شاء ربك أن تتسرب معلومات الدور الإسرائيلي الكبير في الحرب الراهنة، بينما يجزم مسئولو الإدارة الأمريكية بأن ذلك الدور لا وجود له. وإذ لا يفاجئنا النفي الأمريكي، فإن المفاجأة الحقيقية تجسدها التفاصيل المذهلة التي عرفت عن حجم ومدى الدور الإسرائيلي، الأمر الذي يثير ألف علامة استفهام حول جوانبه الأخرى المسكوت عليها، التي لا تزال في طي الكتمان. (1) حين وقف جيمس موران عضو الكونجرس الديمقراطي متحدثاً في مؤتمر ضد الحرب أقيم بإحدى كنائس ولاية فرجينيا، لم يكن يخطر على باله أن الملاحظات التي أبداها حول دور اليهود في إشعال نار الحرب وقدرتهم على وقفها، ستتحول إلى قنبلة تهز أوساط العديد من الدوائر الأمريكية، بعد ساعات قليلة من نشر الخبر في صحيفة (واشنطون بوست). إذ رغم أنه تعرض لحملة هجوم وقمع شديدة، من المنظمات الصهيونية ومن زملائه في الكونجرس الذين تهمهم أصوات اليهود وأموالهم، ورغم أن وسائل الإعلام سعت إلى تشويه صورته، ونقبت في حياته الشخصية بدءا من قصة طلاقه وانتهاء بالقروض البنكية التي حصل عليها، إلا أن ذلك لم يغير من حقيقة أن القنبلة انفجرت بالفعل وأن أصداء دويها ترددت في كل مكان. أثير موضوع اليهود في الكونجرس، ونوقش علنا لأول مرة منذ سبعين سنة.فقد سئل في الموضوع كولن باول وزير الخارجية فنفى أي دور لليهود في حرب العراق أو في السياسة الخارجية الأمريكية. وكان ذلك أيضاً موقف المتحدث باسم البيت الأبيض آري فلايشر (يهودي !). في تقريرها عن الحدث قال مراسل مجلة (المجلة) في واشنطون (عدد 23/3) ان كثيرا من قنوات التليفزيون أحجمت عن الخوض في الموضوع، ولكن معظم النقاش حوله جار على نطاق واسع على مواقع الإنترنت. ونقل المراسل عمن وصفه بأنه مصدر يهودي أمريكي كبير تخوفه من المستقبل، وقوله: إذا قتل عدد كبير من الجنود الأمريكيين في الحرب سترتفع الأصوات متهمة اليهود بأنهم المسئولون عما جرى لهم، وهذه ستكون كارثة كبرى. لقد نشرت الصحف الأمريكية أن أستاذا جامعيا يهوديا في ولاية الينوي تلقى خطابات تهديد من أمريكيين سود، أحدهم قال له: كم عدد الجنود اليهود في القوات الأمريكية المسلحة، وكم جندي أسود سيقتل من أجل اليهود، ومن أجل إسرائيل؟ ومن الإشارات النادرة التي نشرت حول الموضوع ما كتبه الصحفي والسياسي بيو كانان، الذي كان أحد مرشحي الحزب الجمهوري لرئاسة الجمهورية، في مجلته (أمريكان كونسيرفاتف) قائلا: لأول مرة بدأ الناس يتحدثون علنا عن شيء ظلوا يهمسون به سرا. لأول مرة ظهرت حقيقة حزب الحرب اليهودي. لأول مرة عرف الناس الصلة بين إسرائيل وحرب العراق. لأول مرة هناك أسماء ووثائق (وأورد أسماء اليهود القابضين على المواقع المهمة في الإدارة الأمريكية). هذه الأصوات التي تتحدث في العلن تظل استثنائية، لأن القمع الشرس الذي يتعرض له كل من يدوس لليهود على طرف يسكت كثيرين ويقطع ألسنتهم. ذلك أن تهمة (العداء للسامية) تنتظر كل من يخوض في الموضوع أو ينتقد إسرائيل بكلمة. والتعميم غير المعلن الذي يعرفه الجميع وانصاعت له الأغلبية يلخص المراد في كلمات قليلة هي: إذا لم تؤيد إسرائيل، فمن مصلحتك ولأجل سلامتك واستقرار مستقبلك، أن تبلع لسانك وتلتزم الصمت! (2) الطريف في الأمر أن ملف مساهمة إسرائيل ودورها في إشعال نار الحرب مفتوح في وسائل الإعلام الإسرائيلية، التي ذهب بعضها بعيدا في الكشف عن مساحة كبيرة من خلفيات وأسرار الترتيبات الأمريكية الإسرائيلية لكل