غادرت نادية الفتاة ضئيلة الحجم نسبيا والتي تملك عيون المها، بلادها - أوكرانيا - في سن الثانية والعشرين، بناء على وعد معسول بالعمل كراقصة باليه كلاسيكية تتمتع باحترام وإعجاب الجمهور المثقف في رحاب اليونان صاحبة أقدم الحضارات. ولدى وصولها، التقت بشخص غريب الاطوار أدعى أنه العميل اليوناني الذي سيطمئن على استلامها الوظيفة الموعودة ويسهر على راحتها. ثم سرعان ما اصطحبها إلى منزل شبه مهجور بمدينة تسالونيكي الشهيرة بشمال البلاد، يعلوه من الخارج مصباح إضاءة "أحمر" خافت في إشارة إلى أنه وكر قانوني للببغاء. وتقول نادية والدموع تنساب على وجهها "واكتشفت عندئذ أنه قد تم بيعي". وبدلا من امتهان الرقص، تم حبس نادين في منزل سري والاستيلاء على جواز سفرها وصدر لها الامر بالعمل كفتاة ليل أو بائعة هوى. وإذا رفضت الانصياع، فهناك عصا غليظة لا ترحم في انتظارها، وموضوعة على الحائط بشكل بارز. وتحكي نادية عن حظها العاثر فتقول "لم أستطع الهرب. فلم أكن أعرف أحدا ولم يكن هناك مكان يمكنني الذهاب أو اللجوء إليه". وأجبرت نادية، مثل آلاف البلغاريات والالبانيات والروسيات والرومانيات اللاتي يتم إغراؤهن للسفر إلى أوروبا الغربية كل عام من خلال وعود مغرية بالعمل، على ممارسة البغاء بصورة بشعة . ويستمر البعض منهن في العمل حتى يتحررن في نهاية المطاف من هذا الشرك المنصوب بعد قيامهن بسداد "ديون" تقدر بآلاف الدولارات يستدن بها نظير رحلاتهن إلى أوروبا، ذلك إذا حالفهن الحظ. وتضطر فتيات أخريات مثل نادية إلى تقديم كل دخولهن وأرباحهن إلى من "يمتلكوهن" أو عتاة مافيا الجنس من "الفتوات" ممن يبتزهن. وعقب مرور ثمانية أشهر على الانخراط في أقدم مهنة في التاريخ في رحاب الجزر اليونانية، اعتقلت الشرطة نادية خلال إحدى حملاتها وقامت بترحيلها. وعندما توقف القطار في أولى محطاته في بلغاريا، صعدت إحدى عصابات المافيا المحلية على متنه واختطفت نادية صاحبة الحظ العاثر ومعها ست سيدات أخريات من بائعات الهوى ومطارحة الغرام. وبيعت نادية مرة أخرى وعادت لحياة العبودية والرق ولكنها انتقلت مرغمة هذه المرة إلى بلدة بعيدة تسمى كارديتسا بأقصى شمال غرب اليونان لتخدم هناك عقابا لها وللاختفاء عن أعين الشرطة والتمويه. وعندما تمكنت من الهرب مرة أخرى، ذهبت نادية إلى الشرطة ولكنهم ألقت بها مرة ثانية إلى قارعة الطريق وإلى أحضان الليل لتعاود ممارسة نفس المهنة. وتتذكر نادية تجربتها في مركز اعتقال أميجداليزا على مشارف العاصمة أثينا "لقد أخبرتني الشرطة أن علي أن أكد وأربح الكثير لكي أتمكن من العودة إلى وطني الأم". وتضيف في حسرة "إنني أحلم باليوم الذي أستطيع فيه العودة إلى وطني ورؤية أسرتي مرة أخرى". يذكر أن ستين بالمائة تقريبا من بائعات الهوى وفتيات الليل في اليونان من الاجنبيات. وأغلب هؤلاء السيدات والفتيات اللاتي يبلغ عددهن 20000 سيدة من المهاجرات غير الشرعيات بما في ذلك نحو ألف طفلة تتراوح أعمارهن بين 13 و15 عاما. كما أن الدعارة قانونية في البلاد. ويؤكد أستاذ علم الاجتماع والجريمة بجامعة بانتيون بأثينا جريجوريس لازوس أن أغلبية السيدات والفتيات الاجنبيات واللواتي يتحولن إلى "عبيد جنس" يتم إرغامهن، عن