تحوَّلت تهاني العيد والمناسبات الاجتماعية في الآونة الأخيرة إلى تهانٍ باردة خالية من المشاعر الصادقة والأحاسيس الدافئة، إذ لعبت وسائل التقنية الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي دوراً كبيراً في التواصل الإنساني في عدد من المناسبات المختلفة بعيداً عن الطريقة المُعتادة، وأصبحت بذلك بديلاً للزيارات المُتبادلة، كما أثّرت بشكل سلبي في طريقة تبادل التهاني بالعيد وألغت العلاقات الحميمة التي تربط الأهل والأصدقاء والزملاء، خاصة حينما يُسخِّرها بعضهم في نقل تهانيه عبر نسخ ولصق ما يصله من رسائل، ومن ثمَّ إعادة إرسالها بصورة مُستنسخة مملوءة بالجمود وبلادة المشاعر، قبل أن يحذفها من جهازه ليستقبل رسائل أخرى ميتة؛ ما يعني عجز كثيرين عن ابتكار مفرداتهم الخاصة للتهنئة. مشاعر موحدة وقال "د. علي الرباعي" - شاعر وناقد: "يمكن القول إن هذه الرسائل عبارة عن حالة استنساخ للمشاعر وتعبير عن حالة العجز عن ابتكار الإنسان لمفرداته الخاصة به، فلا يمكن أن تُعمَّم هذه الرسائل على جميع الناس؛ لأنَّ هناك فوارق في العلاقات التي تربط الإنسان بمختلف الأشخاص من ناحية درجة القرابة أو الصلة"، مُضيفاً أنَّ لكل إنسان أصدقاء ومحبين، وبالتالي يستحيل أن تكون مشاعر الإنسان موحدة تجاههم حتى يتم بث رسالة واحدة للجميع. وأضاف أنَّه لا يلتفت لمثل هذه الرسائل؛ لأنَّ معظم المبدعين في مجال الأدب واللغة يعبرّون عن كلامهم من معين إبداعاتهم الخاصة ويرسلونها للناس، كما أنَّهم يبتكرون المعاني، مُرجعاً سبب رواج هذه الرسائل إلى وجود صياغة مميزة أو سجع بعينه أو جمل نثرية معبرة تجعلها مجالاً للتداول من دون ذكر المصدر، مُضيفاً أنَّ ذلك يعبر أيضاً عن مشكلة عدم حماية الملكية الفكرية لهذه الرسائل التي قد تُنسب لأشخاص لم يكتبوها؛ لكونها تُوجَّه كلماتها نحو المشاعر الإنسانية العامة. وشدَّد على ضرورة مراعاة الملكية الفكرية في الفضاء التقني الواسع الذي تتعدد فيه هذه الرسائل على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى جانب حالة النقل العارمة التي يتم التعامل فيها مع المفردات؛ ما ألغى أهم ما يجب الحفاظ عليه وهي الملكيَّة الفكريَّة لمن كتبها. د. علي الرباعي مفرح الشقيقي مكانة خاصة ووصفت "نادية الفواز" - إعلاميَّة - هذه الرسائل المُكرَّرة التي تدور في حلقة الأصدقاء، بأنَّها حالة مكررة قد يقبلها بعض ويعدها وسيلة للوصول إلى جميع الأصدقاء وتهنئتهم بطريقة سهلة وسريعة، بيد أنَّها تلغي حالة الخصوصية والاهتمام الذي يشعر بهما الشخص تجاه هذه الرسائل التي جعلته ضمن قائمة المُتلقِّين، وحولته إلى رقم ضمن العديد من الأرقام، مُضيفةً أنَّها لا تلتفت لهذه الرسائل وتعتبرها لا تخصها؛ لأنَّها لم تُضيف لها أيّ معلومة. وأضافت أنَّ هذه الرسائل تُشبه الإعلانات التجارية