من وظائف الزواج الاساسية تحقيق الاطمئنان والاستقرار النفسي، حيث يجد كل من الزوجين في الآخر مبعث سرور وارتياح، وسند تعاطف ودعم، في مواجهة مشاكل الحياة، وتلبية احتياجاتها. لذلك يعبر القرآن الكريم عن العلاقة الزوجية بانها سكن وملجأ، يأوي اليه الانسان يقول تعالى: (ومن آياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة). ولا يحصل السكون والاطمئنان في الحياة الزوجية، الا اذا كانت العلاقة بين الزوجين في اطار المودة والرحمة، والمودة تعني الحب والانشداد العاطفي والرحمة تعني رفق كل منهما بالآخر، وشفقته عليه. وذلك هو ارضية التوافق الزواجي، الذي لا تحقق الحياة الزوجية اغراضها الا بوجوده. ويعني التوافق الزواجي: قدرة كل من الزوجين على التواؤم مع الآخر، ومع مطالب الزواج. ونقيض التوافق حالة التنافر التي تبدأ بحصول انطباعات سلبية من احد الزوجين تجاه الآخر، او من كليهما، وبصدور ممارسات وتصرفات من احدهما مخالفة لرغبة الآخر، او من كليهما، مما يلبد سماء الحياة الزوجية بغيوم الخلاف والنزاع، ويكدر صفوها بشوائب الاذى والانزعاج. ان الخلافات والمشاكل في الحياة الزوجية، اذا لم تعالج تسلب الطرفين راحتهما وسعادتهما، وتفقدهما اهم ميزات وخصائص الارتباط الزواجي، ويضغط الخلاف العائلي على الانسان اكثر من اي خلاف آخر، لانه يقع في اقرب الدوائر والحلقات الى ذاته. كما تنعكس الخلافات العائلية على تربية الاولاد، فتتمزق نفوسهم، وتضيع حقوقهم، ويستقبلون الحياة من خلال اجواء سيئة ملوثة.بالطبع مهما كانت درجة التوافق الزواجي عالية، فانها لا تمنع حصول بعض الخلافات والاشكالات فيما بين الزوجين، بخاصة في السنوات الاولى من الزواج، حيث تكون خبرة كل منهما بالآخر قليلة، والثقة في بدايتها، لكن اسلوب التعامل، مع المشاكل الحادثة، اذا كان واعيا ناضجا، فانه يمنع تفاقمها وتطورها، بل يحولها الى مصدر اغناء وحماية لتجربة التوافق بين الزوجين.لا احد من الزوجين يرغب في وجود مشاكل في حياته الزوجية، بل يتمنيان السعادة والانسجام، لكن هناك عوامل واسباب ، تنشأ وتنمو في ظلها الخلافات والمشاكل العائلية، منها اسباب ذاتية تعود الى ضعف ثقافة العلاقات الزوجية، حيث يعتمد الازواج الجدد في بناء حياتهما الزوجية، على الاندفاع العاطفي، ومحاكاة الحالة القائمة في المجتمع، وعلى الادراك العفوي البسيط لطبيعة العلاقة الزوجية، دون ان يتوفروا على معرفة مناسبة لتشريعات الاسلام وتعاليمه، فيما يرتبط بالحقوق المتبادلة بين الزوجين، وبآداب واخلاق التعامل العائلي. ودون اطلاع كاف على الابحاث والتوجيهات العلمية المتخصصة.ومن الاسباب الذاتية انحراف المزاج وسوء الاخلاق، الذي قد يكون لدى احدهما او كليهما وبمقدار ذلك تحدث الخلافات والازمات ان لم يكن الطرف الآخر قادرا على الاستيعاب والتكيف.وهناك اسباب خارجية منها تدخلات بعض اهالي الزوجين ومنها الصعوبات الحياتية المعيشية فكثيرا ما تنعكس الازمات الاقتصادية للعائلة، على التوافق الزواجي.الوعي الحياتي للزوجين، وتوفرهما على مستوى من الثقافة الزوجية، يشكل عامل وقاية وحصانة من نشوب الخلافات الضارة، او اشتدادها وتفاقمها.