لم اكن اتوقع حضوره ذلك لانه (غير مرغوب فيه) في مجلس فلان الفلاني, لكنه وبقدرة قادر حضر وليته ما حضر. توسط المجلس وفك فاه.. لافض فوه.. وبدأ يتحدث عن معجزاته عفوا منجزاته حتى ليخيل الي انه (المفرد العلم) وانه قد (اتى بما لم تستطعه الاوائل) انه يملك قدرة فائقة على فن التبجح والادعاء مع ان زاده من العلم والمعرفة لايساوي شروى نقير, ينتابه الشيء الكثير من العظمة والوهم الذي ينتاب كثيرا من ناقصي العقول وفاقدي الوعي انه وهم التفوق, حتى لنرى انه قد عشش واستقر في اذهانهم.. انا الذي سطرت كذا وكذا.. انا من قال كذا وكذا.. انا اعلم منك بكذا وكذا.. تراني (فلتة) زماني.. وراحت ال (انا) تجلجل في ارجاء المجلس, سواء رضي الحضور ام لا.. هكذا زرعت في ذهنه ومن الصعب زعزعتها بل ومن المستحيل انتزاعها منه.. ان اية محاولة في ثنيه عن استرسالاته البغيضة حتما ستبوء بالفشل لاسيما والحضور من خليط من عناصر شتى. اخذ صاحب ال (انا) ينعق دون توقف.. حاول احدهم ان يقاطعه, ويسدي له نصحا, فما كان من ذاك المدعي (المهذار) الا ان ينتفض وينفش ريشه فيمطر (الناصح) بوابل من السخرية اسكتته بل ألجمت لسانه. استمر ذاك الاناني (بسرد مآثره) لكن بطريقة اخرى.. اتخذت منحى آخر انه بدأ ينهق هنا شمر احد الجالسين عن ساعديه فضربه بالقاضية.. فسكت, قال له: (ان انكر الاصوات لصوت الحمير) تنبه ذلك (الغافل) واسقط بيده.. كان سيسترسل الى ما لا نهاية, لولا انتفاضة احدهم من قاموس كثير من الناس. وكما قيل رب ضارة نافعة حيث اننا سرعان ما نكتشف مثل هؤلاء (الشرذمة) مما يعطينا فرصة لتجنبهم والابتعاد عنهم ما امكن لنا ذلك, فهم يحملون مرضا معديا (اعاذنا الله واياكم) مرض يسمى (الفوقية) والذي يودي بصاحبه الى اسوأ حال واحط مآل. قال احدهم مازحا: ايهما اكثر (كلاما) الذكور ام الاناث؟ فرد آخر: نون النسوة مقدمة على واو الجماعة في كل شيء!! على المرء ان يوزن كلامه قبل التفوه به امام الناس فكل هفوة محاسب عليها فكما قيل (لكل لسان هفوة كما ان لكل جواد كبوة) فليكن لسانك طيب الذكر وما يصدر عنه ذو فائدة ألم تسمع المثل القائل (لسانك حصانك ان صنته صانك وان هنته هانك) فرب كلمة قالت لصاحبها (دعني) وكم زلة لسان اودت بصاحبها الى السجن! وعزلته عن الناس والمجتمع واركنته في الظلمة واودعته غياهب العزلة القاتلة. من يمتهن هذه المهنة يجني ثمار الخزي والمهانة وينحرف عن الطريق السوي مما يقوده نحو الهاوية والتي مآلها الفشل الذريع والنهاية المؤسفة. حذار.. حذار من الزلل, وانتبهوا لالفاظكم فهي مرآتكم.. وهي طريقكم الى بر الامان, اعملوا بصمت وابحثوا عن العلم النافع والقول المفيد وابتعدوا عن المهاترات والقيل والقال وانهلوا من ينابيع صافية ومياه جارية تيمنا بقول الشاعر: ==1== اني وجدت ركود الماء يفسده==0== ==0==ان سال طاب وان لم يسل لم يطب ==2== تمعن جيدا بمن حولك وتمهل قليلا قبل التفوه بكلمة, فان وجدت نفسك قريبا منهم فشاركهم الرأي وادل بدلوك وتبادل معهم عذب الحديث وحلو الكلام ولتكن الفاظك موزونة وعباراتك قصيرة مقبولة, طعمها المفيد من (القول الفصل) وجردها من (الهزل) وتجاوز النشاز والكلمات البذيئة والفقاعات النتنة والالفاظ النابية وكن اول من يحاسب نفسه قبل ان يحاسب وكن سباقا في طلب العلم النافع ولا تنساق للقول اللين فيطمع فيك من في قلبه مرض وحصن نفسك بقدر كاف من المعرفة كي لا تكون لقمة سائغة لضعاف النفوس.