ان من يلج في أحشاء شبكة المعلومات الالكترونية ويتصفح المواقع الحوارية الناطقة بالعربية فيها يجد في غالبيتها العبثية الفكرية والفتنة العمياء والجهل المقيت بالمبادئ والمصالح والحقوق، فمن يدعي انه يمثل الاتجاه الاسلامي نجده يرفع لواء العصبية التي تعني اقصاء الآخر وتكفيره والنيل من رموز مفكريه سواء الاقدمين منهم أو المعاصرين دون ان يحكم ذلك أي ضابط شرعي أو وعي فكري أو حتى نية صادقة فهم كمن ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا اما من يدعي الاهتمام بالشأن السياسي فلا نجد له هما الا الهجوم على القادة والساسة وقذفهم بالفساد والعمالة والتشكيك في مصداقيتهم وكفاءتهم حتى في أبسط مسئولياتهم وأدوارهم دون ان يقدم ولو لمرة واحدة تحليلا منطقيا للاحداث او نقدا موضوعيا للاشخاص واذا تم تجاوز ذلك نجده يقع في الصراعات الحزبية التي لا طائل منها، أما المفكرون والمثقفون فغالبا ما يوجهون جهودهم في صراعات فكرية مع هذا التيار او ذاك وكأنما دورهم الذي اكتسبوه من ثقافتهم قد انحصر في اثبات صحة هذا المنهج او ابطال ذاك وهكذا الحال في كل القطاعات الفاعلة التي لا هدف لها الا ان ترمي جهودها في العبثية والفوضى التي لا طائل منها. قد يحلو للبعض ان يطلق لعقله عنان الخيال ويزين لنفسه واقع الحال بانه الحرية المنشودة التي يستطيع كل انسان ان يقول فيها ما يشاء عما يشاء كيفما شاء دون خوف الرقيب أو الحسيب، ولكن التساؤلات التي قد ترد على الخاطر وذلك في ظل غياب الوعي والرأي المسئول والثوابت الانسانية حيال احترام الآخر والتي ارجو ألا اكون مبالغا فيها الا يعني ذلك النفخ في نار الفتنة النائمة وشق الخلاف والشقاق بين فئات المجتمع الواحد واجترار آلام الماضي بكل ما حواه من صراعات وفتن عملت على انهيار العملاق الاسلامي وشرذمته كمجتمعات مجزأة ومتنافرة، والا يعني ذلك هتك حرية الآخرين والتسلط على حقهم في الاختيار في المعتقد والفكر والمذهب والممارسة ماداموا لم يهتكوا حرمة او يعتدوا على حق، والا يعني ذلك القول بلا علم والقذف بلا برهان والتشكيك بلا دليل في كل فكر وكل رمز وكل قيادة وكل سياسة وكل عمل وكل قرار الا يعني ذلك ببساطة العبثية بكل ما تعنيه من سلبية وفوضى وانحطاط. قد يكون لدى البعض رأي آخر وقد يحمل في بعض جوانبه شيئا من الواقعية وذلك ان مثل هذه الحوارات التي مهما يقال عنها من عبثية وعصبية وتصارع فهي الطريق الوحيد للنضج على المستوى الديني والسياسي والاجتماعي باعتبار أن سقطات الطفل وكبواته هي السبيل الوحيد نحو تعلمه الوقوف ثم المشي ولكن أليس من الممكن في حال عدم العناية بالطفل ورعايته ان يقع فيما يضره او حتى يميته نعم قد تكون لذلك بعض الايجابيات ولكن ليس هكذا تورد الابل. نعم قد يستحيل على أي جهة كانت ان تعمل على ضبط هذه الامور او السيطرة عليها ولو حتى جزئيا ولكن اظن ان هناك مجالا للحد من آثارها التي اظن انها ستكون سلبية ومقلقة على المدى البعيد. وبداية ذلك تأتي من خلال سحب البساط عن هذه الشبكة باعتبارها ميدان الحرية الاوحد وذلك من خلال فتح المجال امام النموذج الفكري الايجابي الذي يتناول طرح ما يؤمن به وليس هدم ما يؤمن به الآخرون وثانيها فتح المجال للتنفيس العلني الهادئ من خلال الصحافة او الندوات او اللقاءات الفكرية عن القضايا التي تهم المجتمع بمختلف توجهاته وثالثها الشفافية في تناول الشأن العام على مستوى السياسات الداخلية او الخارجية في مختلف وسائل الاعلام ورابعها الحد من مظاهر الفساد الاداري التي تشكل ارضية خصبة لتضخيم الشائعات والترويج لها وآخرها الحد من اقصاء الآخر وهتك حقوقه من اي جهة كانت وفق ما اقره نظامنا الاساسي للحكم فضلا عن غيره من مصادر التشريع المختلفة وكل ذلك جدير بأن يعيد التوازن لانفسنا ولشبابنا ولأبنائنا مما يجعلهم يتعاملون مع مثل هذه الامور بعقلانية بعيدا عن التطرف والانفعال والقذف والتشكيك.