حين يستيقظ الاهتمام بالتراث والحضارة كل عام من خلال مهرجان الجنادرية تتجدد معه دماؤنا الموروثة من الآباء والأجداد وترتسم علامات استفهام كبيرة وكثيرة وأهمها: تجارب السلف وما تركوه لنا من آثار معمارية وفنية على واجهات المساكن التقليدية من أبواب ونوافذ وما بداخل المساكن التقليدية من مشغولات يدوية ومنسوجات من حرف شعبية تتمثل في النجارة والحدادة ودباغة الجلود وصنع وتشكيل السعف والخزف والنظم المعيشية القائمة في ذلك الوقت وتسخير الحيوانات في خدمة الفرد من زراعة وصناعة وسفر. حلم كل معماري وفنان ومفكر ومهرجان (الجنادرية 18) يعتبر حضورا حقيقيا للموروث الفني والمعماري وحلم كل سعودي كان يرغب في تحقيقه في يوم من الأيام ولكن لم يستطع فمدينة الفارابي الفاضلة لم تكن إلا حلما في بدايتها. ومهرجان (الجنادرية 18) يعتبر محصلة تراثية صادقة وافية تمثل أصدق تمثيل للحياة السعودية التقليدية خلال مائة عام. وفي الوقت نفسه تمثل قدرة هذا الشعب النادرة على التأليف والإبداع, ورؤيته المتحررة والمتجددة للأشياء إلى جانب طبيعته الملتزمة بالتقاليد والقيم الأخلاقية والروحية حسبما تقرره مثالية الشعب السعودي. فرائد عمارة الفقراء المهندس حسن فتحي كان يحلم بإقامة قرية تتميز وتمثل الحضارة المصرية القديمة ولكن لم ينجح في تحقيق حلمه على الوجه المطلوب. ولكن الدكتور محمد سعيد الفارسي نجح في إنشاء أكبر معرض فني في العالم بمحافظة جدة امتد عبر شوارعها وميادينها وشواطئها ليضم أكثر من 400 عمل فني لكبار الفنانين في العالم أجمع. وجاء مهرجان الجنادرية الذي يعيش هذه الأيام عامه الثامن عشر ليؤكد الهوية السعودية غير المهددة بالتلاشي والذوبان ومن يشاهد مهرجان (الجنادرية 18) وما يحمله من أنظمة وطرز معمارية تمثل جميع النظم المعمارية بالمملكة وما يحمله من رسوم جدرانية وتشكيلات زخرفية وهندسية وتجريدية مستخدمة من البيئة والزخرفة الإسلامية المتأثرة بتشكيلات النخل والسعف والرمال والتلال والوديان يمثل تحمل المسئولية بشجاعة وفكر مبدع في أحياء التراث وتقليدية وتطويرية دون تجميد المواهب الخلاقة فهذا ثمرة كل جهد وحلم كل معماري وفكر كل مفكر ليس في أشكاله الموروثة الجميلة ولكن كتراث ومعطيات مكتسبة تحاكي أدوات القرن الواحد والعشرين تحاكي تاريخ أمة (اجتماعي وديني وثقافي وحضاري - عادات وتقاليد , معتقدات وحكايات). فكل ما تشاهده في (الجنادرية 18) قد استقر قبل 18 عاما في عقل واع لفنان ملهم بالتراث وبحوره فأبدع من خلال لوحات تحمل نبض ومشاعر الإنسان السعودي البسيط وهذا يؤكد ان الفنان الواعي لمفاتيح إبداعاته الفنية لابد من ارتباطه بواقعه التاريخي الحضاري والحداثي المعاصر فهنيئا لنا بأمثال هؤلاء المبدعين اللذين تركوا لنا إبداعا خالدا يتطلب منا تطويره والمحافظة عليه والمشاركة فيه ونتمنى أن ينسج في قوالب ولوحات فنية في كتب تحفظ لأبنائنا لنضمن تجديد دمائهم الموروثة التي تجدد انتماءهم الدموي لنا.. الحرف الشعبية في مهرجان "الجنادرية 18" تمثل الحرف الشعبية بصمات السلف التي وصلت إلينا من تجارب السلف من فكر واجتهادات للعيش في ذلك الوقت.. تمثل كل ما أقيم من اعمال لعمارة الأرض التي استخلف فيها الإنسان.. تتمثل أيضا في القيم والمعايير المتواصلة التي يحكم بها الإنسان على جوانب التفضيل والرفض للأذواق والأعراف والتقاليد وما زال يرجع إليها ليستخلص منها خلاصة التجربة البشرية التي مرت عليه وأسهمت في صقل أحاسيسه.. هذه الحرف الشعبية تعرفنا على ملامح تراثنا الفني في كل حين. العمارة بين الموروث والتكنولوجيا الحديثة استفاد المصم المعماري من فلسفة التراث في تحقيق تصميم معماري جديد يملأ الفراغات والمسطحات بتصاميم تظهر التنوع الواضح مع الإحساس بعنصر الوحدة في التصميم من حيث الموضوع والتشكيل. فما يميز العمارة التقليدية هو البساطة في التشكيل والاهتمام بالجوانب الجمالية والوظيفية... وعندما قمنا بزيارة مهرجان (الجنادرية 18) كوفد من جامعة الملك فيصل بالدمام كنا نتمنى أن يكون ضمن الوفد الزائر طلابا تكون مشاريع تخرجهم عن مهرجان الجنادرية وكنا نتمنى أيضا أن يقوم أساتذة التصميم الداخلي من الأخوة السعوديين في زيارة هذا المهرجان وحث الطلاب على الحضور حيث كان أكثر الوفد حضورا هم من الأخوة المصريين وغيرهم. من عمارتنا التقليدية