نقل راديو الجيش الإسرائيلي عن أحد أقارب أسرة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ارييل شارون إن شارون الذي كان في غيبوبة منذ ثماني سنوات بعد اصابته بسكتة دماغية توفي يوم السبت عن 85 عاما ويعتبر أرييل شارون أو "البلدوزر" كما كان يعرف في اسرائيل، واحد من أبرز المسؤولين الإسرائيليين وأكثرهم إثارة للجدل.
قضي شارون عقودا طويلة متنقلا ما بين العمل العسكري والسياسي، وصولا إلى منصب رئيس الوزراء عام 2001، وظل في منصبه حتى أقعده عنه المرض حينما أصيب بسكتة دماغية عام 2006.
وبالنسبة للإسرائيليين فهو مقاتل بطل كان له دور بارز في كل الحروب الخمسة التي خاضتها اسرائيل وخاصة حربي 1967 و1973.
أما بالنسبة للفلسطينيين يعتبر شارون سفاحا حيث قاد مذابح عدة ضدهم أبرزها مذبحة "صبرا وشاتيلا" عام 1982 والتي راح ضحيتها مئات القتلى.
ومن مقولات شارون المأثورة " لا يمكن لأحد أن يلقي علي محاضرة بشأن الحاجة للسلام، أنا الشخص الذي خاض كل المعارك، ، ولذلك فأنا الشخص الذي بإمكانه أن يمنع اندلاع الحرب".
وعلى الرغم من أن قرارات وتصرفات رئيس الوزراء رقم 11 في تاريخ إسرائيل سواء إبان عمله العسكري أو بعد ذلك في مجال السياسة ساهمت في تعزيز أركان دولة إسرائيل إلا أنها كانت مثيرة للجدل وأدت لانقسام في الآراء.
وعلى العكس من أي زعيم إسرائيلي آخر كان أرييل شارون يثير الإعجاب وكذلك الاستياء في نفس الوقت وبشكل متساو، وكان هدفه الرئيسي في الحياة هو توفير الأمن لإسرائيل أثناء توليه المسؤولية، مهما كانت التكلفة السياسية.
ولد أرييل شارون في فلسطين عام 1928 عندما كانت البلاد تحت الانتداب البريطاني، وكان والداه "شموئيل" و"ديفورا" مزارعين صهيونيين هاجرا من روسيا إلى فلسطين، وكانت مزرعتهما عرضة لهجمات رجال القبائل الفلسطينيين ولذلك فقد تعلم شارون القتال منذ صغره.
ودرس شارون في مدرسة في تل أبيب الزراعة والسياسة والعلوم العسكرية. مقاتل جريح
انضم شارون لعصابات الهاجاناه عندما كان عمره 14 عاما، وبعد ذلك بست سنوات في عام 1948 قاد شارون وحدة مشاة في الحرب التي أظهرت اسرائيل للوجود. وخلال الحرب أصيب شارون بإصابة بالغة في البطن ونقل على إثرها من الجبهة لتلقي العلاج.
وفي عام1953 حينما كان ضابطا في المخابرات العسكرية أسس الوحدة رقم 101 والتي كانت مهمتها مهاجمة الضفة الغربية التي كانت تخضع وقتها لحكم الأردن، وذلك ردا على الهجمات التي تتعرض لها اسرائيل.
وفي ذلك العام، تسببت إحدى الهجمات على قرية قبيا الفلسطينية الحدودية في الخزي لشارون، حيث قامت قواته التي كانت لديها تعليمات بتفجير عشرة منازل للفلسطينيين ردا على هجوم على اسرائيل تسبب في مقتل ثلاثة أشخاص، قامت بتدمير 45 منزلا ومدرسة وقتلت 69 فلسطينيا، الامر الذي اضطر رئيس الوزراء حينئذ "ديفيد بن جوريون" للاعتذار عن استخدام جنوده للقوة المفرطة . استراتيجي بارع
وترقي شارون في عمله العسكري من منصب إلى أعلي ففي أكتوبر عام 1956 هاجمت اسرائيل شبه جزيرة سيناء المصرية لدعم الهجوم العسكري الذي شنته بريطانيا وفرنسا على السويس. وعاد شارون حينها ليكون في طليعة الجيش حيث قاد كتيبة المظلات التي سيطرت على ممر "متلا" الاستراتيجي في سيناء.
بعد ذلك سافر شارون لدراسة النظرية العسكرية في كلية هيئة الاركان البريطانية واستمر هناك لثلاثة سنوات وعاد ليرأس مدرسة المشاة في الجيش الاسرائيلي.
