عندما أطلق الرئيس الأمريكي جورج بوش حملته العسكرية ضد العراق في مارس 2003، كان الرأي السائد هو أن هذه الحرب تحقق مصالح استراتيجية إسرائيلية، وتعددت الأسباب والتحليلات التي انطلقت كلها من نظرية المؤامرة، ولكن منذ أيام أصدر مركز الدراسات الفلسطينية بالاشتراك مع مكتبة مدبولي بالقاهرة ترجمة لكتاب أصدره مجموعة من المؤلفين الإسرائيليين عنوانه «الدور الإسرائيلي في الحرب الأمريكية على العراق» يمكن اعتباره بمثابة شهادة إسرائيلية على هذا الدور وعلى حجم الاستفادة التي حققتها إسرائيل من الحملة العسكرية الأمريكية على العراق. ويبدأ الكتاب بفصل كاشف بعنوان: «السياسات الإعلامية الإسرائيلية خلال الحرب على العراق»، يقول فيه مؤلفه إن الحرب الأمريكية على العراق لم تكن مفاجئة بالنسبة لإسرائيل، فهي كانت تمتلك متسعا من الوقت لاتخاذ الاستعدادات على كافة المستويات بما فيها خطة سياسة تنسيق المعلومات التي من شأنها أن تمكن المواطنين من الحصول على المعلومات حول الأوضاع ولشرح المواقف الإسرائيلية في حال إذا ما وقفت في موقع المتفرج أو أصبحت طرفا في الحرب، والتأكد من أن مواقف حكومتهم يتم التعبير عنها بصوت واحد. وقد تقرر تعيين ناطق إعلامي وطني أي ناطق رسمي باسم هذه السياسة. ففي ديسمبر (كانون الأول ) عام 1002، قرر أرييل شارون رئيس الحكومة الإسرائيلية تعيين اللواء حاموس جلعاد في هذا المنصب، وكان الهدف من ذلك حسبما يقول الكتاب، الحيلولة دون تكرار الفشل في حالة نشوب صراع مع العراق، حيث كانت هناك احتمالات بأن تكون إسرائيل هدفا لهجوم عراقي، وإذا ما هوجمت إسرائيل كيف سيتسنى للحكومة إطلاع الجمهور وشرح موقفها للعالم. ويقول الكتاب إنه على الرغم من أن الناطق الإعلامي الوطني قد حظي بدعم وتغطية كاملين من رئيس الوزراء وحكومته، إلا أن هدف تشكيل سياسة إعلامية واحدة لم يتحقق، فعلي سبيل المثال، في الأسابيع الأولى من اندلاع الحرب الأمريكية على العراق تحدثت رسالة رئيس الأركان والمؤسسة العسكرية الموجهة للإسرائيليين عن قدرات عراقية منخفضة، ومستوى دفاعي إسرائيلي عال وأن احتمالات تعرض إسرائيل لهجوم عراقي ضئيلة للغاية، في حين كانت الرسالة الإعلامية للناطق تشاؤمية للغاية وصورت إسرائيل وكأنها عرضة للهجوم، ومع التحول الدرامي للحرب الأمريكية على العراق، وانهيار الجيش العراقي، وبناه القيادية على نحو شامل وتام، ظل الناطق الإعلامي مصرا على أن مخاطر الهجوم العراقي لم تنته بعد ولا تقتصر المقالات والدراسات التي يضمها كتاب الدور الإسرائيلي في الحرب الأمريكية على العراق، على المعلومات التي يكشفها حول المساعدات اللوجستية والعملياتية التي قدمتها الدولة العبرية للقوات الأمريكية خلال تدخلها العسكري في العراق، وإنما أيضا تقدم وجهات نظر إسرائيلية حول التطورات التي شهدها العراق في أعقاب الاحتلال الأمريكي، فالكاتب تسفي برائييل يقدم معلومات مهمة حول استعانة الولاياتالمتحدة بالشركات الأمريكية في العمليات العسكرية والأمن بالعراق فهو يقول في فصل بعنوان «بازار أمريكي في العراق» إن الرئيس جورج بوش الأب يبدو حاضرا في العراق من خلال الأنشطة الاقتصادية الكبيرة التي يديرها عبر مجموعة شركات كارليل. وهذه المجموعة تعد مهمة في الولاياتالمتحدة، غير أن طبيعة أعمالها خارجها تبقى طي الكتمان، ومن غير الممكن أبدا الحصول على معلومات حول المبالغ التي يحصل عليها رؤساء هذه الشركة أو المشروعات التي تديرها، ومن بين رؤساء هذه المجموعة إضافة إلى الرئيس الأب، فرانك