لم تدرك تلك المرأة ذات الوجه الطفولي، البالغة من العمر 27 عاما الآن، أن الرجل الذي وثقت به وخططت للزواج منه قد خدعها بكذبة كبيرة إلا عندما أغلق فمها بشريط كهربائي وخدرها وهددها بقتل جميع أفراد أسرتها. ومثلها مثل كثيرات قبلها، بدأت الرحلة المرعبة للمرأة عندما كان عمرها 18 سنة، من قرية البانية صغيرة إلى ماخور في لندن- حيث قضت خمس سنوات وهي تعمل كبغي- بخاتم خطوبة ووعد بحياة هانئة رغدة ورحلة بزورق سريع إلى ايطاليا تحت جنح الظلام!!! وتم تهريب الكثير من النساء والرجال والأطفال إلى الخارج للعمل في الدعارة أو كعمال بالسخرة أو متسولين إلى حد أن الحكومة الألبانية منعت جميع مواطنيها من استخدام الزوارق السريعة، التي تعتبر الوسيلة المفضلة لدى المهربين لإخراج ضحاياهم من البلاد. وكان لهذا الإجراء الحاسم، ومعه القيود الحدودية الصارمة والقتل الانتقامي للمهربين على أيدي عائلات ضحاياهم، قد عملت على تقليص عمليات التهريب بأكثر من النصف وأنهت دور ألبانيا كنقطة عبور رئيسة للأشخاص الذين يتم تهريبهم من الأجزاء الشرقية والجنوبية من القارة الأوروبية إلى غربيها. غير أن الحظر أثار صرخات احتجاج حادة من قبل صيادي الأسماك وسلطات السياحة في البلاد، ما دعا الحكومة الألبانية إلى إلغائه. ونتيجة لذلك، يتخوف رجالات تطبيق القانون ومنظمات حقوق الإنسان من تفجر عمليات تهريب البشر مجددا، لا سيما في هذا الوقت العصيب. فالأزمة الاقتصادية الماثلة قد تزيد من عمليات تهريب البشر حول العالم. وكان تقرير أميركي قد أشار إلى أن هناك طلبا متدنيا للعمالة وعرضا متزايدا لعمال راغبين في ركوب الصعاب للحصول على فرص اقتصادية، الأمر الذي يضع قدرة الحكومة الألبانية على مكافحة التهريب أمام اختبار حقيقي. وبالنسبة للنساء من أمثال تلك المرأة القروية الألبانية الفقيرة التي خدعتها وعود مهربها، فان المعركة قد تكون معركة من اجل البقاء. وقالت المرأة خلال مقابلة أجريت معها مؤخرا من مأوى للنساء ضحايا التهريب،" "كنت أحبه وراودتني أحلام عراض في أن أعيش حياتي معه. ولكن كل شيء كان كذبة كبيرة. لقد حاولت أن اهرب، غير أنني في نظر القانون لست سوى بغي بلا أوراق هوية.. فأين اتجه؟" وقالت المرأة إن الرجل الذي قام بتهريبها حاز على ثقتها على مدى أشهر قبل أن يقوم بحبسها في غرفة ويستولى على جواز سفرها وهاتفها الجوال، وقام بضربها وبإصابتها بجروح في جسمها بمطواة، كتحذير مما قد يفعله بها إذا ما حاولت الهروب منه. المهربون يعدون ضحاياهم بالزواج والحياة الهانئة والعمل المجزي لينتهي بهن المطاف إلى الضياع وأضافت المرأة قائلة إنها أرغمت على ممارسة البغاء في لندن ثم في انتويرب ببلجيكا. وللتغطية على جريمته، اتصلت أسرة المهرب بوالدي المرأة قائلة إن الاثنين انتقلا للعيش في كوسوفو المجاورة. وتشير تقديرات الخبراء إلى أن آلاف النساء والرجال والأطفال تم تهريبهم من ألبانيا إلى اليونان وايطاليا المجاورتين وغيرهما حيث تم استغلالهم جنسيا وأرغموا على العمل بالسخرة. الألبانيات القرويات أكثر ضحايا التهريب وعلى المستوى العالمي، تشير تقديرات الأممالمتحدة إلى أن 3و12 مليون شخص يعملون كرقيق جنس أو عمال بالسخرة، وان العديد منهم وقعوا ضحايا للمهربين عن طريق الخطوبة أو الزواج أو عروض العمل الزائفة. وفي بعض الحالات تم بيع الضحايا على يد أسرهن بينما ذهبت أخريات طائعات مختارات. وعلى الرغم من حظر استخدام الزوارق السريعة وما إلى ذلك من الجهود التي بذلتها ألبانيا للحد من تهريب مواطنيها إلا أن الفساد المستشري يحد من تلك الجهود. ففي شهر يونيو 2007 اعتقلت وزارة الداخلية 12 ضابط شرطة متهمين بتهريب البشر في ثلاث قضايا، من بينهم ستة ضباط مسؤولين مباشرة عن مكافحة التهريب. الضحية مرفوضة من قبل «أسرتها».. وعرضة لتهديدات «مهربها».. ومحرومة من حقوقها في «دولتها» وتقول سلطات تطبيق القانون في ألبانيا إن العون من الدول الأخرى للحصول على دليل لإدانة المهربين لا يتوفر في الكثير من الحالات. وفي هذا الصدد تقول ايفا زايمي منسقة مكافحة التهريب بوزارة الداخلية إن العديد من النساء اللواتي يتم تهريبهن لا يعتبرن ضحايا في دول تبيح الدعارة مثل بلجيكاوألمانيا وهولندا. وتضيف زايمي قائلة، "تسببت شرعنة الدعارة في إيجاد جدار يختبئ خلفه المهربون ويمارسون من ورائه قمع الضحايا." وتجذرت عمليات تهريب النساء في ألمانيا في أعقاب سقوط الشيوعية في عام 1991. وعلى مدى عشرة أعوام ظل المهربون يمارسون أعمالهم دون مساءلة في غياب قوانين لمكافحة التهريب. وبلغت الأزمة ذروتها في عام 1977 نتيجة الضائقات المالية الطاحنة التي وضعت ألبانيا على حافة حرب أهلية. ويقول الكاتب الألباني لير ييزيري، الذي اعد فيلما وثائقيا عن تهريب البشر،" كان الألبان يبيعون شقيقاتهم للحصول على المال." وأنشأت ألبانيا محاكم في عام 2004 لمقاضاة المهربين وشرعت قوانين صارمة تنص على حبس المدانين لمدة قد تصل إلى 15 عاما. غير أن خبراء حقوق الإنسان يقولون إن المحاكمات نادرا ما تتم، ويعزى ذلك جزئيا إلى أن العديد من الضحايا يتخوفن من الإدلاء بشهاداتهن. وفي العام الماضي تم النظر في 22 قضية تهريب فقط، أي بأقل من نصف عددها في العام الأسبق. الضحية في السجن والمجرم حر طليق وتقول بريكينا بوكا، المدير التنفيذي لمنظمة "فاترا" التي تعمل على مساعدة ضحايا التهريب إن قلة المحاكمات تعزى جزئيا إلى أن معظم الضحايا تتم محاكمتهن بتهمة ممارسة الدعارة. وفي بعض الحالات يتم حبس النساء بعد إبعادهن من دول أخرى. وتضيف بوكا قائلة،"النساء المهربات يصبحن ضحايا مرتين، أولا على يد المهربين ثم من قبل النظام القضائي الألباني." وحتى إذا حاولت الضحايا السير في إجراءات التقاضي إلا أن النساء اللواتي تسنى إجراء مقابلات معهن قُلن إن من الصعب الإفلات من مهربيهن الذين يشكلون جزءا من شبكة دولية منظمة. وتقول تلك المرأة القروية التي تم تهريبها إلى لندن إن مهربها كانت له صلات في جميع المدن التي أُرغمت على زيارتها. كما انه كان يستعين بمزور ليوفر له كل المستندات المزورة المطلوبة. واعتقدت المرأة أنها أصبحت حرة عندما تم اعتقال المهرب في لندن وتم إبعاده إلى ألبانيا. وبدلا من ذلك، أعادها أشقاؤه وزوجاتهم الذين كانوا في لندن إلى العمل في تجارة الجنس، دون أن تحصل على أي بنس مما تكسبه. واستنجدت المرأة بالشرطة في لندن، غير أنها سارعت إلى إبعادها إلى ألبانيا، حيث تقدمت بشكوى للشرطة الألبانية متهمة مهربها باستغلالها.. وعندما أخبرت المرأة عائلتها بما تعرضت له فان أسرتها لفظتها لتجد نفسها مخطوفة مرة أخرى على يد مهربها الذي كان قد تم إخلاء سبيله. وهددها المهرب بالقتل إذا لم تقم بسحب شكواها ومن ثم اضطرت لان تقول للشرطة إنها" كذبت بسبب الغيرة". تهريب البشر عبودية حديثة غير أن منسق العمليات بالمأوى حيث كانت المرأة تقيم قال إن الإفادة الأصلية للمرأة كانت مفصلة وتضمنت دلائل كثيرة على الاستغلال وإساءة المعاملة البدنية والنفسية إلى حد أن الشرطة رفضت طلب سحب الشكوى. وتم تحويل المرأة إلى المأوى حيث شجعها المسؤولون على مقاضاة المهرب رسميا. وتم حبس المهرب لمدة شهر قبل أن يتم إخلاء سبيله للمرة الثانية. ولم تعد المرأة تواجه رعبا يوميا من قبل مهربها، غير أنها ألزمت بالعيش في المأوى تحت رقابة صارمة من قبل الشرطة. ولم تبارح المرأة المأوى منذ سنوات وتقضي أوقاتها في مشاهدة التلفاز وفي تصفيف شعر النساء في صالون المأوى. وتقول المرأة، "انك تتوقع من دولتك أن تحمي مواطنيها. انك تتوقع ألا تعمل القوانين على تحويل الضحية إلى مجرمة. لقد كنت خارج ألبانيا أعيش وحدي. أما هنا وفي بلدي فإنني مازلت أتعرض لإساءة المعاملة." ألبانية ضحية التهريب