عزيزي رئيس التحرير لكل منا اخطاؤه وهفواته التي يرتكبها في حق نفسه او في حق الآخرين. اما التي يرتكبها في حق نفسه فتعود مسؤولياتها عليه, وفي النهاية هو من يقدر حجم الخسائر المعنوية والنفسية والاضرار التي تحلقه به اكثر من غيره. واما الاخطاء التي يرتكبها في حق غيره (ومن فينا لم يخطئ في حق غيره؟!) فماذا يا ترى يكون تصرفه حيالها؟ احيانا كثيرة لا نصدق اننا كنا بتلك القسوة, او الانفعال والوحشية, او الظلم, او سوء الظن, ونعود بعدها نندم على فعلتنا وعدم قدرتنا على التحكم في اعصابنا والفاظنا, ونظل نبحث في داخلنا عن اي مبرر لنرتاح من وخز الضمير. وقد نبادر بالاعتذار, وفي مواقف كثيرة قد تكفي كلمة آسف لحل الاشكال, ولكن في بعض الاحيان لا تفي هذه الكلمة بالمطلوب, ولابد ان يتبعها شرح او تفسير وتعليل ما حدث من سوء التفاهم الذي قد يكون غير مقصود. وهناك من يصب جام غضبه على انسان بريء, لا لشيء الا ان حظه العاثر وضعه في طريقه لحظة انفعاله. وآخر قد يريد ان يبلغ كلامه المسموم كالسهام لشخص ما, فيسدده لغيره ليسمعه رأيه, او الرسالة التي يود ارسالها بطريقة غير مباشرة. اما اسوأ انواع التعامل فهو من يستخدم اسلوب المداعبة السخيفة وهو يقصدها لتوصيل ما في قلبه من غل او حقد, ويفسر كلامه بانه لم يخرج عن طور المزاح او العتاب. وآه من العتاب, فكم باسمه ارتكبت معظم الاخطاء. وحتى تكون للاعتذار قيمة لابد ان يكون منطقيا ولا يستند على مبررات واعذار واهية, ولا بطريقة فظة وكأننا نعاتب لنجرح وليس لنداوي, ونزيد بذلك الامور تعقيدا, خاصة اذا كانت المجادلة امام الآخرين وعلى الملأ كما ان انتقاء الالفاظ مهم جدا, وتحمل المسؤولية اذا كنت مخطئا اهم, فلا تلقي اللوم على الغير او على سبب بعيد عن الموضوع الاصلي. وحتى تستطيع ان تسترجع ثقة من امامك من جديد, لابد ان تعترف امامه بخطئك وغلطتك وان تتعلم مستقبلا ان لا تقع في نفس المشكلة. ولو نظرنا في حياتنا عموما, لوجدنا ان الجرح المؤلم وسوء التقدير او الاذية عندما تأتي من القريب تؤلم اضعافا مضاعفة, اكثر مما تؤذي من البعيد. لانك لا تتوقع من القريب الا كل الحب والعطف والحنان. ولو فكر الانسان بالتسامح مع من اساء اليه, فسيكسب كل شيء وسيعود النفع عليه اولا, وبالاحراج وبالندم على من اساء اليه ثانيا, خاصة لو التزم الصمت. وقمة الاخلاق لا تتجلى فقط بالصمت او التسامح مع من اخطأ ولكن بالعفو عند المقدرة. فالاحسان والتخلي عن رد الاساءة وعن الثأر يستلزم ايمانا صادقا وقوة, وهو علاج ناجح لمن امامك في تحسين سلوكه وتقويمه بعد ذلك وقد قال الله تعالى في محكم كتابه: (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين). والاشخاص الذين يعجزون عن العفو بالتأكيد يعانون التعاسة في حياتهم بعكس المتسامحين فهم يشعرون بالراحة والطمأنينة. عبدالمنعم العبداللطيف