رغم تلويحات الادارة الامريكية ضمن عمل سياسي ودبلوماسي واسع بحتمية الضربة العسكرية ضد بغداد الا ان مختلف المؤشرات الصادرة من اغلب دول العالم بما فيها الدول الكبرى ذات العضوية الدائمة بمجلس الامن، وتلك المنبعثة من الشارع الامريكي لاتوحي بأن الضربة قادمة او محتملة لعدة اعتبارات لعل ابرزها "صراع المفاهيم" الذي مازالت رحاه تدور بين الاطراف الكبار داخل مجلس الامن حول القبول بالضربة او رفضها، وكل الدلائل أو اغلبها تقديرا تستبعد احتمال اندلاع ضربة عسكرية، فالمواقف متباعدة داخل المجلس ومتضاربة، والاتفاق الجماعي على عمل عسكري ضد بغداد يبدو غير وارد او هو مستبعد تماما من اعضاء مجلس الامن، وهنا تبرز اهمية الدعوة التي اطلقها قائد هذه الامة خادم الحرمين الشريفين اثناء ترؤسه الجلسة المعتادة لمجلس الوزراء يوم امس الاول حيث جدد الامل باتاحة الفرصة للجهود الدبلوماسية والمزيد من الحوار الهادف تجنيبا للمنطقة من ويلات حرب جديدة سوف تؤدي ان اندلعت الى كوارث انسانية كبرى وتوتر لا يتناغم مع مساعي الشرعية الدولية لإحلال الامن والسلم والاستقرار في العالم، وهي رؤية صائبة تصب في اهمية ابعاد المنطقة عن شبح حروب جديدة هي في غنى عنها لاسيما ان بغداد امتثلت لقرار مجلس الامن حول عودة المفتشين الدوليين لاستئناف مهمتهم المعلقة دون شروط مسبقة بما يقطع أي ذريعة لتوجيه ضربة للعراق سوف تدخل المنطقة في اتون توتر شديد، كما ان الضربات "الوقائية" عادة في العرف الدولي لاتقوم الا في اطار جماعي لا فردي، ولا تمثل في جوهر الامر الا خيارا اخيرا اذا استنفدت كل الخيارات، وفي الوضع العراقي فان الضربة الوقائية لا تمثل الخيار الوحيد والاخير من جانب، ولا تحظى من جانب آخر بتأييد دولي يخول لواشنطن الانفراد بها دون غيرها من الاعضاء الدائمين بمجلس الامن، وهذا يعني ان الاحتكام لصوت العقل لتفادي ويلات الحرب هو الاداة السليمة التي يمكن استخدامها بطمأنينة وثقة لتسوية الازمة العراقية من جذورها.