الصورة المنقولة أو المنشورة عن أية حرب تؤثر في رأي الناس حولها، والكلام السابق وحده يجعل التأطير البصري لأخبار الحرب في الإعلام موضوعا مهما، وربما انتقل من خانة (الترف الفكري) إلى خانة الواجب أو (فرض العين)، وقالت سوزان سونتاغ في مؤلفها الصغير: حول آلام الآخرين (2003) «إن المشاهد والصور المختارة في نشرات الأخبار والصحافة المطبوعة، تلعب دورا أساسيا في بناء المواقف الاجتماعية العامة، وفي رسم حدود المسموح والمرفوض». ومن مفارقات الصورة، إن جريدة الجزيرة السعودية نشرت في التسعينيات خبرا لمسؤول لقبه العائلي (الحصان) وأرفقت، دون قصد طبعا، صورة لحصان مع الخبر، ثم اعتذرت عن الخطأ، والمسألة وقعت قبل الفترة الثانية لرئاسة القدير خالد المالك وبعد رحيله الأول، وعلى طريقة قبل الميلاد وبعد الميلاد، وأعتقد أن محرر الصور لم يقرأ المادة أو لم يكن سعوديا..! مرة أخرى، يظهر دور المشهد الحربي وتأثيره، مثلا، في انقسام الرأي العام الأمريكي بين مؤيد ومعارض لحرب العراق، وللتوثيق فقد بدأت الحرب في 19 مارس 2003، ونقلت وسائل الإعلام العربية والغربية تطوراتها بالصوت والصورة، والثانية كانت معبرة جدا في مشهد إزالة تمثال صدام حسين وسحبه بالدبابة الأمريكية في ساحة الفردوس في بغداد يوم 9 أبريل 2003، بمباركة ومشاركة شعبية لرجل الشارع العراقي، وفي مقاربة رمزية بين إزالة التمثال وإزالة جدار برلين، وقال سيان ادي وآخرون (2005) بأن تكرار محطتي (سي إن إن) و(فوكس نيوز) لمشاهد إزلة التمثال في بغداد، يقترح على المشاهد أن أمريكا قد انتصرت في الحرب وأسقطت النظام، ويغيب عن ذهنه ما يجري في أماكن أخرى داخل العراق، ولاحظ إيدي ورفاقه أن التغطيات تراجعت بدرجة كبيرة بعد عرض هذه المشاهد، والإعلام الأمريكي تجاهل مشاهد أخرى قريبة من التمثال وحدثت في اليوم نفسه، والمشاهد نقلتها (آي تي في) البريطانية والإعلام العربي ومنها حالة الفوضى وسلب ونهب مؤسسات الدولة والسرقات والقتل المجاني وحمل السلاح في الأماكن العامة، إلى جانب الصور والمقاطع المسربة، وقتها، لتعذيب وإهانة المعتقلين العراقيين في سجن أبوغريب على يد المحرر الأمريكي نفسه، وذكر (راي هيبرت) في قراءته لدور العلاقات العامة والبرباغندا في تأطير الحرب العراقية (2003) أن (البنتاغون) أو وزارة الدفاع الأمريكية، قدمت للإعلام العالمي في الأيام الأولى للحرب ما بين ستمائة إلى ثمانمائة صورة فوتوغرافية يوميا، ومعها ما بين خمسة وعشرين إلى خمسين مقطع فيديو، وهذه المواد كان يعمل على تأمينها ما يقرب من مائة وخمسين مصورا عسكريا، وحرب العراق حدثت في سنوات (العز) الإلكترونية وفي زمن حضور الإنترنت كمنبر إعلامي ومصدر للإخبار والصور على مدار الساعة، ودون رقيب أو حسيب أحيانا، كما أنها أول حرب ينقلها التلفزيون حية على الهواء، وبالمناسبة؛ مرافقة الصحافيين لقوات التحالف مدروسة والغرض منها إعطاء الحرب وجها إنسانيا، وإدخال الصحافيين في جو أسري مع العسكريين مع