تتأثر قدرة الصائم على تحقيق نقلة نوعية في افكاره وافعاله تبعا لطبيعة فهمه لرسالة الصوم، ومدى استيعابه للوظيفة المتميزة التي شرعت هذه العبادة لأجلها. واذا ما عجز المسلم عن ادراك الابعاد الكبرى لهده الفريضة المهمة، واكتفى ببعض المعلومات السطحية حول ماهية الصيام ظاناً ان الصورة الجزئية المطبوعة في عقله عن هذه العبادة هي المثال الصحيح للصوم الشرعي، فان رمضان سيرحل دون ان يستوعب هذا الفرد شيئاً من معاني هذه العبادة واسرارها الكبرى!! وبطبيعة الحال فان هذا الفهم القاصر سيجر خلفه قدراً من الارتباك والاضطراب في سلوك الصائم يؤدي به في نهاية رحلة الصيام الى ان تكون مكتسباته من ادائه الشكلي لهذه الطاعة محدودة وبسيطة، وتضعف عن احداث تغيير نوعي في سلوكه وتصرفاته بقية شهور العام!! ولعل اوضح مثال على الاضطراب والارتباك الذي يظهر على سلوك بعض الصائمين ويؤكد عدم قدرتهم على تحقيق شروط الصيام الفعّال ما يلجأ اليه البعض من تعطيل لادوارهم الاسرية واخذهم لاجازة تسمح لهم بالتخفف من تلك الارتباطات وتنتهي يوم العيد، حيث تعود اليهم عواطفهم النائمة، ويفيقون من سباتهم الرمضاني لاستئناف ما تم تأجيله في تلك الفترة التي تؤقت عادة بمجيء رمضان من كل عام!! والمؤسف ان هذا الانسحاب من متابعة الالتزامات العائلية الذي يصدر من مثل هذا الصائم يراه طقسا رمضانيا لا غبار عليه، بل ودليلاً طبيعياً في نظره على التكيف مع رمضان!! وقد فاته انه دخل مدرسة الصيام من الباب الخلفي حين قلب نظام حياته رأسا على عقب، وانسحب عن الوفاء بالتزاماته الاسرية، في حين ان التكيف مع الصوم يعني بالضرورة التكيف مع البيئة المحيطة، والالتزام مع المسئوليات المختلفة بأكفأ وجه واحسن صورة. فلا يمكن بحال قبول فكرة تجميد الادوار، او تعطيلها، او تقليص مساحة الاهتمام بها، وترك الامور تنفلت على غير نظام والسبب هو الصيام!! ثم ماذا عن ابناء هذا الصائم وبناته الذين يرونه القدوة والمثل؟ هل يفعلون مثله وينصرفون عن متابعة أولوياتهم مماثلة لسلوك ابيهم الغريب؟! الا يمكن ان تظهر في مثل هذه الاجواء غير الصحية قناعات سلبية حول دور الصيام في تعطيل حركة الحياة، وفي تقليل الطاقة، وفي اصابة حركة النشاط الانساني بالجمود والسكون؟! واللافت ان البعض أدمن هذا الاسلوب في كل عام، واصبح من المألوف ان يستقبل رمضان استقبالا فاترا ليس فيه كثير احتفاء، ولا عظيم حفاوة!! والصحيح ان الاسوياء من المسلمين يرفضون هذه الطريقة الركيكة في التعامل مع هذا الشهر الشامخ الذي اراد الله له ان يأخذ بيد المسلم من الضعف الى القوة. وان يفتح منافذ الحكمة، ويريه من قدرته على الصبر والاحتمال ما يفوق توقعاته. ولو اعطى مثل هذا الفرد نفسه فرصة لممارسة ادواره بالطريقة اللائقة لظهر له ان الصوم يساعده على الوصول الى درجة الاتقان في انجاز اولوياته وليس العكس!! ولاكتشف انه بحاجة ماسة الى برمجة عقلية جديدة حول مفاهيم الصيام تعيد له توازنه النفسي، وتساعده على ان يلقى رمضان بهمة ونشاط، لينال بعدها شهادة الانجاز في تحقيق اهداف الصيام البيان الاماراتية