه، ليس لصعوبة العملية، وانما لاحساسي بخطورتها في وأد العلاقات الاجتماعية. اذكر قديما ان احتفال العيد كان يشهد تبادل الزيارات، وكنا نجري متلهفين ونحن اطفال لدق ابواب الاقارب الذين يستقبلوننا بالحب ويكرموننا "بالعيدية"، كان الكبار حريصين على الشيء نفسه، تبادل الزيارات وتبادل التهاني الشخصية، رجل لرجل وسيدة لسيدة، كانت العلاقات الاجتماعية كالحروب في ذلك الزمان البعيد عندما كانت المواجهة فارسا لفارس ومقاتلا لمقاتل، ولكن مع تطور وسائل التكنولوجيا واختراع اجهزة الموت البعيدة اصبحت الحروب اساسها ابتعاد كل مقاتل عن الآخر حتى جاء وقت لم يعد فيه المقاتل يرى خصمه، شيء مثل هذا حدث في العلاقات الاجتماعية، فمع ظهور الهاتف وتعدد استخداماته وسهولتها اصبح وسيلة اساسية للاتصالات. وفي المناسبات والاعياد حلت المكالمات الهاتفية محل الزيارات الشخصية المتبادلة، تحولت الزيارات من شخصية الى صوتية، ودخلت البرقيات كعامل مساعد، اما الرسائل المكتوبة فقد انخفضت انخفاضا حادا، بعد ان كانت الكلمة المكتوبة هي وسيلة التعبير عن اشواق المحبين ولهفتهم الى اللقاء، فهل حل التلفون او الهاتف محل هذه الخطابات التي كان لها قديما اساتذتها في فن الكتابة والحب والاشواق. وفي مرحلة اخيرة، اقتحم الجوال او المحمول حياتنا، وتطورت وسائل استخداماته فلم يعد فقط وسيلة للتخاطب والتحادث، وانما لارسال الرسائل السريعة والرخيصة، وهكذا تطورت العلاقات الاجتماعية من شخصية الى مكتوبة الى صوتية، واخيرا الى رسائل مكررة اوتوماتيكية. ولهذا لم اندهش عندما قرأت ان عجوزا سنه 80 سنة اتهم ابنه بسرقته، وجئ بالأب والابن امام النيابة لسماع اقوالهما، وكانت المفاجأة: عندما اعترف الأب بانه لم يشاهد ابنه منذ ثلاثة اشهر، رغم ان الاب يعيش وحده، ولم يجد الاب وسيلة لرؤية الابن غير اتهامه بالسرقة، وارغامه على لقائه امام وكيل النيابة! القبس الكويتية