باتت قضية توجيه ضربة عسكرية اسرائيلية للجمهورية الاسلامية الايرانية على طاولة اصحاب القرار سواء في الادارة الاميركية او الحكومة الاسرائيلية وفق عدد من المراقبين ومتابعي الشؤون الشرق الاوسطية في الشرق والغرب. ويرى المراقبون ان ثمة مؤشرات تدعو الى القلق تجاه اقتراب موعد ما يسمى ب«الضربة الاستباقية» لايران، اهمها القمة السورية الايرانية الاخيرة في دمشق بمشاركة المقاومتين اللبنانية والفلسطينية وحضور الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله والحديث عن تضامن اقليمي بين المشاركين في مواجهة اي عدوان محتمل اضافة الى الحديث عن شرق اوسط مقاوم عبرت عنه القمة ويضاف الى ذلك هذا البروز الاعلامي الكبير للحديث الاميركي - الاسرائيلي عن «الخطر الايراني» تزامنا مع تراجع الحديث عن كوريا الشمالية والصين وروسيا واميركا اللاتينية ومحاولة ابراز الملف النووي الايراني وكأنه مشكلة العالم، اضافة الى الصدام القوي بين المفهومين، مفهوم الشرق الاوسط المقاوم الذي كرسته قمة دمشق الاخيرة ومفهوم الشرق الاوسط الجديد الذي حاولت تكريسه الدوائر الاسرائيلية والاميركية دون حدوث اقله حتى الان. وفي هذا السياق يمكن رصد التزايد الكبير في تعاطي مركز الابحاث الاميركية مع احتمالات الضربة الاسرائيلية القريبة لايران ومنها الدراسة التي نشرها اخيرا مركز الاجراءات الوقائية التابع لمجلس العلاقات الخارجية الاميركية بعنوان «ضربة اسرائيلية محتملة لايران» وبحسب الدراسة فان احتمال توجيه هذه الضربة يزداد استنادا الى عدة عناصر من اهمها تصريحات الرئيس الايراني احمدي نجاد شديدة اللهجة والتي ينكر خلالها المحرقة اليهودية التي دأبت اسرائيل على ابرازها دائما وضرورة محو اسرائيل من الخارطة اضافة الى حديثه عن ضرب العمق الاسرائيلي في حال اي هجوم اميركي على مفاعلات ايران النووية، ووفق الدراسة فان هذه التصريحات تقوي الاتجاه الاسرائيلي المناصر للحرب، وتذكر الدراسة ان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو كان يشير الى تصريحات احمدي نجاد في خطابه أمام الجمعية العامة للامم المتحدة حين اكد الطابع اليهودي للدولة الاسرائيلية، وان المحرقة هي علامة فارقة في التاريخ اليهودي. وتضيف الدراسة مؤشرات اخرى لاقتراب الضربة العسكرية منها اعتماد اسرائيل على الضربات الجوية مما يقلل خسائرها والمعلومات الاستخباراتية عن الاهداف المراد تدميرها، كما عبر المسؤولون الاسرائيليون في اكثر من مناسبة عن خوفهم من دعم ايران للجماعات المسلحة المعادية لاسرائيل وعن انتقال التقنية النووية الى هذه الجماعات في حال نجاح ايران في امتلاك السلاح النووي، وحسب الدراسة سيكون هذا اهم اسباب توجيه ضربة اسرائيلية لايران، لكن يتخوف الاسرائيليون حسب الدراسة من ان تكون ضربتهم لايران اشبه بسياسة «جز العشب» بحيث تقوم ايران بعد الضربة باعادة بناء برنامجها النووي مرة اخرى مع اخذ كل الاحتياطات اللازمة. وتتحدث الدراسة عن عدة مؤشرات على قرب الضربة الاسرائيلية لايران ومن اهمها التعزيزات العسكرية الاسرائيلية في الفترة الاخيرة ففي يوليو 2008 قامت اسرائيل بتدريبات جوية عسكرية طويلة المدى تضم سربا مكونا من 100 طائرة، اضافة الى تدريبات على عمليات الانقاذ باستخدام طائرات الهليوكوبتر مع تدريبات على عمليات اعادة التزود بالوقود نظرا لطول المسافة بين ايران واسرائيل لضمان سرعة تنفيذ العملية، وتورد الدراسة مؤشرا آخر تصفه بالمفاجئ وهو ابراز اسرائيل امام العالم ان لديها خيار الهجوم البحري وذلك من خلال مرور غواصات بحرية اسرائيلية ولا مثيل لها من قناة السويس في يوليو 2009 وبداية عام 2010، وتؤكد الدراسة ان عنصر المفاجأة سيكون حيويا اذا