وفي عام 1967 عاد شارون مجددا للقتال حيث قاد فرقة مدرعة وسيطر مرة أخري على ممر "متلا" الاستراتيجي بسيناء، وكذلك الطريق إلى السويس، مما عزز سمعته كاستراتيجي بارع، واتهمت قواته حينها بقتل الأسرى المصريين الذين وقعوا في أيديهم، لكن شارون نفى علمه بحدوث ذلك. الحرب المذبذبة
حقق شارون انتصارات ساحقة في حروب اسرائيل مع جيرانها العرب
في عام 1972 استقال شارون من الجيش بسبب عدم تحقق طموحه في تولي منصب قائد الجيش، ليتحول إلى العمل بالسياسة. وبعد ذلك بفترة وجيزة أسس حزب الليكود اليميني، لكنه سرعان ما استدعي للقتال مرة أخري بعد اندلاع حرب 1973مع مصر وسوريا، وقاد فرقة مدرعة وشن هجوما مضادا اخترق الجبهة المصرية وعبر غربي قناة السويس فيما سمي في مصر ب "ثغرة الدفرسوار" قبل أن يتلقى تعليمات من قادته بالتوقف عن التقدم.
ورأى شارون حينها أن فشل اسرائيل في تدمير الجيش المصري كان خطأ فادحا وسماه حينها ب"الحرب المذبذبة".
وبعدها أنهى شارون حياته العسكرية ودخل معترك السياسة وانتخب عام 1973 عضوا في الكنيست مذبحة صابرا وشاتيلا
ترك شارون الكنيست بعد عام واحد ليتولى منصب المستشار الأمني لإسحاق رابين، لكنه عاد مرة أخرى للكنيست عام 1977، ثم شغل منصب وزير الدفاع في حكومة رئيس الوزراء مناحيم بيجن عام 1981.
وفي 1982 خطط ونفذ دون الرجوع إلى رئيس الوزراء، عملية غزو لبنان للقضاء على منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت تتخذ من لبنان قاعدة لشن هجمات على شمال إسرائيل.
وفي غضون أيام أصبحت المدرعات والمدفعية الاسرائيلية تحاصر بيروت.
وبعد شهرين من الحصار اضطر نحو 14000 من المقاتلين الفلسطينيين والسوريين الي مغادرة بيروت، لكن عشرات الألاف من اللاجئين الفلسطينيين بقوا هناك، وتكدسوا في مخيمات من بينها "صابرا وشاتيلا".
واقتحمت قوات شارون مخيمي صبرا وشاتيلا وقتلت مئات الفلسطينيين ، كما سمحت للميليشيات المسيحية التابعة لحزب الكتائب اللبناني بقتل الفلسطينيين في المناطق التي كان يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي.
وقتل خلال هذه المذبحة نحو 800 شخص ورفعت بعض الاحصاءات القتلى الي 2000 بخلاف من تعرض من الفلسطينيين للتعذيب والاغتصاب. الإزاحة عن منصب وزير الدفاع
ولاقت المذبحة إدانة دولية واسعة، بل وخرجت مظاهرة حاشدة هي الأكبر في تاريخ اسرائيل ضمت نحو 400 ألف شخص للتنديد بالمذبحة ، لكن شارون رفض الاستقالة من الحكومة ، مما اضطر رئيس الوزراء الاسرائيلي الي إزاحته من منصب وزير الدفاع إلي وزير بلا حقيبة.
وفي العام التالي عام 1983 أدانت لجنة تحقيق حكومية اسرائيلية شارون وقالت إنه يتحمل مسئولية شخصية عن سماحه بوقوع مذبحة صابرا وشاتيلا، لكن شارون نفي أية مسئولية شخصية له عن المذبحة.
وبعد 1983ظل شارون في المشهد الخلفي للسياسة الاسرائيلية وتولى عدة وزارات لكنها أقل أهمية بالطبع من منصبه الذي فقده كوزير للدفاع.
وبعد هزيمة حزب الليكود في الانتخابات عام 1999 اختار الحزب شارون ليتزعمه خلفا لبنيامين نتانياهو. وقام شارون في عام 2000 بخطوة أشعلت أزمة هائلة في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، حيث قرر بصورة مفاجئة زيارة المسجد الأقصى، وهو ما أدى لإطلاق الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
وتسببت هذه الخطوة في منح شارون شعبية كبيرة بين اليهود، وحقق حزبه فوزا ساحقا في الانتخابات العامة التي أجريت عام 2001، ليتولى هو رئاسة الوزراء لأول مرة.
وفي سبتمبر/ أيلول من عام 2005 قرر شارون بصورة مفاجئة الانسحاب من قطاع غزة وأربع مستوطنات في شمال الضفة الغربية، وهو ما أشعل الغضب ضده داخل إسرائيل وتعرض لموجة انتقادات سياسية وشعبية.
وتسببت هذه القرارات في انقسام داخل حزب الليكود نفسه الذي كان يتزعمه شارون، مما دفعه للانفصال عنه وتأسيس حزب جديد تحت اسم "كاديما" في نوفمبر / تشرين الثاني من العام ذاته بالتعاون مع بعض حلفاءه السياسيين.
وفي خضم أزمة سياسية، أصيب شارون في ديسمبر عام 2005 بأول سكتة دماغية، أعقبتها أخرى في يونيو 2006 لم يفق منها حتى فارق الحياة.