طريق العنف في أحيان كثيرة، على امتهان البغاء. يقول دكتور لازوس "إن السيدات اللاتي يسقطن في شراك عصابات الاتجار في أعراض البشر يكن في أغلب الاحيان من الاجنبيات العاطلات عن العمل وتتراوح أعمارهن بين 20 إلى 25 عاما". ويضيف "إن هؤلاء النسوة يتم تجنيدهن خارج بلادهن عادة عن طريق الخداع والاحتيال، رغم شيوع حالات الاختطاف بل والبيع بواسطة الاصدقاء والاقارب. وتعتبر الوظيفة الشريفة التي ترد ربحا جيدا أو الزواج المفضل هي أكثر الشراك شيوعا". ويقول أيضا "إن هؤلاء النسوة يتمكن من دخول اليونان بعد تزويدهن بوثائق مسروقة أو مزورة. ويتسللن إلى البلاد خلسة إما سيرا على الاقدام عبر نقاط تفتيش دون حراسة على امتداد الحدود الشمالية أو يتم حشرهن بعيدا عن الانظار في مخابئ أعدت خصيصا لهذا الغرض على متن شاحنات أو حافلات ركاب". وتكافح السلطات اليونانية الموجة تلو الاخرى من فتيات الهوى المهاجرات منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي وتعرضت لانتقادات لعدم قيامها ببذل ما فيه الكفاية لمكافحة تهريب "عبيد الجنس". وتعتبر اليونان واحدة من بين 19 دولة، من بينها أفغانستان وتركيا، ورد ذكرها في تقرير وزارة الخارجية الامريكية لعام 2001 لعدم قيامها بجهود كافية لوقف عمليات تهريب البشر. تقول دينا فارداراماتور التي تعمل منسقة برامج مساعدة في منظمة "توقف الآن" غير الحكومية المعنية بالبحث في مجال تهريب البشر إنه "لا يوجد في اليونان حاليا قانون يمنع تهريب البشر. ولا تقدم الحكومة ملاجئ أو خدمات لضحايا عمليات التهريب". وتضيف فارادارماتور "إذا ما جاءتني سيدة وقعت في فخاخ تجارة عبيد الجنس في اليونان طلبا للنصح والعون، فلا أعرف حقيقة ماذا أقول لها لانه لا يوجد مكان يمكنها اللجوء إليه هربا ممن وقعت في أسرهم كما لا يوجد قانون يحمي حقوقها". ومن المقرر أن تتبنى حكومة أثينا قريبا مشروع قانون يفرض عقوبة بالسجن ضد المهربين، ولكن النقاد يشيرون إلى أن القانون لا يدخل دائما حيز التنفيذ. ويقول الخبراء أن فساد الشرطة في اليونان يزيد من صعوبة خوض المعركة ضد مافيا الجنس. من جانبها، تقول أستاذة علم الجريمة إيرا إيمك-بولوبولو "إن أساطين الاجرام العاملين في مجال البغاء يحصلون، فيما يبدو، على مساندة بعض ضباط الشرطة. وقد عقد اجتماع في شهر فبراير عام 2000 بوزارة الخارجية حول فساد الموظفين في القنصليات اليونانية في شرق أوروبا". وتضيف بولوبولو "إن هناك مؤشرات خطيرة على وجود تجارة هائلة غير مشروعة في جوازات السفر اليونانية التي تقنن دخول فتيات الليل إلى أوروبا". وخلافا لبائعات الهوى من الاجنبيات في دول مثل البوسنة أو إيطاليا، فإن من يتم تهريبهن إلى اليونان كثيرا ما يتعرضن "للضرب" المبرح بواسطة "الزبون" ولا يقدم لهن الواقي الذكري لتوفير الحماية لهن من وباء نقص المناعة المكتسبة الايدز أو طاعون العصر. وتقول فارداراماتو "إن الحد الادني الذي نستطيع تقديمه لهن هو أن نعاملهن ليس كمجرمات بل ضحايا لان هذا هو واقع الامر، وأن نقدم لهن الملاذ والرعاية اللازمة". وتضيف "عالجوا مشاكلهن الطبية والنفسية وامنحنهن إياهن خيار البقاء في اليونان والحصول على وظيفة مشروعة ومربحة".