لو عدنا الى ملاقف الهواء الموجودة في منطقة الخليج العربي سنجد أن كتلة ملاقف الهواء الرأسية مجوفة من الداخل ومقسمة الى أربع قنوات هوائية يفصل بينها هيكل انشائي على شكل حرف * , وهذه القنوات مفتوحة من الأعلى على الجهات الأربع . أما الارتفاع الشاهق الذي يزيد على خمسة عشر مترا عن الأرض إذا كان برج الهواء في الدور الأول وثمانية أمتار إذا كان في الدور الأرضي فقد نتج لضرورة أن تكون فتحة الهواء عالية حتى تلتقط أي مصدر للهواء خصوصا في فصل الصيف حيث الرطوبة العالية فالارتفاع الشاهق لبرج الهواء يجعل فتحة الهواء أعلى من مجال تركز بخار الماء الثقيل في الجو, ولا يكتفي التكوين الإنشائي لملقط الهواء بالوقوف عند سطح الغرفة بل يسقط تحت سقف الغرفة ويقترب من ارتفاع الإنسان نفسه حتى يتيح للغرفة ان يكون بها تيار هواء قوي يقلل من شدة الرطوبة في فصل الصيف . خصوصا أن منطقة الجلوس في الغرفة غالبا ما تكومن تحت فتحة البرج. القواعد الشكلية السابقة الذكر على أشكال ملاقط الهواء ففي الكويت مثلا يتكون التجويف الداخلي لبرج الهواء من حائطين متقاطعين يوازيان الحوائط الخارجية للبرج( على شكل علامة) كما ان هناك نوعا من الأبراج الهوائية تكون فيها الحوائط الداخلية عبارة ثلاث حوائط اثنان منها متوازيان والآخر يوصل بينهما (على شكل الحرف اللاتينيH) بحيث يصبح تجويف ملقط الهواء عبارة عن أربعة مستطيلات. لو حاولنا فهم هذا الاختلاف البسيط في تفاصيل تجويف برج الهواء لوجدنا ان الشكل الأول ( الذي على حرف X ) هو حديث نسيبا أو هو آخر الأبراج المنتقلة إلى المنطقة , يعكس تعاملا مباشرا مع اتجاه الرياح في كل مكان حيث ان الفتحات الأربع متساوية , وإن كان هناك بعض الأبراج التي على شكل مستطيل وتكون فيها الواجهة العريضة باتجاه الرياح الرئيسية , فهذا النموذج يمثل درجة اكثر تفاعلا مع الحاجة المحلية ويمكن اعتباره بداية لتوطين هذا النموذج في الأبراج في المنطقة , اما النموذجان الأخيران (الكويت) فيمكن النظر إليهما على أنهما يمثلان محاولة عميقة لتوطين برج الرياح , خصوصا النموذج الأخير الذي تكون فيه احدى الفتحات مواجهة للريح الرئيسية بينما تكون الفتحة الأخرى منفذا للهواء الساخن وأحيانا تعمل كمدخنة للتخلص من الدخان خصوصا في المجالس التي تعد فيها القهوة (الوجاق او الوجار).هنا نجد التصاق برج الهواء بتفاصيل الحياة اليومية مما يجعلنا نعتقد أنه ظهر في المنطقة منذ وقت مبكر ومر بمراحل متعددة من التهذيب حتى وصل الى هذا التوافق الدقيق مع الحاجة اليومية للمستخدمين. أما في منطقة الأحساء فتوجد أبراج هوائية لا يزيد ارتفاعها على متر ونصف المتر يسميه بعض أهالي الأحساء (صلاتيةSallatiyyah) تقع على طرف جدار الغرفة ويمثل فراغ الحائط تجويفها الداخلي بحيث يكون على شكل بئر تتيح للمستخدم التحكم في البرج بداخل الغرفة , كما ان فتحات البرج داخل الغرفة تنتهي بأبواب خشبية تتيح للمستخدم التحكم في البرج واستخدامه في الأوقات