لا يزال بعض الخطباء ينتهجون مبدأ التعميم في الدعاء على أهل الكتاب من اليهود والنصارى بعامة، والدعاء عليهم بالفناء والهلاك.. بل إنك تعجب غاية العجب وأنت تسمع احدهم يعمم فيقول: "اللهم أهلك اليهود ومن هاودهم، والنصارى ومن ناصرهم، والشيوعية ومن شايعهم". وقد تعودنا أن نؤمن على هذه الأدعية دون أن نؤصل المسألة تأصيلاً شرعياً وعرضها على الكتاب والسنة". ولاشك أن هذا أمر غير مقبول لمخالفته مبادئ السياسة الشرعية في الإسلام.. وإن كان هؤلاء الخطباء قلة لا يمثلون ظاهرة في هذا التوجه، بل هي حالات فردية إلا أنه يجب عدم السماح لهذه الحالات بتشويه صورة الإسلام الذي يدعو إلى تأليف قلوب أهل الكتاب من اليهود والنصارى وعدم تنفيرهم من ديننا. إن الدعاء على أهل الكتاب من اليهود والنصارى جميعاً بالهلاك والفناء يخالف سنة الله عز وجل في التدافع، لأن بقاء أهل الكتاب من اليهود والنصارى سنة ربانية. فقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الروم (النصارى) في آخر الزمان أكثر الناس، وستجري الملاحم الكبرى في آخر الزمان مع الكفار. ولذا قال العلماء رحمهم الله -: إن الدعاء للمشركين بالهداية هو الأساس، أما الدعاء عليهم فلا يكون دعاءً عاماً وإنما على من أضر بالمسلمين وحاربهم. بل كان من هديه صلى الله عليه وسلم في الدعاء قوله: "اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون"، فدعا لهم لا عليهم. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إني لم أبعث لعاناً وإنما بعثت رحمة". ودعا لقبيلتي دوس وثقيف بالهداية رغم كفرهم وعنادهم ولم يدع عليهم. وانظر إلى موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل الطائف حينما طردوه ورجموه بالحجارة حتى أدموا قدميه، فرفض ما عرضه عليه ملك الجبال حين قال له: "إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين (جبلين)؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً"، ولم يفضل عقاب الله لهم. أيها الخطباء: إن الدعوة إلى الإسلام ونشره تقتضي العمل على كسب الآخرين والتعامل معهم بالخلق الحسن، ومن ذلك: عدم التعميم في الدعاء على أهل الكتاب من اليهود والنصارى. كما أن تجفيف منابع كراهية الآخر المسالم واجتثاث هذا الفكر ومراعاة منجزات مراكز الدعوة الإسلامية في الخارج مطلب مهم، وليكن دعاؤنا على من ظلمنا فقط مقتدين بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإني متفائل بعد ذلك كله أن يمتثل خطباء الجوامع نصيحة وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ حين أكد على وجود البر بأهل الكتاب من اليهود والنصارى والدعاء لهم بالهداية للتوحيد والإسلام، وأن الدعاء عليهم بالهلاك من الاعتداء المنهي عنه، وأن تعميمه على جميع النصارى واليهود غير جائز، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم في دعائه كان يدعو على المعتدين على المسلمين فقط ويحددهم بالاسم. وأن الله جل وعلا لم ينه عباده عن بر غير المسلمين الذين لم يقاتلوا المسلمين ولم يحاربوهم حيث قال: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين". أرجو أن يفهم قولي على قصده ليعلم ما أقصد، فأساس ديننا الرحمة وهداية العالمين، وتعميم الدعاء على أهل الكتاب من اليهود والنصارى هو صد عن سبيل الله تعالى ولاشك، وإذا كنا مأمورين بتحري أسباب الإجابة، فمن أسباب الإجابة عدم الاعتداء في الدعاء. والموفق من استعصم بما ورد، ومن اقتدى فقد اهتدى