ما قررت اسرائيل توجيه ضربة عسكرية لايران كما ستكون الضربة قوية جداً. كما اشارت الدراسة الى عدد من المؤشرات القادمة من داخل اسرائيل ابرزها المداولات الحكومية الداخلية وتصريحات المسؤولين الاسرائيليين انفسهم. والاستنفار الاستخباراتي وتجميع معلومات شديدة الدقة عن ايران ومنشآتها اضافة الى جملة من الاحتياطات التي تتخذها اسرائيل بصورة لا سابق لها مثل توزيع اقنعة واقية من الغازات الجرثومية وتوفير الملاجئ وتجهيزها، واجراءات اخرى شبيهة لتقليل اضرار اي هجمة انتقامية والعمل على تعزيز الجبهة الشمالية على الحدود مع لبنان خوفا من دخول لبنان عبر حزب الله في حرب ضد اسرائيل. وتشير الدراسة الى ان استلام ايران لصواريخ ارض جو الروسية المتقدمة 300S والمتعددة المخاطر شجع اسرائيل على اتخاذ قرار بالاستباق بتوجيه ضربة عسكرية لايران. وتتحدث الدراسة عن الموقف الاميركي وان اسرائيل تعتقد ان البيت الابيض لابد وان يعطي الضوء الاصفر في كل الحالات، سواء توصل لاتفاق مع ايران يحقق اهداف الولاياتالمتحدة، او في حال استنفدت كل الوسائل الدبلوماسية ولم يتم التوصل لحل، كما تؤكد ان الخيارات متاحة امام الاميركان لاستيعاب الازمة الناتجة عن الضربة الاسرائيلية وادارتها ومن هذه الخيارات العمل مع دول اساسية في المنطقة مثل الامارات العربية المتحدة وقطر والبحرين والتنسيق الاستخباراتي معها لادارة نتائج الازمة، وتكثيف الدفاعات الجوية وقوات الحماية في الخليج والعراق، ومناقشة احتمالية الضربة الانتقامية الايرانية وتكاليفها مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ومسؤولي مجلس الامن القومي العراقي، ومناقشة احتمالية قيام ايران بغلق مضيق هرمز واستخدام القنوات الدبلوماسية والاستخباراتية لزيادة استعدادات «الدول الصديقة»، والتي يوجد فيها عناصر للحرس الثوري الايراني «وحزب الله» اضافة الى تحسين الدفاعات الصاروخية الاسرائيلية بامدادها بصواريخ باليستية لاستخدامها ضد اي هجمة انتقامية ايرانية. وفي هذا السياق حذر عدد من النواب من توجه اميركي اسرائيلي لاشعال الحرب في المنطقة مؤكدين ان هذه الضربة في حال حصلت ستكون كارثة سواء لجهة الضربة نفسها او لجهة ردود الفعل الايرانية التي ستكون اكبر من المتوقع. ووصف النائب خالد العدوة هكذا ضربة بالمؤشر الكارثي الذي سينذر بدخول هذه المنطقة الحيوية التي تمد العالم بثلثي الطاقة في اتون الحرب، مؤكدا ان الكويت ودول الخليج كافة ترفض جملة وتفصيلا توجيه اي ضربة لايران لان ذلك سيشعل فتيل الحرب. وشدد العدوة على ضرورة ان تتجنب اميركا والدول الحليفة تهديد ايران، مضيفا بان الملف النووي الايراني من الممكن حله بالطرق السلمية، وأيد العدوة امتلاك ايران للطاقة النووية للاغراض السلمية واعتبره حقا مشروعا. من جانبه قلل النائب د. يوسف الزلزلة من شأن هذه التهديدات وقال: «سمعناها كثيرا» واعتبر التقارير الاميركية التي تتحدث عن قرب الضربة العسكرية مجرد بالونات اختبار لقياس ردود الفعل، مؤكدا ان اسرائيل اكثر جبنا من ان تقوم بمثل هذه الضربة لانها تعلم ان ردود الفعل الايرانية سوف تتجاوز ما حصل اثناء ضرب المفاعل النووي العراقي، ومشيرا الى ان الظروف الاقليمية تغيرت وباتت ايران تمتلك صواريخ بعيدة المدى، كما ان قدرتها العسكرية لايستهان بها، معتبرا ان مثل هذه التهديدات عارية عن الصحة وهي تتكرر منذ ما يزيد على 25 سنة دون فعل. وحول دور الكويت ودول الخليج في مثل هذه الحالة اوضح النائب الزلزلة ان دول الخليج والدول العربية والاسلامية لن تسمح بمثل هذا، مؤكدا ان اسرائيل يهمها ان تكون القوة الوحيدة في المنطقة على حساب زعزعة استقرار باقي الدول وهو امر لا يمكن ان تقبله دول المنطقة.