يتوجه 50 مليون ناخب تركي الى صناديق الاقتراع في 12 حزيران (يونيو) المقبل لاختيار نوابهم ال550 الموزعين على نحو 20 تكتل سياسي بين احزاب ومستقلين، وفي خضم هذه المعركة القاسية، يبدي رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ثقته بفوز حزب "العدالة والتنمية" في هذه الانتخابات، محذراً: "اذا لم يشكل حزبي الحكومة المقبلة منفرداً، سأتقدم بإستقالتي". استطلاعات الرأي تؤكد منذ الآن، فوز "العدالة والتنمية" بما يقارب ال35 و40 بالمئة من المقاعد، فيما تتوقع ان يحصل حزب الشعب الجمهوري المعارض على 25 او 30 بالمئة منها، في حين تشير التقارير الى امكانية فوز حزب الحركة القومية اليميني المتطرف بما يقارب ال10 او 15 بالمئة، الأمر الذي يضطر الأكراد الى خوض الانتخابات بلوائح ائتلافية مع المستقلين واليسار لضمان فوزهم جميعاً ب25 او 30 مقعداً، التزاماً بسقف ال10 بالمئة من التمثيل التي يفرضها القانون على المرشحين. ويرى المراقبون ان الحملات الانتخابية التي تشهدها البلاد متواضعة وليست عميقة، كما وان الاعتبارات التي تجري في ظلالها الانتخابات المنتظرة، بعيدة كل البعد عن كل ما يتعلق في السياسيات الداخلية والخارجية، بل تقتصر على تجاذبات شخصية بين زعماء أكبر 3 احزاب تركية. وفي هذا السياق، يقول أردوغان للرئيس الجديد لحزب الشعب الجمهوري كيليشدار اوغلو الذي دعاه الى مناظرة تلفزيونية: "ما زلت يافعاً في السياسة لتكون مناظراً لي امام عدسات الكاميرا"، فيرد الأخير بالقول: "على السيد أردوغان الاقلاع عن محاربة معارضيه بواسطة الكاميرات الخفية، والكف عن التدخل في حياتهم الخاصة". اما دولت بهشلي زعيم الحزب القومي اليميني المتطرف، فقد هدد أردوغان بعديد ميليشيا "الذئاب الرمادية" (قوامها عشرة آلاف عنصر)، فرد أردوغان بالقول " خذ ثعالبك وأغرب عن وجهي". وانسحب أربعة مرشحين من المعركة الانتخابية بعد تسريب شرائط فيديو سرية تظهرهم بوضعيات مشبوهة، وهو ما حصل مع رئيس حزب الشعب الجمهوري السابق دنيز بيكال الذي استقال العام الماضي بسبب شريط مماثل. وتتهم الجماعة الاسلامية التي يقودها الامام فتح الله غولان المقيم في الولاياتالمتحدة الأميركية منذ 10 سنوات، بتسريب والترويج لهذا النوع من الأشرطة، من دون أي مساءلة قضائية. وتتهم الاحزاب السياسية المعارضة، رئيس الوزراء التركي بالتصرف ك"سلطان"، فيما يتهم حزب الشعب الجمهوري، حزب "العدالة والتنمية" الحاكم بخرق مبادىء العلمانية في البلاد عبر الترويج لمقارباته الاسلامية. كما يقول الحزب القومي ان لأردوغان علاقات مع "ارهابيي" حزب العمال الكردستاني "الانفصالي". في المقابل، يرد العدالة والتنمية التهم المنسوبة اليه بالقول: "نحن نؤسس لديموقراطية حديثة في تركيا. تصنيفنا في المركز ال17 عالمياً على المستوى الاقتصادي يشير الى ان تركيا باتت دولة اقليمية قوية". وفيما يرفض الناطقون باسم الحكومة والمعلقون المؤيدون لها التعليق على انتقادات المعارضة للديبلوماسية التركية، ينتقد الصحافي جنكيز تشاندر الخبير في شؤون الشرق الأوسط الموقف التركي حيال ليبيا بالقول: "في البداية كان أردوغان يعارض تدخل حلف شمالي الأطلسي في الشأن الليبي بشكل قاطع، ثم ما لبت ان حول تركيا الى قاعدة لعملياته العسكرية". حتى الرئيس السوري بشار الأسد وضع صديقه المقرب اردوغان في موقف صعب، فديبلوماسية أنقرة لم تتجرأ حتى الآن على الاحتجاج ضد القمع الرسمي الذي تمارسه دمشق، مكتفية بتوجيه النصح حول "تحقيق الاصلاحات الضرورية". وفي هذا الشأن، يقول البروفسور جنكيز أختار من جامعة بهجتشهر ان "النموذج التركي" الذي تروج له انقرة لم يعد يواكب التطورات الجديدة في المنطقة، ذلك ان الثورات في تونس ومصر وليبيا وحتى سوريا ابتكرت نماذجها الخاصة. باسم "الاستمرارية" و"الاستقرار"، يعد اردوغان نفسه بولاية ثالثة. رئيس الوزراء الذي يمارس السلطة منذ 12 عاما يطمح بوضع دستور جديد في البلاد يكرس نظاما رئاسيا، الا ان هذا التوجه يلاقي اعتراض الاكثرية الساحقة من الطبقة السياسية التركية بما في ذلك رئيس الجمهورية عبدالله غول. وفيما يحاول أردوغان الاستفادة من الازدهار النسبي للاقتصاد، تضع المعارضة في المقدمة البطالة والمعدلات الضعيفة للاستثمارات، أضف ان المراقبين الاجانب خصوصا المصارف الكبيرة تتجه الى اتخاذ مواقف اكثر قسوة، خصوصاً مع تنامي ظاهرة هروب رؤوس الاموال الى الخارج على وقع مناداة الرأسمال العالمي الكبير ب"تركيا مستقرة سياسيا" حسب تقرير للمصرف الالماني. ويتوقع المعلق روشان شاكر في صحيفة وطن التركية، انه "ستكون لدينا في 13 حزيران (يونيو) خريطة سياسية جديدة في تركيا. حتى لو بقي حزب العدالة والتنمية منفرداً في السلطة، تبقى المشكلة الكردية، والاقتصاد، والعدالة الاجتماعية على رأس جدول الاعمال".