في الشأن العراقي تبدو حملة بوش لانتزاع تأييد من لم يؤيد ضربته المحتملة ضد بغداد ذات ابعاد ومفاهيم متعددة، فما ان تمكن الرئيس الامريكي من الحصول على موافقة الكونجرس حيال مخطط الضربة العسكرية حتى وجه انذارا شديد اللهجة الى المنظومة الدولية لتفعيل تحركها قبل ان تتحول الى جهة "عديمة الصفة" وكأنه يذكرها بارادة الولاياتالمتحدة "الفولاذية" التي اخذ بوش يلوح بها في خضم تهديداته بضرب العراق، رغم ان شكوك دول العالم لم تحم بعد حول تلك الارادة، وقد قطع وزير الخارجية الامريكي تلك الشكوك قبل ان تطفح على السطح "ان طفحت" بتأكيده ان بلاده تملك "سلطة استخدام القوة ضد العراق بموافقة الاممالمتحدة او عدم موافقتها" وتلك لهجة رغم حدتها الا انها لا يمكن ان تلغي الادوار التي يجب ان تضطلع بها المنظومة الدولية ازاء الازمة العراقية التي تنحصر تحديدا الآن في المهمة الموكولة الى المفتشين الدوليين لنزع اسلحة الدمار الشامل بحوزة بغداد "ان وجدت بالفعل" كما ان تلك اللهجة نفسها لا يمكن ان توحي بأن مواجهة محتملة قد تنشب بين الولاياتالمتحدة وتلك المنظومة الدولية حول الممارسات التي يجب اتخاذها ضد العراق، واغلب الظن ان تلك اللهجة مستمدة في الاصل من القوة القطبية الواحدة التي تتمتع بها الولاياتالمتحدة بعد زوال تعدد القوى الضاربة وتحديدا بعد انحسار الحرب الباردة وذوبان جليدها، وقد ازداد حجم تلك القوة تضخما بعد احداث سبتمبر 2001 غير ان ذلك لا يبيح، او بعبارة ادق يجب ان لايبيح للولايات المتحدة مصادرة الاصوات الاوروبية واصوات دول العالم الثالث ومحاولة مصادرة ادوار المنظومة الدولية وتهميش رأيها وانتزاع أية "صفة منها" ان هي تجرأت على اتخاذ موقف مغاير للموقف الامريكي تجاه الازمة العراقية فهذا توجه يكاد يقترب من حدود الخطورة حتى وان تذرعت الولاياتالمتحدة بزوال اقطاب القوى من العالم التي زال بزوالها التوازن الدولي المنشود، وحتى ان نذرعت ايضا بقيادتها لاستئصال جذور الارهاب في أي مكان، فالتفرد باتخاذ قرار خطير كضرب العراق ادى الى استنكار الدول الكبرى ذات العضوية الدائمة بمجلس الامن ليس لمنع الولاياتالمتحدة منفردة بالتحليق حول "الكعكة النفطية العراقية" التي يسيل لها لعاب الجميع، بل لان تلك الدول تكره الاصغاء لاصوات طبول الحرب وما سوف تجره على المنطقة والعالم من ويلات وعواقب وخيمة بالامكان تجنبها.