يأتي رمضان في كل عام ليغيّر كل العادات، وكل السلوكيات اليومية والبرنامج الطويل الذي ألفناه في العام بأكمله، يأتي ليعيد بناء ذواتنا ويدخلنا في دورات تدريبية لصقل النفس، والعودة من جديد، والتغيير الحقيقي الذي لا يولد وينمو في رمضان، بل لابد أن يجد أثره على الإنسان طوال الأعوام المقبلة. رمضان لا يهذب الكبار فقط، بل لابد أن يكون وسيلة تدريب للأطفال الذين يعيشونه بتلقائيتهم، ويحبون طقوسه من الصيام والصلاة والتعبد، لكنها التربية الحقيقية والفرصة الجادة لأن يرى الطفل ويتأمل، يحدث ذلك من خلال الوالدين اللذين لابد أن يعيشا تجربة إحداث التغيير من خلال رمضان بصدق في رمضان وبعده، وأن تختفي صور التناقض التي قد يلمحها الطفل حينما يكون الأب هادئ الطباع وديعاً معه في رمضان ثم يتحول بعد رمضان إلى أب سليط وصاحب جفوة.. فهل خططت لدوراتك التدريبية مع الأبناء في رمضان؟. الحوار البناء في التغيير يخطط "بندر النعيمي" منذ بدء رمضان أن يحدث التغيير في شخصية أبنائه عن طريق رفع القيم الإنسانية بدواخلهم، يحدث ذلك حينما قرر أن يخصص جلسة أسماها ب"جلسة رمضانية" بعد صلاة التراويح مدتها نصف ساعة لمناقشة أخطاء الأشهر الماضية قبل رمضان والتي صدرت من أفراد الأسرة جميعاً بما فيهم الأب والأم، فيتم فرز السلوكيات والعادات ومن ثم تقييمها من حيث الاستمرارية أو التخلي عنها، وقد أوضح "بندر" أنه لاحظ أن هناك تغييراً كبيراً في شخصيات أبنائه، فالنظرة للأمور من خلال الحوار المفتوح بدأت تنعكس على تعاطيهم مع الآخرين وفي تعاطيهم مع الصيام ذاته، مشيراً إلى أن الدورة العميقة بشكلها لابد أن تنطلق من الوالدين أولا لأنهما مرآة الفضل في شهر الفضل. التناقض في الشخصية ويتحدث "خالد عبد الله" عن أجواء رمضان التي تمنح الرحمة في سلوك أفراد عائلته، فوالده حاد الطباع ومزاجه صعب جداً حتى أنه في الأوقات العادية قد يضرب حينما يغضب من أحد أفراد الأسرة صغر أو كبر في السن، لكنه يختلف في رمضان، حيث يتحول إلى أب هادئ "رحيم" لا يمكن أن يضرب أو يقسو على أحد، يعتكف على قراءة القرآن ويخالط أئمة المساجد، ويصبح وديعا مع الجيران حتى ينعكس ذلك إيجاباً على الأسرة، لكنه ليلة العيد يعود إلى شخصيته الصعبة، فتتحول أجواء الهدوء والسكينة إلى صراخ ورفع للصوت وانتقاد دائم للأم، مضيفاً: نشعر بالتناقض الكبير في شخصية الوالد في كل رمضان يأتي ثم يرحل، ننتظر رمضان في كل سنة حتى يهدأ والدي لكنه سرعان ما يرحل ويأخذ معه صورة الأب الحاني.. رمضان شهر كريم لكننا نتعلم من خلال سلوك والدي التناقض في دوراته. الارتقاء بالسلوك محمد الراضي إمام مسجد يقول: أحرص أولاً على الارتقاء بأبنائي من ناحية العبادة (الصيام، والقيام، وقراءة القرآن، والدعاء والذكر..)