المناسبة وغالبا ما يكون هناك أكثر من برج في الغرفة الواحدة وقد يصل فيها عدد الأبراج الى خمسة , ويشكل برج الهواء من الخارج والتكوين الداخلي للغرفة في مباني الهفوف وحدة متكاملة حيث يصبح تجويف الحائك الذي يستخدم كرفوف لعرض الأشياء هو الجزء الذي تقع فيه فتحات التهوية. وفكرة استخدام الحائط كمنفذ للهواء البارد داخل الغرف لا تقتصر علتىمدينة الهفوف ولكنها موجودة في أغلب المدن الخليجية الا أن الشكل الخارجي والتفاصيل الداخلية تختلف من منطقة لأخرى ,وأقرب شكل لهذا النموذج موجود في مدينة الكويت والتي تسمى أبراج الهواء الحائطية خصوصا أن هذا النوع كان موجودا في منطقة الأحساء الا انه لم يعد له وجود الآن. ان أبراج الرياح التي قام الباحث بدراستها في الأحساء تمثل نموذجا غير متكرر لأنها تقع على أسطح الغرف مثلها مثل الأبراج الأخرى الموجودة في باقي مدن الخليج إلا أنها تختلف عنها في الجحم وكل التفاصيل , ففي حين يوجد برج واحد في الغرفة في الأمثلة الأخرى نجد اكثر من برج في حالة الأحساء , بحيث يصبح عدد الأبراج هو الذي يمثل الخصوصية البصرية من الخارج. والأمر الآخر هو أن أبراج الهواء في الأحساء رغم أنها تقع فوق أسطح الغرف الا ان بئرها الهوائي جزء من الحائط , أي أنها تحمل مواصفات أبراج الهواء الحائطية المعروفة والمنتشرة في الأحساء والسقفية المعروفة في كل مناطق الخليج مما يجعلها حالة نادرة غير متكررة (حسب معرفة الباحث) أي منطقة أخرى , وأخيرا فإن الأبراج السقفية الحائطية( الاحسائية) أتت متوافقة مع النظام الإنشائي والقيم الجمالية في منطقة الأحساء , إذ أنها من الداخل تعتبر جزءا من (الروزنة) بحيث تصبح الرفوف العليا من الروزنة أقل عمقا من الرفوف التي في الأسفل لكي تسمح لبئر الهواء بالمرور وتكون فتحة البئر من الداخل هي الفاصل بين الرفوف العليا والرفوف السفلى وتقع غالبا في المنتصف , هذا الابتكار وهذا التوافق ما كان ليحدث لو أنه لم تمض فترة طويلة على تفاعل إنسان المنطقة وهذا العنصر المعماري. نستطيع ان نستخلص من المقارنات السابقة أن فكرة تحويل الهواء البارد من أعلى أسطح المباني إلى داخل الحجرات هي فكرة قديمة جدا وظف فيها برج الهواء بأشكال متنوعة بحيث تطور في مناطق وظل على حاله في مناطق أخرى. كما أن الشكل البصري لهذا الجهاز انتقل من منطقة إلى أخرى وخلال انتقاله تفاعل مع التقنية المحلية والقيم البصرية الموجودة في المناطق التي انتقل اليها. هذا التفاعل نتجت عنه أشكال جديدة قريبة من الأشكال المحلية لان الحاجة لتوطين الأشكال عملية فطرية مستمرة. يجدر بنا عند حديثنا عن التوظيف البصري والرمزي لملقط الهواء في العمارة التقليدية الخليجية أن نشير للمنهجية التحليلية التي أنتجها الباحث في دراسته ,لقد استعرنا المنهج التحليلي لغاستون باشلار لشاعرية المكان. فلقد فرق باشلار بين (الخيال الشكلي) و(الخيال المادي) حيث يهتم الخيال الشكلي بالجمال غير الضروري في الطبيعة بينما يعتبر الخيال المادي