ما نشاهده الآن، وما هو مخطط للمستقبل. وقد توفر لي في الأسبوع الماضي كم من المعلومات المثيرة حول هذا الموضوع، تلقيتها من مصادر داخل إسرائيل نفسها، وأخرى معنية بالرصد والمتابعة في الضفة الغربيةوغزة. من تلك المعلومات التي ترددت على شاشات التليفزيون أن إسرائيل لعبت دورا أساسيا في دفع الإدارة الأمريكية إلى شن الحرب على العراق وتحديد أهدافها. وهذه الخلفية نفيت بشدة في واشنطون كما أسلفنا. إذ في خلال الأسبوعين الماضيين جرت الإشارة إلى هذه المعلومة عدة مرات، من خلال ما قدمته مراسلة القناة الأولى في التليفزيون كيرن نويبخ، وأمنون أبراموفيتش كبير المعلقين بالقناة. كما رددها مراسل القناة الثانية عودي سيجل. والثلاثة أجمعوا في روايات متقاربة على أن مشروع الحرب من وضع ثلاثة من غلاة اليهود الأمريكيين هم: ريتشارد بيرل كبير مستشاري وزارة الدفاع، ونائبا وزير الدفاع جون وولفوفيتز ودوجلاس فايث. فهم الذين صاغوا أهداف الحرب، وقاموا بالدور الكبير في حث الإدارة الأمريكية على شنها. وبيرل وفايت محسوبان على خط الليكود ويعملان لحسابه، أما السيد وولفوفيتز فهو يقف إلى يمين الليكود، حتى أن واحدا ممن يسمون (حمائم) في الليكود ميخائيل ايتان انتقده ذات مرة، واتهمه بأنه يحرج نواب الحزب بدفعهم إلى تبني مواقف (غير معقولة) إزاء الفلسطينيين! أجمع مراسلو ومعلقو القناتين التليفزيونيتين في إسرائيل على أن اليهود الأمريكيين الثلاثة عكفوا بعد شهر من تفجير مبنى مركز التجارة العالمي في نيويورك على الاجتماع بكل من افرايم هلايفي الذي كان وقتذاك رئيسا للموساد ثم تولى لاحقا منصب مدير (مجلس الأمن القومي) الإسرائيلي. وشارك في تلك الاجتماعات رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية عاموس مالكا وخلفه اهارون زئيفي فركش، إلى جانب رئيسي قسم الأبحاث في كل من الموساد وجهاز الاستخبارات العسكرية بإسرائيل.. وكان هدف الاجتماعات هو صياغة أهداف الحرب الميدانية والاستراتيجية، وقد اتفق الجانبان على تشكيل لجنة تنسيق عسكرية مشتركة تقوم إسرائيل خلالها بتقديم كل ما يتطلبه الجهد الحربي الأمريكي وقت الحاجة. بالتوازي مع ذلك، شكلت لجنة أخرى للتنسيق السياسي، يقف على رأسها من الجانب الأمريكي بشكل خاص المستشارة لشؤون الأمن القومي كوندليزا رايس وتضم أعضاء من فريقها في مجلس الأمن القومي، ومن الجانب الإسرائيلي دوف فايسغلاس مدير مكتب شارون وبعض كبار موظفي وزارة الخارجية الإسرائيلية، وقد تعاملت هذه اللجنة بالذات في ايجاد الظروف السياسية المساعدة على الحرب، وكان على رأسها خطة (خارطة الطريق) (!!) من الملاحظات المهمة في هذا الصدد أن اللجنة العسكرية المشكلة ضمت جنرالات في هيئة أركان الجيش الإسرائيلي إلى جانب هيئة أركان الجيش الأمريكي، وكان ضمن الأخيرين الجنرال تومي فرانكس قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأمريكي، الذي أنيطت به مهمة قيادة الحرب على العراق! حسب قنوات التليفزيون الإسرائيلي، إلى جانب إقرار عاموس مالكا رئيس الاستخبارات العسكرية السابق الذي يعمل حاليا معلقا في القناة الأولى بالتليفزيون، فإن مهمة اللجنة العسكرية انحصرت في نقطتين رئيسيتين هما: تقديم معلومات استخبارية عن الأوضاع في العراق تساعد على حسم المعركة ضد بغداد والمساعدة في تقديم خطط ميدانية للمساعدة في الحرب. (3) إليك طائفة أخرى من معلومات التواطؤ الإسرائيلي في الحرب: * تبني