لم يتخيل أصدقاء شارون أن يعود الجنرال المتقاعد إلى ساحة الأحداث مرة أخرى. أما أعداؤه فكانوا يتضرعون آملين ألا يحدث ذلك . إلا أن آرييل شارون تجاوز التوقعات، ليس فقط برفض ومقاومة محاولات إبعاده عن المسرح السياسي، بل وتأهب لاقتناص أبرز المواقع على هذا المسرح. ولم يعد يقلقه أن يكون معظم أعضاء تجمع الليكود اليميني، الذي ينتمي إليه، قد فضلوا بنيامين نتنياهو عليه رغم أنه زعيمهم. وفي نفس الوقت يعمل شارون على إزالة ظنون تحوم مفادها أنه سيواجه حملة انتخابات قاسية في حال تزعم حزب العمل الإسرائيلي السياسي المخضرم شمعون بيريس بدل إيهود باراك . رجل لا يهتم بمنتقديه ولا يعبأ شارون بكراهية الناس أو حبهم، سواء كانوا إسرائيليين أو عربا. والهدف في حياة هذا السياسي القديم والجندي المتقاعد، البالغ من العمر اثنين وسبعين عاما، هو أن يضع شروطه لضمان ما يعتبره الأمن المطلق لإسرائيل. سيرة عسكرية ويعني الأمن بالنسبة لشارون الاحتفاظ بأكبر مساحة ممكنة من الأرض والحقوق السياسية للدولة اليهودية، وإعطاء الفلسطينيين أقل ما يمكن من الأرض والحقوق السياسية. ولد شارون في فلسطين في عام 1928 عندما كان هذا البلد تحت الوصاية البريطانية. والتحق في شبابه بالميليشيا الإسرائيلية السرية التي عرفت باسم الهاجاناه، وحارب في الحرب العربية الإسرائيلية عام ثمانية وأربعين وتسعة وأربعين عقب إعلان الدولة اليهودية. السيرة السياسية من 1975 إلى 1977 عمل مستشارا لرئيس الوزراء إسحاق رابين للشؤون الأمنية . من عام 1977 وحتى 1981 عمل وزيرا للزراعة . من عام 1981 وحتى عام 1983 عمل وزيرا للتجارة والدفاع . من عام 1984 وحتى عام 1990 عمل وزيرا للصناعة . من عام 1990 وحتى عام 1992 عمل وزيرا للإنشاء والإسكان. من عام 1996 وحتى عام 1998 عمل وزيرا للبنى التحتية. من عام 1998حتى عام 1999 عمل وزيرا للخارجية. ومنذ عام 1999 وحتى الآن زعيما لتكتل الليكود. قاد شارون في الخمسينيات عمليات عسكرية انتقامية ضد وحدات من القوات المسلحة المصرية التي كانت تتخذ قطاع غزة مقرا لها، وأدت عملية منها إلى مقتل ثمانية وثلاثين جنديا مصريا. وصعد شارون في المراتب العسكرية ليصل إلى رتبة عميد وقاد فرقة عسكرية خلال حرب الأيام الستة في يونيو عام سبعة وستين والتي انتهت إلى احتلال إسرائيل القدسالشرقيةوالضفة الغربية وقطاع غزة وأعطت الإجراءات القمعية القاسية التي فرضها شارون كمحتل أول مذاق مرير لطعم الاحتلال، مما جعل منه عدوا لدودا للعرب ورمزا للخصومة مع إسرائيل. وانتخب شارون للكنيست الإسرائيلي، أو البرلمان، لأول مرة في عام 1977، ثم كان العقل المدبر للغزو الإسرائيلي للبنان في عام 1982 ، وبدون اطلاع مناحيم بيجن رئيس الوزراء آنذاك على نحو واضح، أرسل شارون، بوصفه وزيرا للدفاع، الجيش الإسرائيلي إلى لبنان مما أسفر عن وضع حد لوجود منظمة التحرير الفلسطينية هناك . ولم تقتصر نتائج هذا الغزو على منع منظمة التحرير من استخدام لبنان كقاعدة انطلاق للعمليات ضد إسرائيل، بل نتج منها مذبحة مخيمي صبرا وشاتيلا التي راح ضحيتها مئات من الفلسطينيين على يد افراد من الميليشيات المسيحية اللبنانية، والمخيمان كانا حينئذ تحت السيطرة الإسرائيلية. أزيح شارون من موقعه العام في عام 1983 من قبل محكمة إسرائيلية كانت تحقق في ملابسات غزو لبنان، حيث حكمت عليه بالمسؤولية غير المباشرة عن هاتين المذبحتين. عودة إلى المسرح وتعتبر إدانة من هذا الطراز نهاية لسيرة أي سياسي، لكن شارون ظل محتفظا بشعبية عالية في أوساط اليمين الإسرائيلي، وشعر بأنه إذا اتزن وضبط أعصابه هذه المرة فإن فرصة جديدة قد تظهر أمامه ليعود إلى السياسة. ترأس شارون أثناء توليه وزارة الإسكان في مطلع التسعينيات حملة كبرى لإقامة وإنشاء مستوطنات في الضفة الغربيةوغزة، والتي اعتبرت الأكبر منذ احتلال إسرائيل هذه الأراضي في عام سبعة وستين. وتعرض تحالف بنيامين نتنياهو اليميني عند وصوله إلى السلطة في عام ستة وتسعين إلى ضغوط لضم شارون إلى طاقمه الوزاري في عام ثمانٍ وتسعين حيث قال نتنياهو إنه أفضل شخص لتولي منصب وزير الخارجية. وبرز نجم شارون أكثر فأكثر ليصبح زعيما لتكتل الليكود الذي تحول إلى المعارضة عندما هزم نتنياهو هزيمة ثقيلة في الانتخابات العامة التي أجريت في عام تسعة وتسعين. حاول شارون، بعد فشل محادثات كامب ديفيد العام الماضي، دفع الرأي العام الإسرائيلي نحو كراهية باراك، محاولا الإيحاء بأنه مستعد لمبادلة القدس مقابل اتفاقية سلام. كما أدت زيارته المثيرة للجدل للحرم القدسي حيث موقع المسجد الأقصى، الذي يقول اليهود إنه شيد على أطلال معبد الهيكل، إلى انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الحالية. ويقول المتشككون إن شارون كان يراهن على حدوث الانتفاضة لتحويل انتباه الرأي العام الإسرائيلي نحو زعيم أكثر قسوة، مثله، قادر على التعامل مع الفلسطينيين بشكل أكثر حزما. ولكن شارون غير مهتم بما يقال، وفي حملته الانتخابية الحالية يقول إنه يريد إقامة سلام مع العرب ولكن ليس تحت التهديد، والأهم بالنسبة له أن يعيش الإسرائيليون بأمان دون أن يوجد ما يهدد حقوقهم في أرضهم، حسب تعبيره .