جاءت التكنولوجيا الحديثة بما تحمله من رسائل هاتفية وإلكترونية لتعد سارقا لأجمل لحظات العلاقات الاجتماعية والأسرية في المناسبات السعيدة، فهي تقطع الأرحام بعد أن أصبحت وسيلة التَّواصُل الرئيسية بين النَّاس بدلاً مِن التَّواصُل المُباشر الذي دعا إليه الإسلام. فالتقنية عامة نشأت لتخدم الإنسان، وتكون تحت تصرُّفه؛ ليُحسن استخدامها فيما يُسهِم في رُقي المجتمع الإسلامي وتطوُّره وعلوِّ شأنه، وتعد مربحة ومثمرة إذا كان المرء مسافرًا أو بعيدًا عن أهله ومجتمعه ورفاقِه، فالتقنية هنا تعد مفيدة جدًّا حيث تمكِّنه من الاتِّصال بهم ورُؤْيتهم والتَّواصل معهم عن بُعد، وتقلِّص من شعور الغُرْبة والوحدة التي يستشْعِرها الإنسان عادة. ولكن أن تصبح التقنية هي الوسيلة الوحيدة للتَّواصُل مع الآخرين بشكل عام فهذا خطأ كبير يقيم السُّدود بين المرْء ومُجتمعه. فقد أدت هذه التكنولوجيا إلى تأثيراتٍ عكسيةٍ بالغةٍ على العلاقات الإنسانية بين النَّاس، وخاصة في المُناسبات سواءٍ في المناسبات السعيدة أو في المناسبات الحزينة أو في الأعياد؛ حيث أصبحت وسيلة التَّواصُل الرئيسية بين الأفراد هي رسائل الهاتف المحمول القصيرة أو ال"sms" أو البريد الإلكتروني، وهو ما أدى إلى إضعاف صلة الرحِم بين أفراد الأسرة أو العائلة الواحدة رغم تواجدهم داخل البلد الواحد. في البداية تقول نرمين حمدي، طالبة، إن التكنولوجيا الحديثة مهما تطورت بها أساليب التواصل فلن تكون بديلاً عن التواصل الاجتماعي، مشيرة إلى أنها في أشد المواقف التي تعرضت لها حينما توفي والدها ووالدتها وجدت أصدقاءها يقفون معها في البداية، ولكن بعد ذلك وجدت الجميع يكتفي بالسؤال عنها بواسطة رسائل على موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك"، كما يرسلون إليها رسائل على الموبيل، فكانت تشعر بوحدة شديدة فتملكتها حالة حزن قاسية. ويقول محمود صادق، مهندس، إن الاكتفاء بالتواصل عن طريق الهاتف والبريد الإلكتروني يجعلنا نشعر ببعض الدفء، وإننا لسنا في بلد واحدة تضمنا جميعا، فالآن في الأعياد كل فرد يكتفي برسالة واحدة إلى كل من يعرفه على عكس الماضي كنا ننتظر هذه المناسبات لتبادل الزيارات. وتقول ميرفت إبراهيم، ربة منزل، عند زواج ابنتي الكُبرى، فُوجئت ببعض أقاربي لم يحضروا الفرح ولم يقفوا بجانبي، واكتفوا برسائل تهنئةٍ بالزواج، فحينئذٍ شعرتُ أنَّني وحيدةً وسط أهل العريس دون أهلٍ يشاركونني الفرح وشعرت باستغراب شديد، وتساءلت ماذا تعني رسالة على الهاتف إلي وأنا في هذه المناسبة؟!. ويقول سامي عبد الرحمن، موظف، أنا كنت أعيش في إحدى البلاد العربية مع زوجتي وأولادي، وكنت أشعر بالغربة الشديدة فعُدت منذ عدة سنواتٍ إلى بلدي، ولكنَّني فوجئت بأن هناك إحساسا أكبر بالغربة خاصة في الُمناسبات كالأعياد التي أصبحت تمر بشكل عادي دون زيارات وتواصل سوى عن طريق رسائل الموبيل. بينما تقول نهى السيد، طالبة، إنه لا مانع لديها في التواصل عن طريق النت مع أقاربها وأصدقائها، فالآن توجد ضغوط كثيرة في الحياة ولا أحد يمتلك الكثير من الوقت أو المال لكي يحرص على الزيارات العائلية المستمرة. كما أشارت إلى أن النت وسيلة سهلة وغير مكلفة للوصول إلى شخص والسؤال عنه وعن أخباره. وتقول سلوى محمد– طالبة– إن الإنسان عندما يفْقِد شخصًا عزيزًا عليه يكون محتاجا إلى مَن يقف بجانبه ويُسانده ويقويه، لأنَّه يكون في حالة ضعفٍ، أما ما نراه الآن فهذه حالة مِن التَّجمد في العلاقات الأسرية والعاطفية والتي طغَتْ عليها المادية البحتة، فالأخ لا يعرف أخاه أو أختَه إلا إذا كانت هناك مصلحةٌ يُريدها، أما غير ذلك فالتَّواصُل يكون بالرسائل. وقالت سامية مصطفى، سكرتيرة، لم أشعُر أنَّ هذه التكنولوجيا أثَّرت على حياتي الاجتماعيَّة والعائليَّة والمِهنية؛ فالعواطف الحقيقيَّة والمشاعر لا يمكن التَّعبير عنها من خلال آلة جامدة ورسائل، حتَّى لو كانت بالصوت والصورة، إلا أنها وسيلة للتواصل والتَّخفيف من شَوْق الغربة أو البُعد، على الأقل هي أفضل الآن من البريد العادي الذي كان يوصِّل الرَّسائل خلال شهر.