كان ولا يزال يثبت حضوره بين الفينة والأخرى، يقول رأيه (ولا يبالي)، ويطالب الآخرين بأن يدلوا بآرائهم ولا يبالوا شريطة أن يقولوا (هذه آراؤنا نعرضها ولا نفرضها)، يكافح ويناضل من أجل فكرته حتى لو وجهت له سهام حادة لكنه لا يجد غضاضة أن يغير منها أو يجدد فيها، رغم أنه يصنف من النخب المثقفة إلا أنه لم يعد يؤمن بوظفيتها، كما أنه يرى عبثية سؤال تعارض الدين والسياسة، ويصف العولمة بأنها أخطر نسق على الإطلاق. هذه الموضوعات وغيرها ناقشناها مع الناقد والمفكر د. عبدالله الغذامي في ثنايا الحوار التالي: ذكرت أن النخب سقطت، ولم يعد لها وجود في عالم تويتر، إذًا ماذا يفعل المثقفون والمتخصصون في واقع الناس، ما الدور الجديد الذي يمكن أن يلعبوه؟ لا يمكن أبدًا أن نفترض دورًا لهم، لأن مجرد الافتراض معناه أنهم لم يسقطوا، بينما المقولة الأساسية أن النخبة سقطت. هل سقطت النخبة وجودًا أم وظيفيًا؟ سقطوا كوظيفة، ووجودهم لا يعني شيئًا؛ فالإنسان قد يكون موجودًا وليست له قيمة، والإنسان بوظيفته في الحياة وفي المجتمع، ووظيفة النخبة الآن سقطت ليس لظرف من الظروف أو لعلة من العلل وإنما هذا السقوط هو متغير ثقافي، والمتغير الثقافي لا يمكن لأحد أن يعدل فيه، مثل حالة الطقس في الجو لايمكن تعديلها. والمتغيرات الثقافية هذه أقوى من الإنسان ومن تخطيطه، والذي يجري الآن أن النخب سقطت عالميًا وفي كل مكان في الثقافات العالمية وحل محلها ثقافة الجماهير ولا مجال هنا لأن نفترض أن نخبة ستعود أو بإمكانها أن تعود أو تخطط لأن تعود، هذا أمر غير وارد أبدًا، ليس من طبيعة المتغيرات النوعية الثقافية الكونية. وبالتالي د. عبدالله أصبحت النخبة والجماهير سواء؟ الجماهير حلت محل النخبة، ولم يعودوا محل سؤال، ولم يعودوا محل افتراض ترميم وجودهم، هذا انتفاء للمعنى الثقافي. ألا ترى أن الانترنت بكل مخرجاته أصبح ينشر ثقافة عامة غير متعمقة، وهو أقرب إلى تداول الأفكار أكثر من تشريحها وتعميقها، الأمر الذي يقوم به المفكر والمثقف؟ هذه هي ثقافة المرحلة، أن نسأل عن ثقافة متعمقة أو غير متعمقة معناه أن نضع شروطًا أولية للثقافة، وهذا غير وارد. هذا كان يحلم به من كان يسمى بالنخبوي أما الذي يجري الآن أن هناك ثقافة يجري إنتاجها، ثم يأتيك سؤال أخطر من هذا كله وهو: ما الثقافة السطحية وما الثقافة العميقة؟ هل الثقافة العميقة هي حفظ قصائد لامرؤ القيس. لكن الأفكار الموجهة للدول والخطط الاستراتيجية ألا يقوم بها مثقفون؟ هذه ليست ثقافة هذه برامج عمل ينتجها السياسي والاقتصادي، هذا عمل تخصص مثل ما يعمل الطبيب في غرفة العمليات، لا يمكن أن نقول هذه ثقافة وإنما هذه مهنة. فالسياسة والاقتصاد مهنة يؤديها أشخاص متخصصون ومدربون لهذا الغرض، مثل الخطط العسكرية وخطط مدير البنك، هذه ليس ثقافة هذه تخصصات يندب لها أناس يؤدون مهمتهم. الجمهور هو صاحب رأي، ينتخب أو يضغط من أجل سياسات معينة، هذه مسألة مختلفة. يجب أن نفرق بين التخصص المهني وبين ما نسميه ثقافة. وإذا لم نفرق فمعناه أننا نخطئ بحق أحد الحقلين. لكن السياسات والبرامج تبنى على فكر؟ كل شيء يبنى على شيء آخر، كل الكون مبني بعضه على بعض. الطبيب الذي يعالج مبني طبه على وجود مرضى لولا المرضى لم يكن هناك طبيب. وإذا خلطنا بين التخصصات نضيع أحدها. التيار الديني في مجتمعنا في كتابك الشهير (حكاية الحداثة في المملكة) ذكرت أن محاولات التنوير اصطدمت بالآخر وهو هنا المحافظ، بعد عقود من كتابك هذا هل تغلب الآخر على المستنير كما أسميت بعض الشخصيات في كتابك؟ أولًا مصطلح المستنير ينتمي إلى النخبة وقلنا إنها سقطت فلا يمكن أن نعود إلى نفس المصطلحات السابقة وهنا يجب أن ننتبه لأن لا نقول القول ونقيضه، وبالتالي لم يعد هناك شيء يسمى مستنيرا وغير مستنير، والذي يجري الآن أن التيارات والتوجهات والصراعات ظهرت كلها مجتمعة وبأقصى أبعادها من غير استثناء ومن غير غلبة، لأن الآن هناك ثقافة جماهيرية، وهناك ثلاثة أشياء يجب أن نضعها في الاعتبار: الأول: كون الثقافة جماهيرية بالمعنى المطلق، ثانيًا: وجود وسائل حرة لا تسيطر عليها مؤسسة، يدخل الشخص بنفسه وتكون هي وسيلته؛ فالذي لا يستطيع أن ينشر مقالته يضع كلامه في تويتر ويصل وصار هو رئيس التحرير وهو المحرر وهو الموزع وهو النشر وبأقل من ثانية. ثالثًا: أن من يستقبلك ويستمع إليك هي كل أنواع الشرائح وليست شريحة واحدة دون الأخرى، في السابق عندما كنت تصدر مجلة علمية متخصصة لا يقرؤها إلا متخصص في هذا الفن. الآن التغريدة يقرؤها كل مخلوق على وجه الأرض ما دام يجيد لغتها. هذه العوامل الثلاثة جعلت الثقافة فسيفساء (صحن سلطة) التنوع فيها بالأشكال والألوان والمذاقات بكل شيء. عودًا لسؤالنا السابق دكتور هناك مؤشرات على قبول الجماهير لتيارات دون أخرى عن طريق وسائل ديمقراطية كالانتخابات وغيرها، أو حتى في نفس وسائل التواصل الاجتماعي التي تحدثت عنها؟ إذا استطعنا أن نميز القبول من الرفض فنعم، لكن نأخذ مثالًا على ذلك حتى تتبين الصورة؛ تذهب إلى شخص تجد أن عدد متابعيه ثلاثة ملايين هل معنى ذلك أن الثلاثة ملايين قابلون به؟ عدد كبير منهم معترضون عليه، عدد كبير منهم محايد، عدد كبير منهم صامت، عدد كبير منهم فعلًا معجب به، فكيف أميز أنا النسب؟! لا يكفي رقم ثلاثة ملايين فقط، لا بد أن تدخل وتعمل دراسة مدققة لتعرف داخل هذه الملايين من هو معه ومن هو ضده ومن هو صامت؟ من يمكن أن يغير رأيه، وهكذا. لا نغتر نحن بالكتل الظاهرية بدليل أن الانتخابات والاستفتاءات في أمريكا وأوروبا في مصر أخيرًا تعطي أشياء غير التي كنا نتصور، عدد الذين ذهبوا للتصويت على الاستفتاء في الدستور في مصر ثلث من يستحق التصويت، وهذا الثلث أيضًا منقسم بين فئة قالت نعم وفئة قالت لا، لكن إذا تقيس من قال نعم بالشعب المصري كله سيختلف الرقم. لذلك يجب أن ندقق في التفصيلات لهذه الظواهر. لكن هذه الوسائل هي أقصى ما يمكن قياس الرأي العام به حتى الآن، لا يمكن أن تخرج الشعب المصري كاملًا مثلًا حتى يقول رأيه في الانتخابات أو الاستفتاءات؟ نعم عندما نجد مؤشرات يمكن أن نتكلم بها لكن لا نفترض. دكتور على ذكر تصويت الاستفتاء في مصر؛ تصويت المصريين مع الدستور هل هو مؤشر على رفض الشعوب للنخب العلمانية أو الليبرالية رغم ما يملكون من آلة إعلامية ضخمة؟ لا أستطيع أن أقول كذلك، هذه فيها صعوبة، هناك مبدأ أساسي في الانتخابات جربه الغرب ويعرفونه جيدًا وهو أن الناس تصوت ضد وليس، فإذا كانوا غاضبين من العلمانيين والليبراليين سيصوتون للإسلاميين، إذا جاءت دورة ثانية بعد أربع سنوات هي التي ستوضح كيف سيكون أداء الإسلاميين في الأربع سنوات القادمة، إن حققوا ما حققه أردوغان وقد عاد ثلاث دورات متتالية فهذا معناه نجاح لهم، أما إذا صوت الناس لأحد لا نجزم بنجاح التجربة إلا حينما ندخل للتجربة عمليًا. فسؤالك الآن ونقاشنا سيتضح بعد أربع سنوات وليس الآن. إذًا لا نستطيع أن نقول إن مثل هذا الاستفتاء هو رفض للنخب العلمانية؟ من الصعب القول بهذا. لأنه قول بدون برهان. هو مؤشر نعم، لكن يجب أن نفرق بين مصطلحين: مؤشر وبرهان، المؤشر مثل ما تضع إشارات لأمر ما لكن لا يعني أنك وصلت إلى المكان. ويجب أن نكون حذرين في المؤشرات، والمؤشر الحقيقي الذي يقاس عليه بصدق هو مؤشر تركيا لأن أردوغان فاز بثلاث دورات متتالية، هذا يدل على نجاح تجربته، أما تجربة الإخوان في مصر سنحكم عليها بعد أربع سنوات من الآن، وإلا سندخل في نفس النمط الغربي بأن التصويت (ضد) وليس (مع)؛ فإذا غضبت من الإدارة الحاكمة ستصوت للمعارضة ليس حبًا في المعارضة وإنما انتقامًا من الإدارة الحالية لأنها أعطتك وعود تشعر أنها لم تف بها. «حكاية الحداثة» والعولمة بالرجوع إلى كتابك (حكاية الحداثة) ثانية دكتور عبدالله، تحدثت عن الأنساق في كتابك، هل ما زالت تحكمنا رغم موجات العولمة في العقدين الأخيرة؟ هي وجدت قبل أن ينشأ الإنسان وستستمر حتى بعد ممات الإنسان، الأنساق أقوى من الإنسان أصلًا، والأنساق في الحضارة الغربية التي نسميها ديمقراطية وعولمة أشد منها عندنا، العولمة نفسها نسق، ونسق خطير جدًا لأنها نسق هيمنة وابتلاع للشعوب الأخرى واقتصاداتها، فهي أخطر أنواع الأنساق أصلًا. في مجتمعنا هل يغلب علينا النسق الديني أم نسق العولمة؟ نحن يغلب علينا الثقافة الدينية، إذا دخلنا في النسق سيأتي كلام آخر، العولمة نسق لأنها إنتاج بشري سياسي اقتصادي له خطط فهو ينتمي إلى النسق. إذا للدين فهو ينقسم إلى: دين حق بما هو وحي منزل من الله، وإلى جانب آخر وهو ثقافة دين، تسيطر علينا ثقافة الدين حتى الإنسان الذي يمكن أن تسميه علمانيا أو ليبراليا لكن ثقافته دينية وضميره ديني وغيرته دينية في تعامله مع زوجته ومع أطفاله ومحيطه يغلب عليه الثقافة الإسلامية حتى وهو ليبرالي؛ فالثقافة الإسلامية كإنسان مسلم الذي يغلب على المجتمع السعودي هو صفة إسلامي، لكن ما نوعه؟ مدى بعد الإسلامية فيه؟ هنا يوجد تنويع شديد. وليس هناك نوع واحد يحكم؟ الإسلام ليس نوعا واحدا. الذي يحكم في مجتمعنا أقصد؟ في مجتمعنا أيضًا إسلام متنوع، هناك إسلام متشدد يرى أنه كلما شددنا في الأمر حصنا أنفسنا أكثر، وهناك نوع يرى أن الإسلام دين عالمي وينفتح مثل تجربة ماليزيا وتركيا، وهناك نوع يرى أن الإسلام مجرد تعبد فقط. هذه الأنواع موجودة في مجتمعنا وصحفنا تعبر عنه، والوسائل الأخرى تعبر عنه، لكن إن فحصنا فسنجد أن البعد الإسلامي هو الأقوى بشكل عام وتحته تنوع. لكن ليس هناك نوع مسيطر أو متحكم؟ لا يمكن أن تجد نوعا متحكما وإنما هي مدى استجابة الشارع العام، فحتى أحكم على المسيطر علي أن أذهب إلى تويتر وأتأمل، وعندما أتأمل أجد الغيرة الدينية هي المسيطرة، ولاحظ أي تغريدة تمس شيئًا ذا قيمة دينية تجد ردود الفعل عليها ضخمة جدًا، وعندما تذهب إلى الصحافة الإلكترونية وهي مؤشر مهم وأرى التعليقات على المقالات؛ فإذا المسألة دينية تجد نسبة التعليقات عالية جدًا، والجانب الإسلامي فيها أعلى، فهذه مؤشرات عملية وأرقام حية. التصاق الديني بالسياسي خاصة مع ظهور الحركات الإسلامية بشكل واضح في العالم العربي هل هو جرم في حق الدين، أم توفير لجناب الدين من التدنيس؟ أقول وبصدق أن هذا النوع من الجدل أراه عبثيا لأن السياسة تطبيق، ومثل ما ضربت لك مثالًا بأردوغان؛ فالسياسة هي كيف تتصرف مع الناس؟ فإذا تصرف معهم حسب احتياجاتهم الأولية والأساسية والمصيرية فهم معه ويقبلونه، أردوغان قبل في مجتمع علماني، ونجح تحت مظلة نظام دولة علمانية، لماذا؟ لأنه قدم النزاهة والشفافية والإنجاز. لذلك يجب أن نتكلم بهذه المعاني، لا نتكلم بقضية إسلامي أو غير إسلامي، الكلام في مثل ذلك يصبح متاهة، فالذي ينجح في سؤال السياسة هو تطبيق السياسة حسب مراد الناس ورغباتهم. إذًا إقحام الدين في السياسة هو بمثابة إشغال للناس؟ لا. أنا لم أقل هذا. أقول افتراض سؤال: هل الدين ضد السياسة أو السياسة ضد الدين؟ أقول إنه سؤال عبثي. إذا أردت أن تتكلم في السياسة فتتكلم بالتطبيق العملي، الناس إذا رأوا تطبيقًا عمليًا يستجيب لطموحاتهم فلا يعنيهم مثل هذا السؤال. أما إذا جاء نظام لم يستجب لطموحاتهم فلا يهمهم أن تسميه إسلاميا أو غير إسلامي. لذلك السياسة هي فن إدارة احتياجات البشر. نحن بالتأكيد نعيش تحولا اجتماعيا، ما أبرز ملامحه؟ نعم بالتأكيد يحصل تغير اجتماعي وثقافي وإلا نكون حجرا، وما دام الإنسان إنسانًا فهو باستمرار يتحول ويتغير، وإذا لم يتحول أو يتغير فقد أصبح حجرًا. وأهم التغيرات التي حصلت في السنوات العشر الماضية أننا صرنا جزءًا من العالم ولم نعد جزءًا من ذاتنا، ثانيًا: أن فكرة الخصوصية لم تعد ممكنة ولم تعد قائمة، ثالثًا أن أهم مظهر ثقافي على مستوى العالم ونحن جزء منه هو سقوط النخبة وبروز الشعبي، وهذا يعني أن كل فرد من أفراد كل بيئة صار بحكم المؤلف فلم يعد هناك عشرة أسماء فقط نسميهم قادة الفكر هم الذين يكتبون الكتب وهم الذين يقولون الرأي ونحن اتباعهم، هذه ولت ولا يمكن أن تعود، مما يعني أن كل واحد منا صار صوتًا ويستطيع أن يكون فاعلًا ومؤثرًا لكن درجة المفعولية والتأثير تختلف من شخص لآخر. في تغريدة د. تركي الحمد الذي أثارت لغطًا إعلاميًا طالبت بمناقشته مناقشة موضوعية، هذه إشكالية باتت تتكرر تحت عنوان المسموح والممنوع في الرأي والتعبير، هل هناك حدود وضوابط يمكن أن تقيد من يعبر عن رأيه؟ بالنسبة لي أرى أن الرأي ليس له حدود. الرأي لا يمكن إخضاعه للشروط، وإذا أخضعناه للشروط لا يمكن أن نسميه رأيًا. ما يحدث بعد الرأي هو أن يأتي رأي آخر يقابل ذاك الرأي، في هذه الحالة لا بد من فتح باب النقاش، إذا لم نفتح باب النقاش فنحن لا نقيم الحجة على أحد، ولا نقيم الحجة نفسنا أيضًا. إذا تبين بعد النقاش أن أحدنا مخطئ فيتحمل مسؤولية أخطائه، إذا لم نتبع هذا الأسلوب سنقع في إشكاليات لا أول لها ولا آخر. هل يتحمل مسؤولية أخطائه قانونيًا أم ماذا؟ إذا حدث هذا الخطأ، أنا لم أر الخطأ حتى أصنفه، أنا لست رجل قانون، ولست مشرعا وليس من حقي أن أكون، أنا صاحب فكر ورأي، أستطيع أن أتكلم عن الفكر والرأي، إذا تجاوزنا مسألة الفكر والرأي إلى مسألة القانون والتشريع فلها أهلها حينئذ، لا يمكن لأحد أن يلعب أدوار الغير. أنا أقصد دكتور عبدالله تعقيبًا على كلام أنه يتحمل مسؤولية أخطائه. يتحملها و(خلاص)، قد يتحملها أخلاقيًا، يتحملها ضميريًا، افترض أن الخطأ علمي هنا يكون التحمل أخلاقيًا وضميريا. أما توصيف هذا الخطأ فهي مسألة لغيري. حتى لو كان الخطأ دينيًا في اعتقاد البعض؟ أنت قلت في اعتقاد البعض، إذًا أصبحت في منطقة الرأي. ولا يصح أن نصف اعتقاد البعض بأنه هو الدين. الدين من الأمور التي يصبح الحكم فيها واضحا، أما إذا بعضهم يعتقد كذا، وبعضهم يعتقد كذا فنحن أمام مسألة خلافية في هذه الحالة. وإذا كان من ثوابت الدين أو المجتمع؟ إذا كان كذلك. أنا لا أتكلم بالعموميات، أعطني مثال حينها أتكلم، لأن كل شخص يمكن أن يقول هذا ثابت وهذا غير ثابت. من الخطأ المنهجي أن نتكلم بالعموميات، والذي يجادل حول الثابت أصلًا فهو خارج عن منظمومة بالأساس. لكن السؤال هل ما أسميناه ثابتًا هو ثابت بالأساس؟ أما إذا قطعنا بثبوتيته، فمن جادل في أمر قطعي الثبوتية فهو خرج من جلد الأمة وانتهى الأمر. الخلل هو أن يزعم أحدنا أن أمرًا ما هو ثابت وهو ليس بثابت. الغذامي والبازعي ميلك في الفترة الأخيرة إلى التيار المحافظ اعتبره البعض إفلاسا لفكر الحداثة الذي كنت أحد أساطينه، واعتبره البعض خفوت توهج الغذامي لخفوت توهج ما كنت تدعو إليه، فأردت العودة إلى الأضواء، كيف تعلق؟ أنا لا أعلق على مثل هذه الأمور، لسببين: الأول: من حق كل إنسان أن يقول رأيه عني دون أن ألجم هذا الرأي أو أعارضه، هذه حقوق الناس في أن يتكلموا عنك. ثانيًا: ليس من الحكمة ولا من المنهجية أن يتكلم المرء عن نفسه فيقول أنا لم أفعل كذا، وأنا فعلت كذا، هذا اعتبره ضربًا من الغباء. للناس الحق وقد قلت هذا في صفحتي على تويتر قل رأيك ولا تبالي شريطة أن تقول هو رأي أعرضه ولا أفرضه. وما دمت أنا أقول رأيي ولا أبالي فمن حق غيري أن يقول رأيه عني ولا يبالي ما سبب الهجمة الأخيرة عليك؟ حسد؟ أم اختلاف فكري؟ شكرًا لهم، شكرًا لمن هاجم لأنه أولًا يدربني على الصبر ويدربني على سعة الصدر، يجعلني أمتحن نفسي في قدرتي على الاستماع للرأي الآخر. ثم إن الذي يهاجمك عادة هو الذي يشيع أفكارك، لو مرت أفكارك دون أن يهاجمك أحد لم يعلم بها أحد. الخصومات بين المثقفين والكتاب ظاهرة موجودة في كل عصر ومجتمع هل تراها صحية في أوساطهم؟ طبعًا بالتأكيد هي موجودة في كل عصر. وبالنسبة لي أنا أقول إنها واقعية جدًا، لايمكن إيقافها ثم يمكن استثمارها إيجابيًا، وأعطيك مثالًا على ذلك؛ أنا رصدت مبيعات كتابي (الخطيئة والتكفير) كانت تزداد مع كل حالة هجوم علي، هذه فائدة وتشيع الكتاب، وأصلًا هذا الكتاب لو لم يهاجم في وقته ما شاع ولا ما بقي. هل ندم على كتاب كتبه د. الغذامي، ويود أنه لم ينشر؟ الحقيقة لا. يعني هل أنت راض عن كل كتبك؟ ليست قضية راض أو ساخط. هذه كتبي أنا، مثل ما أقول هل أنا راض عن فترة المراهقة التي عشتها!! هي أنا، كتبي هي ذاتي الواقعية. في حوار لك وصفت البازعي بالرجعية والأمية الحضارية، رغم شهود الكثير له بالمنهجية العلمية والنقدية الرصينة، ما سبب ذلك، ولم يعرف عنه أن نال منك بمثل ما نلت منه؟ أنت تحكم ليس أنا. لن أرد على مثل هذا الكلام. لأنه ليس دقيقًا وليس صحيحًا لذلك ليس لدي رد عليه.