كبار المسؤولين في حملة الحرب على الإرهاب في واشنطن لا يصدقون اعينهم ولا آذانهم وهم يشاهدون شوارع العالم كله بدءا من جادة بنسلفانيا ومرورا بتيانمين سكوير والريد سكوير ونهاية بالهايد بارك تنتفض على استعمال أمريكا القوة في العراق.. إدارة الحرب في واشنطن فعلا لم تكن تتخيل حجم تلك الحشود للشارع الأمريكي نفسه والذي ظلت تصوره محطات التلفزيويون الأمريكية في وضع التأييد للرئيس بوش وحربه على العراق.. الأكثر احباطا لإدراة الحرب هو الفشل الذريع الذي منيت به حملة العلاقات العامة الضخمة داخل أمريكا والتي جيشت طوابير من الخبراء العسكريين والاستراتيجيين المتخصصين في صناعة المنافسات لصناع القرار في واشنطن علاوة على أكوام من التسريبات المعلوماتية لتوجيه الصحافة في حبك السيناريو العراقي والذي تم ربطه بأحداث 11 سبتمبر والعلاقة بالقاعدة لمزيد من مناخ الخوف للرأي العام وتوجيهه مع الحرب.. الماكينة الإعلامية الأمريكية لم تتوان عن استخدام الأساليب المهنية وربما اللا اخلاقية لسلطة الصحافة الحرة من أجل سواد عيون الصقور في اليمين حتى وهي ترصد توجهات الشارع والنخب داخل وخارج أمريكا والتي لم تسلم من التزييف والتقزيم لأسباب واضحة ومكشوفة.. ففي الوقت الذي تورد فيه وكالة الصحافة الفرنسية تقريرا عن حالة الغضب والتظاهر في عواصم العالم والتي وصلت لأرقام بالملايين سواء في لندن او واشنطن ونيويورك وسان فرانسسيكو وموسكو وباريس, تظهر صحف كالواشنطن بوست والأسوشيتد برس لتقول ان اعدادا تقدر بالآلاف خرجت للتظاهر ضد ضرب العراق.. توجه كهذا يعكس حالة اليأس والتخبط لدى الإعلام المسيس في هذه الحرب التي تفتقر للمبرر والمشروعية.. على اية حال, ما لم يكن في حسبان واشنطن والإعلام السياسي لها هو مدى قوة وجبروت الجماعات غير الحكومية التي تحرك وتتحكم في الشارع داخل أمريكا وفي كبريات العواصم الأوروبية.. بلد كأمريكا غريب ألا يتعلم من مظاهرات سياتل المناوئة للعولمة والتي لعبت فيها نقابات وجماعات عمالية واتحادات مهنية دورا مخيفا لم تفلح معه صور التقزيم الإعلامية حينئذ.. جماهير اليوم تتحرك بأدوات وأفكار قد لا يكون منها الإعلام والساسة.