كارلوتشي وزير الدفاع الأسبق، وجون ميجر رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، وجيمس بيكر وزير الخارجية الأمريكية الأسبق، وذلك إضافة إلى سفراء ومسؤولين سابقين من وكالة المخابرات الأمريكية ورجال أعمال وهذه المجموعة تمارس ما يماثل دور حكومة الظل، فجيمس بيكر على سبيل المثال، يعمل بوسائل متعددة من أجل شطب ديون العراق. وتعد كارليل، حسب قول برائييل، أكثر المجموعات المنخرطة في كل ما يجري بالعراق منذ احتلاله، وذلك حسب تقرير أعده دافيد ايرنبيرغ الباحث البريطاني- الأمريكي للأمن وريتشارد بيرت المستشار في مجموعة كارليل والذي عمل سفيرا للولايات المتحدة فيي ألمانيا، وهو يدير أيضا شركة ديغلنس، وهذه الشركة إضافة إلى شركة نيو بريدج استراتيجي، تقوم بتزويد الشركات الأمريكية والأوروبية الخاصة العاملة في العراق وغيرها بالخدمات على صعيد تقديم حراس خصوصيين ومرافقين وضباط وخبراء أمن ومعلومات استخباراتية. وبحسب أقوال دبلوماسي أمريكي عاد من العراق فإن هذه الشركات تنشئ عمليا جيوشا خاصة، مقابلة لقوات التحالف فلديها ضباط أمنها المتخصصون، ورجال استخباراتها، وشبكة الاتصالات الخاصة بها، حتى بات بوسع هذه الشركات التوقيع على اتفاقيات مع زعماء العشائر المحلية من أجل حماية مصالحها وتزويدها بالأفراد.. وهنا تلعب الأموال الطائلة التي تدفعها هذه الشركات دورا كبيرا. وليس هناك حسب برائييل معلومات دقيقة حول العاملين المستخدمين لدى هذه الشركات الخاصة والتقدير يقول إن هناك ما بين 51 إلى 04 ألف مستخدم في أعمال الحراسة والمرافقة معظمهم من الأجانب والأقليات حيث يتقاضى كل مستخدم منهم نحو 005 دولار يوميا، وحتى آلاف الدولارات في المهام الخاصة والمعقدة التي تحتاج إلى تدخل طائرات عمودية وعربات مدرعة خاصة. والمرافقون والعاملون في مجال تقديم الخدمات، من التشيليين هم الأكثر رواجا في العراق، وأكبر دليل على ذلك أن الطاقم الذي كان مكلفا بحماية ديكتاتور شيلي السابق، أوجستو بينوشيه، عمل الآن لدى إحدى كبريات الشركات الأمريكية الخاصة في العراق، إلى جانب أشخاص على شاكلتهم من بقايا النظام العنصري السابق في جنوب أفريقيا، وهؤلاء يتجولون بحرية في شوارع بغداد والبصرة ويحملون اسلحتهم في وضح النهار، وفي معظم الأحيان يخرقون القوانين الجديدة في العراق خاصة تلك التي تحاول أن تحد من وجود المرتزقة في العراق والأجانب الذين يقدمون خدمات في مجال الحماية أصبحوا البديل الوحيد الذي يؤثر على حجم ميزانيات إعادة إعمار العراق، ففي كل اتفاقية عمل، أو عملية تطوير، تضطر كل شركة تحظى بالمناقصات إلى أن تأخذ في حسبانها، تكلفة تأمين الحماية والتأمين على حياة المستخدمين، لذلك فإنه إذا كانت التقديرات المحافظة تقول إن تكاليف إعادة إعمار العراق تصل إلى ما بين 07 و 08 مليار دولار، فإن مبلغ 51 مليارا سيكون من نصيب شركات تقديم الحماية والجزء الآخر سيكون من نصيب مدراء الشركات الذين يعملون موظفين ومشرفين في الشركات الأم مثل كارليل. وينهي برائييل دراسته بالقول إنه فيما يأمل جورج بوش الابن في تحويل العراق إلى بلد ديمقراطي أو علي الأقل تمكينه من الحياة في ظروف أمنية نسبية، فإن جورج بوش الأب يواصل قطف ثمار الحرب، فليست شركة بوش الأب كارليل الوحيدة التي تتمتع بهذه الثمار الطيبة، فهناك أيضا شركاء بريطانيون للعجوز بوش، فشركة «أرمور جروب» البريطانية هي المسؤولة عن إنتاج وتقديم الأجهزة والمستلزمات الأمنية والاستشارات في مجال الاستخبارات، وهي تحتفظ بآلاف المستخدمين