عن بعض المنتجات، موضحةً أنَّها تحتفي برسائل التهنئة الخاصة التي تقول لها بكل معانيها البسيطة أو المميزة أنَّ لها مكانه خاصة تطلبت تخصيص بعض الحروف لها وحدها كميزة عند من يرسلها، وأنَّ المرسل يقصدها هي ويترك لها بُرهةً زمنيةً من وقته ليكتب لها تهنئة تتكوَّن من عدد من الحروف. اختصار الوقت وأشار "مفرح الشقيقي" - إعلامي - إلى أنَّ تخصيص رسائل بعينها وإرسالها إلى بعض الأشخاص بمثابة حالة تُعبِّر عن الاهتمام وعن تفضيل هؤلاء الأشخاص عن غيرهم عبر تخصيص رسائل لهم يعرفون معناها بمفردهم، مُضيفاً أنَّ المُبدع قد يفيد في بعض الأحيان من اختصار الوقت والجهد في بث رسائل أدبية وقطع من الشعر والنثر تكون مميزة في مثل هذه المناسبات التي يمكن أن تدخل البهجة على نفس المُتلقِّي، خاصةً إذا كانت مميزة في صياغتها وعباراتها، موضحاً أنَّ هناك نكهة خاصة للرسائل التي يشعر المُتلقِّي أنَّه انفرد بها واستأثر بالحصول عليها دون غيرة، التي تشعره بقيمته لدى الآخر. عبارات جميلة وأوضحت "هدى القحطاني" - موظفة - أنَّه ما إن يتم الإعلان عن دخول العيد، إلاَّ ويبدأ البحث عن أجمل رسائل التهنئة بهذه المناسبة، مُضيفة أنَّه يبدأ بعد ذلك الشروع في إرسال كم كبير منها إلى الأقارب والصديقات والزميلات، سواء عن طريق الرسائل النصية أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي "فيس بوك وتويتر"، إلى جانب بعض تطبيقات الجوالات، مثل "واتس أب وتيليجرام"، وغيرها، مُشيرةً إلى أنَّها عبارة عن نسخ ولصق ليس إلاَّ. وبيَّنت أنَّه من النادر أن تتلقى رسالة يكون صاحبها هو من كتبها بنفسه، مُضيفة أنَّ الغالبية العظمى من الناس حينما تصلهم هذه الرسائل، فإنَّهم يحددون عدداً من الأشخاص في قائمة الاتصال الهاتفي، ومن ثمَّ يتمّ إرسالها لهم، موضحة أنَّها كثيراً ما تأملت بعض الرسائل ذات الصياغة الجيّدة والعبارات الجميلة، ومن ثمَّ أرسلتها لبعض أقاربها وصديقاتها قبل أن تحذفها من هاتفها المحمول. رسائل مكررة ولفت "صالح العبدالكريم" إلى أنه حينما يأتي العيد نكون في شوق لعناق بعضنا بعضا ومسح خلافاتنا العائلية والشخصية وردم الفجوات التي نتجت عن انشغالنا في الحياة ومشكلاتها، مُضيفاً أنَّه من المؤسف أن تصله بعد ذلك رسالة تهنئة باردة منقولة من بعض المواقع التي خصصت جل وقتها لجلب الجديد من هذه الرسائل الجامدة سلفاً، موضحاً أنَّ كثرة هذه الرسائل المُكررة قد لا تجعلنا نضيع وقتنا في قراءتها، إنَّما ننظر في هذه الحالة إلى المرسل فنُرسل له رسالة جاهزة مماثلة، مُشيراً إلى أنَّ هذه الحالة الجامدة - للأسف - هي إحدى مساوئ التقنية الحديثة. رسائل صوتيَّة ولفتت "حصة الهالك" إلى أنَّ شركات الاتصالات أطلقت مؤخراً نوعاً جديداً من الرسائل، وهو الرسائل الصوتية، مُضيفةً أنَّها تُميِّز صاحبها وتُخرجه من