اعتاد المثقفون والمفكرون كيل التهم للنوم، ومهاجمته، باعتباره علامة التخلف، وسلوك العاطلين. وترسب في أذهان الناس من هذا الهجوم على النوم، لا قيمة له وهو عادة يخلد إليه بمجرد أن يحل الظلام. وإذا ما أرادت الأمم المخرج من عالم التخلف والفقر؛ فلابد لها من مكافحة النوم، بإطالة العمل والتفكير. لوحظ أن الذي يحصل على نوم كاف، وعميق؛ يتمكن من القيام بأنشطة إبداعية، وتفكير ابتكاري، ثلاثة أضعاف من لم يحظ بذلك. كما تؤكد الدراسات، أن العاملين بنظام الورديات، يعانون من الغفوة القصيرة؛ لقلة النوم وعدم انتظامهنعم، قد تخاطب الثقافة النوم مجازا، كعنوان للكسل، ونمط من حياة الاستسلام للأمر الواقع، ولكن كيف يقف الطب من هذا الأمر؟، وهل يرى أن الصحة الجسدية والنفسية لا تتأثر بقلة النوم، أو الساعات الطويلة التي يقضيها المرء نائما؟، وهل هو عادة مكتسبة، لا ضرورة فيسولوجية يتطلبها الكيان الصحي السليم؟. يفند عالم الأعصاب، البروفيسور Russel Foster، بجامعة اكسفورد، هذه المقولات غير الدقيقة، في محاضرته الشيقة على تطبيق TED، يؤكد فوستر: صحيح أن الذي يستغرقه النوم من متوسط حياة الإنسان المعمر (90) عاما، (32) سنة، أي ثلث عمره، لكن النوم يمثل (من أدوات صيانة صحة الجسم، ومد الإنسان بالقدرة على الحياة الطبيعية). يؤكد فوستر، أن المخ أثناء النوم، يشهد نشاطا غير طبيعي، لمجموعة واسعة من المورثات التي تعمل على صيانة وإعادة شحن الطاقة للجسم، حيث لوحظ أن الذي يحصل على نوم كاف، وعميق؛ يتمكن من القيام بأنشطة إبداعية، وتفكير ابتكاري، ثلاثة أضعاف من لم يحظ بذلك. كما تؤكد الدراسات: أن العاملين بنظام الورديات، يعانون من الغفوة القصيرة؛ لقلة النوم، وعدم انتظامه. الاحصاءات في أمريكا: تشير لمائة ألف حادث سير؛ بسبب هذه الغفوة. ويسترسل فوستر؛ ليؤكد على حقائق مذهلة، حول أهمية النوم في السلامة النفسية. مؤكدا أن مورثات من يعانون من انفصام الشخصية معطوبة، وأن لها دورا مباشرا في تنظيم النوم. والمذهل أيضا، والذي يدحض ادعاء أهل الثقافة في أهمية النوم؛ ما أشارت إليه دراسة علمية جديدة -من فريق طبي أمريكي والمنشور ملخصها على BBC-، أن أنسجة المخ تتقلص أثناء النوم؛ لتلد شكلا من أشكال القنوات، التي من خلالها تدفع السوائل السامة المتجمعة أثناء النهار. وتنبأت الدراسة، بأن المصابين بالزهايمر قد يعانون من عطب في تقلص أنسجة المخ أثناء النوم، وبالتالي فإن النوم ما هو إلا وسيلة، أودعها الباري؛ ليجعله أداة التنظيف المنزلي للمخ المجهد، وتجديدا للطاقة الجسدية المبددة من المشقة بالنهار. فلا مفر من النوم، بتضييع ثلث العمر به، فكما النهار للمعاش، فالليل للسبات، فمن لم يتسع نهاره للإنتاج، بالتأكيد لن يجديه السهر؛ بل إن الأمة المبدعة هي الأمة السليمة في جسدها، ويصبح النوم عنوانا للهروب، وإن كان الفرد يقظا عندما لا يرى للتفكير المبدع دورا. قد نرى في القريب توجها جادا لمراكزنا العلمية، ووزارة الصحة؛ اهتماما بأبحاث النوم، وما يترشح منها من أثر على الصحة العامة للمجتمعات. وقبل أن نختم، نقول للحكيم الخيام، لم تصب في قولك: ما أطال النوم عمرا ولا قصر في الأعمار طول السهر نعم، النوم يطيل العمر، ولكن بالتأكيد السهر يقصره، ويدمر الجسد، والعقل، والنفس. [email protected]