ما أرق القلوب المؤمنة حينما تقبل على الله في مثل هذه الليالي العشر وقد اغتسلت بالصيام خلال النهار وتهيأت للقيام في الليل تركت ملذاتها لتقف بين يدي الله في خشوع طالما اشتاقت إليه سائر العام وراحت تنشد في همس: ==1== ألا يا عين ويحك ساعديني==0== ==0==بطول الدمع في ظلم الليالي لعلك في القيامة أن تفوزي==0== ==0==بخير الدهر في تلك العلالي ==2== إنها كلما دب الفتور إليها تذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) رواه الشيخان وقوله صلى الله عليه وسلم (من قام مع الإمام حتى ينصرف غفر له ما تقدم من ذنبه) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح وتذكرت أقواما يدخلون المسجد للعشاء فما ينصرفون إلا قبل الفجر يركضون للسحور قبل فوات وقته. ولكن القيام في الواقع ليس لرمضان وحده وإن كان فيه أفضل فالله تعالى قد أمر به تطوعا غير مشروط بشهر بعينه قال سبحانه (قم الليل إلا قليلا) المزمل وامتدح المؤمنين الذين (كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون ) الذاريات وكان ذلك شأن الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه أولئك أقوام كان القيام في حياتهم جزءا لا يمكن أن يستغنى عنه. فقد ورد في صحيح البخاري أن أبا عثمان النهدي نزل ضيفا على أبي هريرة رضي الله عنه سبعة أيام فرأى أبا هريرة وزوجه وخادمه يقسمون الليل أثلاثا يقول أبو سليمان الداراني (والله لولا قيام الليل ما أحببت الدنيا ووالله ان اهل الليل في ليلهم ألذ من أهل النهار في لهوهم وإنه لتمر بالقلب ساعات يرقص فيها طربا بذكر الله فأقول : إن كان أهل الجنة في مثل ما أنا فيه من النعيم إنه لفي نعيم عظيم). ها أنت ذا يا أخي سمعت ما كان يفعله القوم فهل اشتهت نفسك نعيمهم وهل اشتاقت روحك إلى مثل خلوتهم مع ربهم وبارئهم لا شك أنك إن شاء الله حدثت نفسك بمثل ذلك ولكن لتعلم أن نفوسهم خفت إليه حينما طهروها من الذنوب والمعاصي حينما اشتكى رجل للحسن البصري فقال: يا أبا سعيد إني أبيت معافى وأحب قيام الليل وأعد طهوري فما بالي لا أقوم؟ أجابه بكلمتين: قيدتك ذنوبك. أولئك قوم لا ينامون إلا وقد غرسوا نبتة الأمل في قلوبهم نية وعزيمة على القيام فاحتسبوا نومهم كما يحتسبون قيامهم وما إن يفتحوا للحياة عيونهم من جديد في الثلث الأخير من الليل حتى يصبحوا بالدعاء فرحين: الحمد لله الذي رد علي روحي وعافاني في جسدي وأذن لي بذكره ونهضوا نشيطين وتوضأوا وتسوكوا ولبسوا أحسن الثياب ثم وقفوا بين يدي خالقهم يستحضرون نزوله جل وعلا وهو يقول (هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من داع فأستجيب له) فتفيض عيونهم بالدموع وقلوبهم بالخشوع وألسنتهم بالدعوات الخالصة (والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما) الفرقان.