في مجال تقديم «خدمات الحماية» لجميع الشركات البريطانية وحتى رجال الحكم البريطاني في العراق. ورئيس هذه الشركة هو وزير الخارجية البريطانية الأسبق مالكولم ايفكنر. وينتقل الكتاب إلى قضية غاية في الأهمية يعرض لها عاموس هرئيل وهي تتعلق بقلق الجيش الإسرائيلي من تطور حرب العصابات في العراق حيث يستعرض نشاط بعثة عسكرية إسرائيلية تضم مجموعة من كبار ضباط الجيش الإسرائيلي في الولاياتالمتحدة حيث مكثت هناك أكثر من أسبوعين ورأسها الجنرال الإسرائيلي زيف رئيس شعبة العمليات في الأركان العامة واللواء إيال بن رؤيين آمر الكلية العسكرية، وقد اشتركت المجموعة في مؤتمر عقدته القوات البرية الأمريكية في ولاية فرجينيا تركزت حول معالجة وتبادل المعلومات حول ما سمي «المواجهات المحدودة» أو ما يطلق عليه في العالم العسكري «الحرب الغدارية» وأيضا ما يصطلح عليه العسكريون الأمريكيون «طرق التعامل مع سكان معاديين». وكان الاهتمام المشترك للجانبين هو العبر والدروس الميدانية، حيث إن للحرب التي يخوضها الجيش الأمريكي في العراق، والحرب التي تخوضها إسرائيل في مناطق الضفة والقطاع جوانب مشتركة، ليس لأن العدو المشترك هو منظمات عسكرية متشابهة، ولكن لأن لدى الأمريكيين إحساسا بأن الجيش الإسرائيلي قد سبقهم في تجاربه مع هذه المنظمات في جوانب مختلفة من الحرب معها، وأكثر من ذلك فقد وجدت إسرائيل في الأشهر السابقة على هذا اللقاء صيغة معقولة لمواجهة الإرهاب ورغم أن استمرار احتلال إسرائيل للمناطق يستمر في تعقيد الأمور بالنسبة لها سياسيا، فالإسرائيليون يراقبون بقلق كبير التطورات في العراق، وذلك بسبب تداعياتها المرتقبة على الساحة القريبة جدا من إسرائيل، من خلال المعرفة المسبقة بأن الطرق والأساليب المتبعة حاليا ضد الجيش الأمريكي في العراق سوف تستخدم آجلا أم عاجلا ضد الجيش الإسرائيلي في الضفة والقطاع وجنوب لبنان. واللقاء بين البعثة العسكرية الإسرائيلية وبين عسكريين في فرجينيا لم يكن الأول من نوعه، فالجيش الإسرائيلي وكذلك الجيش الأمريكي يقيمان في السنوات الأخيرة منظمة متشعبة من البحث والدراسة المشتركين، ويبقيان عليها طي الكتمان بناء على طلب الولاياتالمتحدة، وعدم نشر أي تفاصيل حول هذا التعاون المشترك فإسرائيل تقدم المشورة والنصح للأمريكيين حول تقنية عمليات التصفية أو الإحباط المركز. وقد شاهد ضباط كبار من الجيش الأمريكي عن كثب ما يجري بهذا الخصوص في غرف العمليات المتقدمة التابعة للجيش الإسرائيلي في المناطق المحتلة الفلسطينية والتي تتعاطى هذه العمليات وغيرها، وأعربوا عن اندهاشهم من التعاون والانضباط بين مختلف الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، التي تعمل على تمرير المعلومات لبعضها البعض بشكل سريع وفي الوقت المناسب، والحصول على قدر كبير من دقة المعلومات الاستخباراتية واستخدامها خلال العمليات الميدانية. ويشير كاتب هذا الفصل إلى أنه خلال سلسلة من النقاشات التي جرت داخل شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، طرح الكثير من التقديرات التي تؤكد أن التورط الأمريكي المستمر في العراق يعطي مؤشرات غاية في السوء حول الوضع في منطقة الشرق الأوسط برمتها، وأن جميع اللاعبين الأساسيين في المنطقة من إيران إلى مصر ومن سوريا وحتى حزب الله والفلسطينيين يراقبون باهتمام كبير وعن كثب الدراما الجارية في بغداد والنجف ويستخلصون منها العبر والدروس. وكان الانطباع السائد لدى شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية لا يبشر بالخير على الإطلاق. فالضباط الميدانيون الإسرائيليون الذين سافروا إلى الولاياتالمتحدة من بينهم من لعب دورا بارزا في حملتي السور العراقي، سمعوا من زملائهم الضباط الميدانيين الأمريكيين في العراق انطباعاتهم حول ما يجري في ساحة القتال بالطرق.. وأنه يتم في بعض الأحيان تفجير أكثر من مائة عبوة يوميا ضد القوات الأمريكية في مختلف مدن العراق، وأن «العدو» المراوغ يظهر قدرة هائلة على تعلم الأساليب المضادة، وأنه يركز جهوده الآن في اشغال القوات الأمريكية فقط فيما يصب جهوده في استئصال نظام الحكم «التابع» الذي أقامه الأمريكيون وهذا الأمر يذكر الإسرائيليين، بما يجري داخل الضفة الغربية، على الأقل، وما جرى أيام القتال الشرس مع حزب الله بشكل أكبر استهداف رجالات نظام الحكم في العراق، يثير لدى الأمريكيين أفكارا غير سارة وأشجانا حزينة وذكريات سيئة عن تلك العمليات الناجحة والمؤثرة التي استخدمها حزب الله ضد قوات جيش لبنان الجنوبي في الفترة التي سبقت انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان في مايو (آيار) عام 0002م. والاهتمام الإسرائيلي كما يقول أحد كبار مسؤولي الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية يتركز على الصراع حول اختلاف القوى الداخلية العراقية ،فالسنة مثلا يديرون صراعا شاملا حول نقل السلطة للشيعة وإنما تهتم الجهات الأمنية الإسرائيلية بالصراع الدائر في العراق بمعناه الأشمل. ولا يخشى هذا الضابط الكبير من استخدام الكلمات والتعابير الكبيرة مثل «الحرب الدائرة الآن في العراق» تدور في الأساس حول هوية الشرق الأوسط. وهو صراع تخوضه الأنظمة السائدة الآن في الشرق الأوسط حول وجودها، وإذا ما تمت إقامة نظام حكم مستقر في العراق، وذي مؤشرات ودلالات ديمقراطية فإنه يشكل خطرا كبيرا على المتطرفين، وإذا ما فشل الهدف الأمريكي في العراق، إلى إقامة نظام حكم ديمقراطي، فإن البديل الوحيد لذلك سيكون هو تعزيز الفهم السائد في الشرق الأوسط القائل بأن أسباب المشكلات الكبيرة التي تواجهها المنطقة وشعوبها تكمن في سياسات أمريكا وإسرائيل. ويقول مؤلف هذا الفصل إن إسرائيل تعطي لسوريا وزنا كبيرا كعامل تهدئة ممكنة، فالساحة الأكثر اشتعالا بالنسبة لسوريا ليست العراق وإنما الساحة اللبنانية. وينتقل الكتاب إلى نقطة جوهرية ومهمة وهي موقف الرأي العام الإسرائيلي من الحرب الأمريكية على العراق، حيث أكدت استطلاعات الرأي عن أن هناك تأييدا كاسحا لهذه الحرب بلغت نسبته 68٪ ويرجع ذلك إلى المكاسب والأرباح الكبيرة التي جنتها إسرائيل من هذه الحرب، ويقول مؤلف هذا الفصل إن ذلك يعود أيضا إلى أن إسرائيل تحب بل تعشق الرئيس الأمريكي جورج بوش، وهي تعشق كل رئيس أمريكي لا يبدو معاديا، فهي تحبه لأنه يحتفظ بالمظلة التي تصد عن إسرائيل أعداءها، وتحبه لأنه يرمز إلى المساعدات الأمنية والاقتصادية، ولأن يعطي لإسرائيل شعورا بأنه لا يزال هناك صديقا واحد يقف إلى جانبها ويمكن الاعتماد عليه في هذا العالم. لذلك لا يجد الجمهور الأمريكي أي صعوبة في حب بوش، كما أحب نقيضه كلينتون، فإسرائيل هي الدولة المعتدة بذاتها جدا، والسؤال ليس هو علاقة بوش بإسرائيل، وإنما هي علاقة الأمريكيين بعمليات الإجهاض والتأمين الوطني والبيئة والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، فهذه الأمور لا تهم إسرائيل، وإن ما تريد أن تعرفه فقط هو أن أمريكا تقف إلى جانبها في المسائل الصعبة والمهمة لها. «بترتيب مع وكالة الأهرام للصحافة»