ببنية المادة وشكلها غير المنفصل عنها. أي أنه يحتوي على عناصر الديمومة في الأشكال هذا الخيال يفرز بذورا وفي تلك البذور يكمن الشكل بعمق , وفي مجال العمارة يمكن رؤية الخيال الشكلي من الصيغ المباشرة للمادة المستخدمة في البناء او من الزخرفة أو من التعبير المباشر لوظيفة المبنى , بينما الخيال المادي يمكن رؤيته من خلال طبيعة المادة نفسها وخصائص استعمالها كونها نظاما ماديا مجردا , فالخصائص الجمالية لمادة الطين مثلا تختلف عن الاخرى وان كانت التقنية المعاصرة أحدثت الكثير من التبديلات في خصائص المواد وجعلتها أقل صدقا في التعبير الجمالي. بشكل عام توحد هناك تكوينات رئيسية لملاقط الهواء. المسقط المربع الذي يتساوى فيه عدد الفتحات في كل الجهات , والمسقط المستطيل الذي يزيد فيه عدد الفتحات من جهة معينة عن الجهتين الأخريين( غالبا ما يكون اتجاه الرياح الرئيسية أو نسيم البحر ) أما التكوين الثالث فهو تكوين نادر , هذا التكوين ذو مسقط دائري بحيث يظهر ملقط الهواء بشكل أسطواني مفرغ يشبه في تكوينه مئذنة مسجد , هذا التكوين موجود في الشارقة بمسكن ابراهيم المدفع بالقرب من سوق "العرصة". يتكون ملقط الهواء (السقفي) من أربعة أقسام ثلاثة منها ظاهرة من الخارج وواحد منها داخل الحجرة التي بها الملقط ويمثل الجزء المنخفض من الغرفة بارتفاع 2م تقريب هذا الجزء دوره وظيفي بحت لأنه مسؤول عن جلب الهواء لأقرب نقطة من المستخدم لذلك نجد ان هذا الجزء ليست به فتحات ولكن به بعض الزخارف والدخلات التي تبرز النظام الإنشائي للملقط أما الجزء الثالث فهو القسم الأهم الذي يحمل فتحات التهوية ويشترك مع تاج الملقط الجزء الأخير في ثراء الزخرفة. رغم ان القواعد التشكيلية لملقط الهواء متشابهة إلى حد كبير إلا أن هناك اختلافات من حيث التكوين العام والزخرفة والارتفاع والحجم تجعل ملقط الهواء يلعب دورا كبيرا للموازنة بين الشخصية العامة للمدينة الخليجية والشخصية الخاصة بكل مسكن . فملقط الهواء كهيكل انشائي ذي مركزية بصرية قوية استخدمه السكان كدالة بصرية لتعريف الحارات وتميز السكك عن بعضها البعض وارشاد الزائر للمسكن عن بعد , بل إنه استخدم كعلامة بصرية تميز كل (فريج) عن الآخر من خلال وجود تكوينات غير متكررة لمجموع الأبراج الهوائية الموجودة في مساكن الفريج . وكما نعلم فإن الفريج كان يمثل الوحدة البنائية والاجتماعية للمدينة الخليجية التقليدية. أن الحاجة للتجمع العائلي كان ضرورة للإحساس بالانتماء إلى كيان اجتماعي يوفر الحماية , هذا التجمع أفرز مفهوم الفريج كوحدة فيزيائية عمقت الانتماء للمكان , ولأن هوية المكان لا تكتمل الا بوجود عناصر بصرية تدل عليها لذلك تطور ملقط الهواء ليؤدي هذا الدور فالزائر لا يحتاج أن يسأل عن المسكن إذا كان سبق له أن زاره وتعرف على ملقطه الهوائي فعن بعد يستطيع ان يميز ملقط الهواء وما عليه إلا أن يسير حتى يستدل على المكان الذي يقصده , وعندما يسأل عن مسكن لأول مرة فما عليه إلا إن يرفع