ان ما يشهده مجلس التعاون الخليجي في الوقت الحاضر من مرحلة جديدة في مسيرته التكاملية والتنموية خصوصا بعد ارساء البنى التحتية، وبعد مرور زمني اعطى نضجا جيدا لتجربته، وامام التحديات الراهنة التي يواجهها المجلس والمتغيرات الخارجية التي تتواكب مع مجىء القرن الحادي والعشرين فقد اصبح من الضروري ان يكون هناك تصور شامل للاطار يجمع وينسق جهود وفاعليات المسيرة التنموية في مختلف مجالاتها وابعادها الرسمية والشعبية في المرحلة المقبلة. لذلك فان أي مجهود حقيقي لوضع خطط تنموية تكاملية بين دول مجلس التعاون الخليجي لابد ان يقوم على اطر واهداف وسياسات واضحة. كما ان الدول الخليجية بحاجة فعلية لترسيخ الايمان بمبدأ المشاركة بين مختلف فئات المجتمع وبينها وبين قياداتها. ومن الضروري ان يتم تطوير اشكال اجتماعية واقتصادية تربط بين حجم ونوعية الخدمات الاجتماعية التى تحصل عليها فئات المجتمع بحجم ونوعية مشاركتها في الانتاج والعمل لتطوير وتقدم مجتمعاتها. ومن المهم ايضا ان تعطي اهمية اكبر للبرامج والسياسات التي تهدف الى مراكمة القيمة المعرفية الابداعية التي تسهم في جعل الفرد الركن الاساسي في التطوير والمبادرة واعطاء مسيرة التنمية طابعها الوطني المتميز والمعتمد على ذاته. ان تبنى مفهوم (تعظيم انتاجية الفرد) في المجتمعات الخليجية يمثل احد المداخل الممكنة للحديث عن استراتيجية تنموية طويلة الامد. وتبنى هذا المفهوم - باعتقادنا - يجب ان لا يكون على اساس اقتصادي او تقنى بحت، وانما يجب ان يكون تبنيا شاملا لكل ما يتصل بالمفهوم من نواح سياسية واجتماعية واقتصادية. فعند القول ان المطلوب هو تعظيم انتاجية الفرد، وتحويله الى عنصر منتج الى اقصى الحدود الممكنة، فان ذلك يستدعي مناقشة كيفية تحقيق هذا الهدف، ومعالجة نواحي القصور التي تحول دون تحقيقه وذلك من خلال تهيئة المستلزمات الفكرية والاجتماعية والاقتصادية التي تسهم في دفع انتاج الفرد الى اقصى الحدود الممكنة. وعلى المستوى العالمي، فان التحديات التي تواجه دول مجلس التعاون الخليجي تتمثل في عولمة الاقتصاد وتحرير التجارة العالمية والتكتلات الاقتصادية الكبرى. ان ابرز استجابة ممكنة من قبل دول مجلس التعاون الخليجي لهذه التحديات تكمن في اتخاذ مزيد من الخطوات لتعزيز تكتلها وتعاونها الاقتصادي. فلقد لاحظنا ان العديد من التكتلات الاقتصادية الاخرى - سواء كدول او كمجموعة - باتت تتصرف في علاقاتها الدولية على اساس انتمائها للتكتل. كما لاحظنا ايضا ان الدول الاوروبية تعلل عدم اقدامها على عقد اتفاقية التبادل التجاري الحر مع دول المجلس لكون هذه الدول لا تتمتع بسياسة موحدة في تعرفتها الجمركية كما يتمتع الاتحاد الاوروبي. والى حين تتبنى دول المجلس سياسة واحدة في هذا المجال فإن الاتحاد الاوروبي لن ينظر بالجدية اللازمة لعقد هذه الاتفاقيه. ان مفهوم الشراكة الاقتصادية المتوازنة ينصرف الى اعطاء المصالح الاقتصادية للجانب الخليجي نفس الثقل والحجم المعطى حاليا للمصالح الاقتصادية للجانب الاوربي ، كما ينصرف الى ربط مصالح الجانبين معا، واللآفت للنظر حقا انه على الرغم من حجم المشروعات الاوربية في المنطقة، وكذلك المصالح الاوربية الاقتصادية المشتركة فان برامج التعويض الجزئي التي ينفذها الجانب الاوربي لا تضاهي برامج مماثلة تنفذها دول اوروبية اخرى في دول اخرى. كذلك فإن حصة السوق الاوربي من الصادرات الصناعية الخليجية هي حصة محدودة اذا ما قورنت بحصة الاسواق الاوروبية والآسيوية.