، ثم من الناحية السلوكية كالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والتحلي بالصبر، وفعل الخيرات والتحلي بمكارم الأخلاق والقيم الفاضلة، مثل: بر الوالدين، والصدق، واحترام الكبير، وأتبعها من الناحية البدنية مثل: الدورات الرياضية، وحضور الأنشطة البدنية المختلفة، القواعد الصحية في الأكل والشرب، ومنها تأخير السحور وتعجيل الفطر والإفطار على التمر، ولا أنسى إحياء دور المسجد في نفوس الأبناء فالمسجد مؤسسة جامعة تسعى إلى إعداد الجيل المسلم. فن التعامل مع الإنسان ويشاركه الرأي "أبو أسامة"، حيث يقول: شهر رمضان شهر مبارك يتسع فيه معنى الخير حتى يصل إلى مفهومه الأعمق، فرمضان ليس دورة تدريبية للأبناء فقط بل للوالدين اللذين يحاولان أن يغيرا من أنفسهما حتى يتغير الأبناء، موضحاً أنه في هذا الشهر الكريم استهدف "مفهوم تفطير الفقير" كمعنى إنساني وخلق حميد حتى يوثق بداخل أبنائه معنى الرحمة والتعاطف مع الآخر؛ ليس فقط من خلال دفع المال والمساعدة المادية، فالرحمة هنا لابد أن تأخذ شكلها الأصيل في تلمس مشاعر الآخرين والإحساس بمعاناتهم ومشاكلهم والتماس العذر لهم في حال الخطأ، وتلك هي مدرسة رمضان التي لابد أن تعلمنا كيف نتعامل مع الإنسان. التغيير اللفظي والمعنوي وتشير الداعية "هدى المصلح" إلى أن لنا قدوة حسنة في تربية أبنائنا على الصيام وتعويدهم وهن الصحابيات الجليلات، حيث قالت الصحابية الجليلة الربيع بنت معوذ: كنا نصوم ونصوم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن (الصوف)؛ فإذا بكي أحدهم على الطعام أعطيناه ذلك حتى يكون عنده الإفطار فالصحابة والصحابيات كانوا يدربون أبناءهم على الصيام, ويعودونهم علية قبل سن البلوغ ليتأهلوا لذلك التكليف ولا يكون عسيراً عليهم فيما بعد. ومن الناحية التربوية تكون هذه المرحلة من 7–12 مرحلة الهدوء الذي يسبق العاصفة, أي الطفولة التي تسبق المراهقة, تتشكل فيها القيم لدى الصغير وتتكون لدى الصغير وتتكون لديه الاتجاهات، وشهر رمضان فرصة للمربين لتعويد أبنائهم على الصيام تدريجياً نبدأ معهم بربع يوم ثم نصف يوم ثم يوماً كاملاً كل ذلك بالتشجيع والتحفيز والقدوة الحسنة من الكبير. وكان بعض السلف رضوان الله عليهم يؤقتون بداية أمر الصبي بالصيام إذا أطاقه، والأب يقدر بخبرته طاقة ولده ومقدرته على الصوم فإن رأى فيه قوة على الصوم ورغبة فيه، أمره به وحثه عليه، مبيناً فضل الصيام وأجره عند الله ولا يتقيد في ذلك بسن معين، كما يمكن أن للأب أن يقدم لأولاده الألعاب المختلفة عند الحاجة ليلهيهم بها عن طلب الطعام وكذلك الخروج بهم للتنزه وغيرها من الأشياء التي تلهي الولد عن طلب الطعام. وأشارت إلى أن للصوم آداباً ينبغي أن نعلمها لأبنائنا.. ومن ذلك أن الصائم يكظم غيظه ولا يغضب, ولا يسب أو يشتم, فإذا سابه أحد أو شتمه فيتعلم أن يقول (إني صائم)، كما علمنا رسول الله، ومن آداب الصيام كذلك أن يتعلم فعل الخير وهو صائم, فيتصدق من مصروفه على المحتاج, ويزور أقاربه, ويقوم للكبير في المواصلات, ويذاكر لأخوته الصغار, ويجتهد في دروسه, ويشتري لأبويه ما يحتاجان إليه ويساعد أمه في إعداد الطعام, هذا إلى جانب تلاوة القرآن والصلاة في المسجد وذكر الله، كما نعلم أبناءنا أن استعمال السواك شيء مستحب للصائم, وأن الاغتسال نظافة ولا يبطل الصيام، كما نعلمهم أن الصائم لا يسخر من أحد ولا يفشي سراً لأحد, ولا يذكر أحداً بسوء في غيبته ولا يوقع بين اثنين لأن هذا ينقص ثواب الصائم.