منذ ان ابصرت عيناي النور ومنذ ان بصرت مخلوقات الله عز وجل وآياته الدالة على ربوبيته والوهيته وانا في سن السابعة من العمر ثم بعد ان كبرت وترعرعت كنت اكثر ادراكا ووعيا لما جاء من عند الله سبحانه من آيات الذكر الحكيم وحديث الرسول المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وما اشتملت عليه سيرته العطرة من حسن الاخلاق والنبل والرأفة والحب للإنسان الآخر وحرصه - صلى الله عليه وسلم - على دعوة الناس جميعا الى الصراط المستقيم والذي قال الله تعالى عنه: (وانك لعلى خلق عظيم) والذي ورد في الاثر عنه قوله - صلى الله عليه وسلم - : (اللهم اهد قومي فانهم لا يعلمون). ومنذ ان كان والدي - رحمه الله - يصطحبني معه الى المساجد وانا اصغي وأؤمن على أدعية الائمة والخطباء والدعاة التي تتضمن ادعية كانت ولاتزال تثير جدلا في داخلي, تلك الادعية التي تشتمل على الدعاء لغير المسلمين بالدمار والقتل لهم ولنسائهم واطفالهم وتيتيم الاطفال الابرياء وترميل النساء ادعية لا تعبر عن سماحة الاسلام ولا عن رأفته بالانسان ولا تزيد النفوس غير المسلمة الا الحقد والكراهية للمسلمين. واتساءل في نفسي لماذا لا يكون الدعاء بالهداية لغير المسلمين والتوسل الى الله سبحانه ان يهديهم الى الاسلام ويجعلهم عزا ونصرا للمسلمين وللإسلام ونشره في العالمين. وتساءلت لماذا لا يقتدي هؤلاء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصبره ورأفته بمن آذوه؟ واي الدعائين بالقتل او بالهداية انفع للاسلام والمسلمين؟ تساؤلات عديدة لاتزال تراودني بين الحين والآخر, اطرحها في هذا اللقاء لعلها تجد طريقها الى الآذان الصاغية والعقول الواعية: @ لماذا لايكون موقف هؤلاء الائمة والدعاة موقفا بصيرا بما ينفع الاسلام والمسلمين؟ @ وهل بقتل غير المسلمين ينتشر الاسلام؟ @ ام ان هدايتهم من الله عز وجل بسبب الدعاء لهم بالهداية هو نصر للاسلام والمسلمين؟ @ ان ايماننا بالاستجابة يلح علينا ان ندعو بالهداية وبالخير للناس كافة أليس هذا سبب من اسباب انتشار كلمة الله في الارض؟ @ أليست الادعية التي نسمعها في المساجد بهلاك غير المسلمين تزرع الضغينة والحقد في نفوسهم تجاه الاسلام واتباعه وتؤجج الحرب عليه وعليهم؟ @ أليست هذه الادعية بالهلاك والتدمير يستغلها غير المسلمين باظهار الاسلام بالوحشية واتباعه بالارهابيين؟ @ أليست الادعية بالهداية لهم اجدى وانفع واجدر ان تزيل من طريق الاسلام ما يعوق انتشاره في الخافقين؟ @ واذا كان هؤلاء الائمة والدعاة حريصون على نشر الاسلام واستقطاب غير المسلمين للدخول فيه, فلماذا لا يقتدون برسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي قال عنه الله جل جلاله: (ولكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر). واليكم نماذج من رأفته وشفقته على اعدائه: لما توفي ابو طالب عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج الى الطائف ماشيا على قدميه يدعوهم الى الاسلام, فلم يجيبوه. حيث عمد الى نفر من ثقيف هم يومئذ سادة ثقيف واشرافهم وهم اخوة ثلاثة: عبد يا ليل, ومسعود بن عمرو, وحبيب بن عمرو, فجلس اليهم - صلى الله عليه وسلم - فدعاهم االى الله وكلمهم بما جاءهم له من نصرته على الاسلام والقيام معه على من خالفه من قومه, فلم يفعلوا واغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به حتى اجتمع عليه الناس والجؤوه الى حائط لعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وهما فيه, وابنا ربيعة ينظران اليه, ويريان ما لقي من سفهاء اهل الطائف. ويروي عن عروة بين الزبير انه قال: (واجتمعوا يستهزؤون برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقعدوا له صفين على طريقة فأخذوا بأيديهم الحجارة, فجعل لا يرفع رجله ولا يضعها الا رضخوها بالحجارة وهم في ذلك يستهزئون ويسخرون, فلما خلص من صفيهم وقدماه تسيلان بالدماء عمد الى حائط كرومهم فاتى ظل حبلة من الكرم (شجرة عنب ظليلة) فجلس في اصلها مكروبا موجعا تسيل قدماه بالدماء. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: (فانطلقت وانا مهموم على وجهي فلم استفق الا وانا بقرن الثعالب - (وهو قرن المنازل ميقات اهل المشرق) فرفعت رأسي, فاذا بسحابة قد اظلتني فنظرت فاذا فيها جبريل فناداني فقال: ان الله قد سمع قول قومك لك, وما ردوا عليك, وقد بعث الله اليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم, فناداني ملك الجبال فسلم علي, ثم قال: يا محمد, فقال: ذلك فيما شئت, ان شئت ان اطبق عليهم الاخشبين). فماذا اجابه رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؟ فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): (بل ارجو ان يخرج الله من اصلابهم من يعبد الله وحده لايشرك به شيئا). (فقه السيرة: 256). ورغم الاذى والحزن الذي انتابه (صلى الله عليه وسلم) اثر وفاة عمه الذي كان يذود عن محمد (صلى الله عليه وسلم) وما اصابه من اذى من ثقيف ورغم ان النفس المضطربة المعتدى عليها لا ترضى الا بالانتقام, لكن محمدا (صلى الله عليه وسلم) لم يطلب من ملك الجبال ان ينتقم ممن آذاه وسفهه بل قال (صلى الله عليه وسلم) (بل ارجو ان يخرج الله من اصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا). انظروا الى الحكمة التي تسود تصرفات رسول الله الاسوة الحسنة ألم يكن في وضع نفسي واجتماعي مضطرب. لكنه صبر ودعا ان يخرج الله من اصلابهم من يؤمن بالله.