ومهما كانت درجة التوافق الزواجي فان حصول شىء من الخلاف امر محتمل ومتوقع، وخاصة عند مواجهة الازمات والصعوبات، وهنا يأتي دور الوعي ونضج الشخصية، لمعالجة الموقف بتعقل وحكمة، بعيدا عن التشنج والانفعال، الذي يحول المشكلة البسيطة الى قضية معقدة.والتعاليم الدينية التي تتحدث لكل من الزوجين حول حقوق الآخر وفضله ومكانته، وتحث على احترامه وخدمته، وتحمل ما قد يصدر منه من اخطاء او تقصير انما تريد تعزيز المناعة في نفسية الطرفين تجاه ما قد يواجههما من مشاكل في علاقتهما الزوجية. فهناك نصوص دينية كثيرة تخاطب الزوج ليعرف قدر زوجته، وليحسن معاشرتها، وليتحمل مسؤوليته تجاهها. ففي آيات متعددة يؤكد القرآن الكريم على معاشرة الزوجة بالمعروف، يقول تعالى: (وعاشروهن بالمعروف) ويقول تعالى: (فامسكوهن بمعروف) وينهي الله تعالى الرجل عن توجيه اية مضايقة لزوجته او انزال اي ضرر بها، في حياتها المعيشية كالسكن، حتى ولو كانت مطلقة، ما دامت في فترة العدة الرجعية يقول تعالى (اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن). وفي السنة الشريفة احاديث وروايات كثيرة تخاطب الزوجة، لتذكرها بفضل الزوج، ودوره ومكانته في حياتها الزوجية، وان عليها ان تحترم مقامه كرب للاسرة ومتحمل لاعبائها ومسؤولياتها. روي عن النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم انه قال: (لو كنت آمرا احدا ان يسجد لغير الله لامرت المرأة ان تسجد لزوجها، والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها) ان اجراء عقد الزواج بالايجاب من قبل الزوجة او وكيلها والقبول من طرف الزوج او وكيله يعني توقيعهما على اتفاقية مشتركة ينبغي ان يسبقها معرفة واضحة من كليهما بما تلزمه هذه الاتفاقية من واجبات تجاه الآخر، وما تعطيه من حقوق على الآخر، لكن مثل هذه المعرفة الواضحة بالواجبات والحقوق الزوجية، قد لا تتوافر لكثير ممن يدخلون عش الزواج الذهبي. ومن الملحوظ ان التصدي للاعمال الهامة يأتي بعد التأهيل والاستعداد المناسب لانجازها، فقيادة الطائرة، او حتى السيارة، ومباشرة العمل الطبي، بل حتى التمريض، وكذلك التعليم وما شابه من الاعمال والمهام، عادة ما يسبقها تأهيل واعداد، لكن الحياة الزوجية على اهميتها يدخلها الشاب والفتاة دون التوفر على برنامج تأهيلي ارشادي، ودون الحصول على مستوى من الثقافة والمعرفة، لطبيعة هذه العلاقة الزوجية، ووظائفها وآدابها ، ومواجهة ما قد يعترضها من عراقيل وصعوبات. ان ذلك يجب ان تتكفله مناهج التعليم في المرحلة الثانوية والجامعية ويجب ان يسبق عقد الزواج ارشاد توعوي ولو عن طريق التثقيف الذاتي، بان يعطى كل من الزوجين بحوثا تتضمن تعاليم الاسلام في تسيير الحياة الزوجية بوسائل مقروءة او مسموعة.وقد بادرت بعض المؤسسات الاجتماعية لعقد دورات تثقيفية توعوية لمجاميع من المقبلين على الحياة الزوجية، وهو برنامج مفيد جدا ينبغي ان يتحول الى سنة حسنة، ليساعد ابناءنا وبناتنا على النجاح في حياتهم الزوجية، خاصة ونحن نعيش ظرفا زادت فيه حدة المشاكل العائلية، وارتفعت وتيرة الطلاق، كما تتحدث الارقام والاحصائيات.