يفترض أن يستيقظ الناس صباحا مرتدين ثوب النشاط والإقبال على يوم جديد عنوانه الحيوية، إلا أن ذلك أصبح بعيد المنال، وحل مكانه التذمر والشكوى من طول السهر، وكثرة الأرق. قلة النوم واضطرابه شكوى كثير من الناس في هذه الأيام، فبعضهم يشكو من تأخر نومه، وآخر يشكو من اضطراب نومه وصعوبته، بينما يصيح آخرون «لا أشبع نوما». بعضهم وجد في «المهدئات» ضالته ليدخل عالم الراحة والنوم العميق.. فيما جرب آخرون وصفات طبيعية كشرب الحليب واليانسون، والبعض الآخر استسلم لأرقه، الأمر الذي انعكس سلبا على حيويتهم ونشاطهم وإقبالهم على عملهم. «لا أنام». عبارة أطلقها إحسان عبدالقدوس في رواية حملت الاسم ذاته، ورغم أن هذه الرواية صدرت في ستينيات القرن الماضي فإن الصرخة لا تزال تتردد صباحا مع إشراقة شمس كل يوم جديد. والصرخة ذاتها أطلقها الثلاثيني «أسعد»:«تعبت من السهر، فأنا لا أستطيع أن أنام، قالوا لي من الشاي والقهوة فتركتهما إلى غير رجعة، وبت أبحث وأسأل: هل من وصفة تساعد على النوم؟ للأسف الأسبوع الماضي كلفني هذا الأمر خطأ شنيعا في عملي الذي يحتاج إلى تركيز ودقة عالية»، مضيفا: « قلة النوم تولد لدي تعبا طوال النهار وعدم تركيز وتشويشا، قالوا لي إن الكركديه يخفض الضغط ويساعد على النوم. فشربته، ولم تفلح الوصفة؛ ولذلك أتمنى حقا ألا أصل إلى مرحلة استخدام أي حبوب أو مهدئات لأنال حظي من النوم». ليلي.. نهاري وأكدت منى البعادي أنها مرت بالحال ذاته من قبل إلا أنها اهتدت إلى علاج تمكنت معه إلى الفتك بالتعب والإرهاق الشديدين اللذين تسببت فيهما قلة النوم: «بعد التجربة وجدت أن الإرهاق الفكري لا يؤدي إلى النوم، بالعكس السهر مع التفكير يزيد من تعود المخ على التفكير الذي قد لا يتوقف أيضا أثناء النوم، وقد تصحو متعبا كأنك لم تنم أصلا». وتضيف«وجدت أخيرا أنه لا دواء ينفع، وخلصت إلى أن الشيء الوحيد الذي يجعلك تنام هو المجهود العضلي، فهو يوقف المخ عن التفكير، ويرهق البدن إلى درجة أن العضلات تسترخي بشدة أثناء الاستلقاء، مما يساعد على النوم السريع والعميق». غفوة وتعسيلة الدكتور عارف زرقية أخصائي الأمراض الباطنية صنف النوم ضمن نعم الله على الإنسان: «النوم يريح تفكير الإنسان وأجهزته وأعصابه التي بقيت في حالة عمل ونشاط وتوتر وإجهاد خلال فترة النهار أو فترة العمل، حيث تبقى هذه الأعصاب والأجهزة في حالة يقظة ومتحفزة، وتتركز الأفكار والمهام والوظائف في الدماغ وأجهزة الجسم المختلفة لأداء ما هو مطلوب منها وترتيبه وإنجازه بلا توقف». ويضيف الدكتور زرقية: «تستطيع تقدير قيمة النوم عندما تسهو قليلا وأنت جالس على الكرسي أو مستلقيا على الكنبة، عندها يصيبك إحساس رائع وممتع ومريح ويعطي دفعة قوية من النشاط وصفاء الذهن حتى ولو كانت التعسيلة أو الغفوة لدقائق معدودة».