ما يفرضه هذا (الجو الذكي) من التزامات عاطفية، والمسؤولة الأخلاقية لأمريكا باعتبارها الأقوى حاليا، تعطيها الحق المطلق في إعلان الحرب على أي طرف يهدد مصالحها، أو يشكل خطرا على نفسه أو جيرانه، أو يضر بالأمن والسلم العالمي، وفي هذا تلميح إلى أن أمريكا تمارس دورا (أبويا) أو (سماويا) وهو أمر لا يتفق مع النسخة الغربية للديموقراطية. الاحتلال الأمريكي للعراق سيدخل عامه الثامن في أبريل 2010، والدراسات الإعلامية حوله ما زالت مستمرة، وجميعها تؤكد أن أخبار الإعلام في الولاياتالمتحدة لم تغير مواقفها، وأنها باقية على تأييدها لوجهة النظر الحكومية في موضوع الاحتلال، ولا أدري ما الذي يمكن أن نتوقعه من إدارة باراك أوباما، ووجدت إيمي فرايد في كلامها عن: الإرهاب كسياق للتغطية الإعلامية قبل الحرب العراقية (2005) أن مجلتي (التايم) و(نيوزويك) استثمرت مسألة الإرهاب ومخاوف الأمريكيين منه في موادها المنشورة قبل الحرب، وقالت الدراسات الأمريكية بأن التغطيات الإعلامية كانت إيجابية ولمصلحة الإدارة الأمريكية في مجملها، وكتبت كاثرين لوذر ومارك ميلر في: التأطير الإعلامي لمظاهرات الحرب الأمريكية على العراق في سنة 2003 (2005) أن (الأسوشيتد برس) والصحافة الأمريكية المطبوعة، قدمت المظاهرات المعارضة للحرب في قالب الطارئ والشاذ، ووضعت وجهات النظر المؤيدة في قوالب منسجمة ومعبرة عن الناس ومواقفهم، والزيادة أن المواد الإعلامية المنشغلة بالحرب العراقية في أمريكا اعتمدت في أغلبها على المصادر الرسمية وأهملت غيرها، وهذه المصادر ركزت دائما وعبر مكاتب العلاقات العامة، على تبرير وشرعنة الاحتلال، وبالغت في تقدير حجم التهديد الذي يشكله نظام العراق القديم على أمريكا، والسابق ذكره سوهان دوتا- بيرغمان (2005). وأضاف مايكل غريفن في: صور الحرب الأمريكية على الإرهاب في أفغانستان والعراق (2004) أن المشاهد المنشورة عن الحرب العراقية في مجلات (التايم) و(نيوزويك) و(يو إس نيوز آند وورلد ريبورت) عملت على خدمة وتكريس وجهة النظر الأمريكية دون غيرها، والمجلات عرضت صورا عن الترسانة العسكرية الأمريكية والشخصيات السياسية والعسكرية، ومن هؤلاء المجندة الأمريكية جيسكا لينش صاحبة الحضور الفاخر على غلاف مجلة (نيوزويك) يوم 14 أبريل 2003 وصور لعراقيين يقبلون القوات الأمريكية، وغابت عنها صور الضحايا العراقيين والأمريكيين والبريطانيين، وخسائر الناس العاديين في العراق، ودمار البنية التحتية العراقية وهكذا. الإعلام الأمريكي انحاز إلى زوايا معينة في المشهد العراقي، ونظر إليها باعتبارها مشاكل معقدة، والحقيقة أنها لم تكن كذلك، فالديموقراطية غابت كليا والبركة في الولاياتالمتحدة، وأسلحة الدمار الشامل ثبت بالدليل الأمريكي أنها حاضرة على الورق ولا وجود لها على الأرض، والديكتاتور الذي رحل ترك مكانه فارغا لأكثر من ديكتاتور. binsaudb@ yahoo.com للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 107 مسافة ثم الرسالة