التقليديَّة، موضحةً أنَّها تعمل على تقسيم التهاني بحسب قرب الأشخاص منها، مُشيرةً إلى أنَّها تُرسل للبعض رسالة صوتية تُسجِّل صوتها عليها تتضمن تهنئةً خاصَّة، كما أنَّها تُرسل لبعضهم الآخر رسالة وسائط مُتعدِّدة، بينما تكتفي بإرسال رسائل نصيَّة تكتبها بنفسها لباقي زميلاتها، مؤكدةً أنَّها في هذه الحالة تكون أصدق من الرسائل المستنسخة. مصالح شخصية وأشارت "منى العمري" - مدربة تنمية بشرية - إلى أنَّ عصرنا الحالي امتاز عن غيره من العصور بسهولة إيصال التهاني وتعدد طرقها وقلة تكلفتها، وذلك عبر وسائل التقنية الحديثة "بلاك بيري وآيفون وآيباد"، إلى جانب وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وكذلك تطبيقات الأجهزة الذكية "واتس أب وتيليجرام وتانجو"، إضافةً إلى الرسائل النصيَّة ورسائل الوسائط المتعددة، مُضيفةً أنَّ تلك الوسائل أثرت بشكلٍ سلبي على مشاعر البشر وأفقدتهم الشعور بحلاوة روح العلاقة الحميمة. وأضافت أنَّ هذه المشاعر تحوَّلت إلى مشاعر تقنيَّة باردة، فبدلاً من أن يسمع أحدنا صوت الطرف الآخر أو يراه، فإنَّه يرى رسالة مكتوبة له بأحرف يكتنفها البرود من كل ناحية، رُغم ما فيها من دفء العبارات وشجن المعاني، مُبيِّنةً أنَّها لا تسد مكان الكلمات الحارة التي ينطقها اللسان ولا تفي بالغرض المنشود منها، موضحةً أنَّ المهم هو وجود النية الصادقة في التواصل وإرسال التهاني، وألا تكون فقط لمجرد المحاكاة للآخرين أو للمصالح الشخصية، مبديةً أسفها تجاه من يمارسون الانتقائية عند إعادة إرسال هذه الرسائل. وأوضحت أنَّ أولئك الأشخاص يبحثون في هذه الحالة عن الأشخاص الذين يمكن الإفادة منهم مستقبلاً في قضاء بعض المصالح الشخصية، مُشدِّدة على أهميَّة أن تكون قيمة التهنئة مرتبطة بقيمتها الإسلامية التي حثت عليها الشريعة الإسلامية، إلى جانب ما فيها من قيمة اجتماعية حثَّ عليها العرف والموروث الاجتماعي المحلي، داعيةً إلى ألاَّ تُساهم هذه الطريقة في تحجيم أو قطع التواصل الشخصي في المناسبات والأعياد، خاصةً بين الأقارب والأصدقاء والجيران. وأيَّدها الرأي "معتوق الأحمد"، مُضيفاً أنَّ بعضهم لم يعد لديهم الوقت الكاف لكتابة رسائل خاصة أو الاتصال ببعضهم بعضا، وبالتالي فإنَّهم يُفضِّلون في هذه الحالة إعادة إرسال الرسائل المرسلة لهم، بيد أنَّها لا تُعبر عن مشاعر مرسلها؛ لأنَّها في الغالب تكون مجرد رسائل مُمرَّرة ومُملَّة يتداولها العديد من الأفراد بكل برود، مؤكداً أنَّه يُفضِّل أن يضع لمسته الشخصيَّة على هذه الرسائل، أو أن يُذيّلها باسمه قبل أن يُعيد إرسالها، معللاً ذلك بأنَّه لا يضمن تغيير أحد أصدقائه رقم هاتفه، أو أنَّه فقد رقمه. استنساخ رسائل التهنئة بالعيد تعبير عن حاله العجز عن ابتكار مفردات جديدة رسائل الجوال والإنترنت أغنت عن زيارات الأقارب والأصدقاء