الأمريكيون خطة إسرائيلية لاغتيال الرئيس صدام حسين أطلق عليها اسم (تسئيلم). هذا ما ذكرته عدة مرات قناتا التليفزيون الإسرائيلي الأولى والثانية، إضافة إلى شبكة الإذاعة العامة المعروفة ب (ريشيت بيت). وهذه الخطة كان قد وضعها الإسرائيليون في صيف عام 91، لتصفية حسابهم مع الرئيس العراقي الذي كان أول من (تجرأ) وأطلق الصواريخ على إسرائيل إبان حرب الخليج الثانية (حرب تحرير الكويت). وقد أشرف عليها الجنرال أيهود باراك، الذي كان وقتذاك رئيسا لأركان الجيش الإسرائيلي. وكانت هناك ثقة شديدة في إمكانية نجاحها، نظرا لتوفر معلومات دقيقة عن تحركات الرئيس العراقي وأماكن تواجده، وتقرر أن تقوم بها وحدة (سييرت متكال) أي سرية الأركان وهي أكثر الوحدات نخبوية في الجيش الإسرائيلي. وقامت عناصر تلك الوحدة بالتدريب على تنفيذ الخطة في منطقة تسمى (تسئيليم بيت). تقع على بعد 35 كيلو مترا إلى الجنوب الشرقي من مدينة بئر سبع في الجنوب، وأثناء التدريب وقع خطأ فني أطلقت بمقتضاه إحدى القذائف التي قتلت خمسة جنود على الفور، فصدر قرار رئيس الوزراء آنذاك إسحاق شامير بإلغاء المخطط. حسب معلومات وسائل الإعلام الإسرائيلية فإن الأمريكيين تبنوا الخطة، بعد إدخال عدة تعديلات عليها في ضوء ما استجد من معلومات. وقد تدرب أفراد من عناصر الوحدات الخاصة الأمريكية على تنفيذ الخطة في صحراء النقب وفي نفس منطقة المناورات السابقة. وقد استعانوا بالخطة لاقتناعهم بان الحرب على العراق لن يكتب لها النجاح ما لم يتم التخلص من الرئيس العراقي. ولذلك فإن اغتياله سيظل هدفا ثمينا سيسعون إلى تحقيقه طوال الوقت. * كشف برنامج (بوبوليتيكا) الذي بثته القناة الإسرائيلية الأولى في 18/3 الماضي عن أن نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني عقد خلال الشهرين السابقين للحرب لقاءات مع 70 خبيرا إسرائيليا في مختلف المجالات، ناقشهم خلالها في كيفية حسم المواجهة مع العراق. وأشار العديد من المعلقين الصهاينة إلى ان تشينى (مبهور) بمهنية الخبراء الصهاينة في تقديم المعلومات. وفي لقاء أجرته مقدمة البرنامج دان مرجليت مع البروفيسور عماتسيا برعام ( يهودي من أصل عراقي)، وهو مؤرخ مختص بالتاريخ العراقي، قال الرجل انه اجتمع لمدة ثلاث ساعات مع تشيني في ملجأ بالبيت الأبيض، أجاب خلالها عن قائمة طويلة من الأسئلة التي طرحها عليه، لكنه رفض التطرق إلى طبيعة الأسئلة أو إجاباته علنها. (4) الحماس الشديد للحرب والحرص على إشعال نارها والانتصار فيها له دوافع عدة عبر عنها أركان المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة على النحو التالي: * في الشهر الماضي ألقى شاءول موفاز وزير الدفاع محاضرة في مركز (حرتسلي متعدد الاتجاه) وهو أعرق واهم مركز بالدولة العبرية قال فيه ان النصر في الحرب يعني إخراج العراق من دائرة العداء لإسرائيل، والضغط على سوريا لإخراج المنظمات الفلسطينية من دمشق ولوقف حمايتها لحزب الله في لبنان، الأمر الذي يؤدي إلى تخفيف مصادر رفد المقاومة الفلسطينية في الضفة والقطاع. * عوزي عراد رئيس وحدة التحليل بالمركز سابق الذكر (كان مديرا للأبحاث في (الموساد) والمستشار السياسي لرئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، وقد أجرى مع طاقم من الباحثين عدة أبحاث حول العراق ومستقبل المنطقة لحساب وزارة الدفاع الأمريكية)، عراد هذا قال (ان النظام الجديد في العراق الذي يصفه بأنه سيكون نسخة من نظام كرازاي في أفغانستان، سيضع سوريا وإيران بين (فكي كماشة مرعبين) حيث ستجدان أنفسهما محاصرتين من كل صوب،. وقد أدخل الأردن ضمن أضلاع الحصار، ووصفها بأنها (دولة أكثر من صديق). * في رأي أركان المؤسسة العسكرية أن أهم آثار الانتصار من وجهة النظر الإسرائيلية التي عبر عنها موشيه يعلون رئيس الأركان تتلخص في أمرين، الأول أنه سوف يسرب الشعور بالعجز والهزيمة لدى العرب عامة والفلسطينيين خاصة، مما يجعل من العام الحالي عام الحسم ضد الانتفاضة الأمر الثاني أورده شفتاي شفيط الرئيس الأسبق للموساد، الذي توقع أن يسود العالم العربي مناخ ثقافي مغاير يعطي للجناح الداعي إلى التطبيع مع إسرائيل قوة دفع جديدة، تمكنهم من الدعوة إلى مراعاة متغيرات الموقف، (والواقعية) في التعامل مع الأوضاع المستجدة. * يرى داني جليرمان رئيس اتحاد الغرف التجارية في إسرائيل أن النصر سيجلب العديد من الفوائد الاقتصادية لإسرائيل، أهمها ثلاث هي: حصول إسرائيل على النفط العراقي الذي سيكون تحت إشراف أمريكي بأسعار مخفضة تراجع المخاطر الأمنية التي تهدد إسرائيل مما سيؤدي إلى تقليص النفقات الأمنية وإنعاش الاقتصاد الإسرائيلي ثم فتح السوق العراقي للبضائع الإسرائيلية. (5) لم أصدق أذني حين سمعت من الأستاذ محمد حسنين هيكل بعد أيام قليلة من بدء الحرب أن ثمة وحدتين عسكريتين إسرائيليتين اجتازتا الحدود وتعملان في غرب العراق، وزيادة في التأكد من الخبر بعثت بسؤال حول مدى دقته إلى مصدر في غزة أثق في إطلاعه ومصادره، فرد على في اليوم التالي بالمعلومات التالية: الحديث متواتر حول هذه النقطة في الدوائر الصحفية الإسرائيلية. وقد رفض عاموس مالكا رئيس الاستخبارات العسكرية الأسبق تأكيد الخبر أو نفيه. ولكن صحفيا إسرائيليا وثيق الصلة بأجهزة الأمن أبلغه بأن المعلومة صحيحة، وأن الإسرائيليين الذين دخلوا إلى العراق عددهم في حدود خمسة آلاف شخص، وأنهم انطلقوا من قاعدة عسكرية في صحراء النقب، حيث حملتهم بعض المروحيات إلى حيث عبروا الحدود برا إلى داخل العراق. وأعانهم في ذلك إدلاء وعسكريون ينتمون إلى إحدى الدول العربية. وهؤلاء الجنود من عناصر الوحدات الخاصة في سلاح المشاة الإسرائيلي. وهم غير الجواسيس الذين يجيدون العربية وتم تسريبهم إلى داخل بغداد منذ شهور. والمهمة الأساسية لأولئك الجنود الذين يعملون تحت غطاء جوي أمريكي، هي تمشيط منطقة غرب العراق المحاذية للأردن، بحثا عن منصات إطلاق الصواريخ سكاد، التي سبق أن أطلقها العراق في عام 91 باتجاه إسرائيل. أضاف الرجل ان تل أبيب حين أعلنت ان احتمالات تعرضها للقصف العراقي تؤول إلى الصفر، إنما فعلت ذلك استنادا إلى التقارير التي بعثت بها القوات الإسرائيلية الموجودة في الداخل. من ناحية أخرى، علمت أن الحاخامين الأكبرين في إسرائيل، ومجلس حاخامات المستوطنات، دعوا إلى إقامة الصلوات يوم الأربعاء الماضي من أجل سلامة جنود التحالف الذين يحاربون في العراق، وأن السفيرين الأمريكي والبريطاني في تل أبيب اشتركا في تلك الصلوات. حين بلغني الخبر تساءلت: هل كانت تلك الصلوات لأجل جنود التحالف حقا، أم أنها لأجل الجنود الإسرائيليين في العراق؟! أخيراً فأرجو ألا أكون بحاجة للتنويه إلى ان ما ذكرته على غرابته هو من حقائق الزمن الذي نعيشه، ولا يمت من قريب أو بعيد إلى حزمة الأكاذيب التي اعتاد الناس إطلاقها في مثل هذا اليوم: الأول من إبريل !