نظره ويتعرف على ملقط الهواء الخاص بالمسكن من أحد المارة وسوف يستدل على مقصده بسهولة. حتى إذا تشابهت أبراج الهواء فهناك عدد الملاقط التي يحتويها المسكن والتي غالبا ما تختلف في أحجامها حسب الغرفة المتصلة بها , هذا أدى بدوره الى اختلاف تقسيم فتحات الهواء التي تبدأ من فتحة واحدة وتصل إلى ثماني فتحات حسب حجم برج الهواء. كما ان الاختلاف في الارتفاع نتيجة لأن بعض الملاقط تستخدم لتكييف غرف بالدور الأرضي وأخرى بالدور العلوي تكون في مجموعها ترابطا بصريا للحي ككل كما انه يعرف المسكن عن غيره من المساكن المحيطة به. هناك تباين واضح بين اعلى البرج وقاعدته من حيث الثراء الزخرفي , فالأجزاء العليا المرتبة من قبل المارة وجدت لها عناية خاصة لتعكس المكانة الاجتماعية لصاحب المسكن بينما تنازلت الأجزاء السفلى المتوارية خلف كتلة المبنى أو تلك الملتصقة مباشرة بكتلة المبنى على كل أو اغلب ثرائها الزخرفي مما يشير إلى الوعي الكامل بالأهمية البصرية التي يؤديها ملقط الهواء في العمارة التقليدية الخليجية وعلى أي حال لا تكفي القيمة البصرية التي يؤديها ملقط الهواء في العمارة التقليدية الخليجية. للتعريف بالمسكن خارجيا إذ ان تلك القيمة تتجاوز الخارج إلى الداخل, فالملقط غالبا يميز الغرف المهمة عن غيرها داخل المسكن فمثلا برج الهواء الموجود في الغرف المستخدمة للنوم يختلف عن البرج الموجود في المجلس , بل ان الاختلاف طال كذلك الغرف المستخدمة للنوم داخل المسكن الواحد , فبرج غرفة رب الأسرة يختلف عن باقي الأبراج , هذا الاختلاف يكون من حيث التكوين العام والارتفاع ونوعية الزخرفة . كما انه يحقق توازنا بصريا لكتل المبنى خصوصا إذا كان ملقط الهواء متصلا بغرفة في الدور الأرضي لأنه في هذه الحالة يحقق هرمونية بصرية بين كتلته ذات التكوين الرأسي وغرف الدور العلوي كما هو الحاصل مثلا في بيت الشيخ عيسى بن علي الخليفة في مدنية المحرق ومسكن الشيخ سعيد آل مكتوم في دبي. حتى في ملاقط الهواء الحائطية الموجودة في الكويتوالأحساء نجد هذه الرغبة في التعامل مع برج الهواء كعنصر بصري , ربما نستطيع أن نقول إن ملقف الهواء الحائطي بدأ كعنصر نفعي محض ومع الزمن شعر الناس بإمكانية توظيفه بصريا فهوة أي البرج غالبا ما يطل على الطرق الرئيسية في المدينة القديمة مما جعل أمر تزيينه مغريا بالنسبة للناس , وربما يكون الملقط السقفي الحائطي الموجود في الاحساء هو أقل الأبراج احتواء للزخرفة ومع ذلك حاول الناس توظيف هذا النموذج بصريا عن طريق عدد الأبراج , فنادرا ما نجد برجا واحدا فوق سطح الغرفة الواحدة , وكما ذكرنا سابقا , أحيانا يوجد خمسة أبراج في الغرفة الواحدة, والتباين في أعداد الأبراج ناتج أصلا من اتجاه الغرفة فاذا كان جزؤها العريض مواجها للريح زاد عدد الأبراج أما إذا كان غير مواجه للريح الرئيسية فغالبا ما يكون هناك برجان أحدهما مفتوح على الريح الرئيسية . ومما يزيد أهمية هذا النموذج بصريا انه غالبا ما يكون فوق أعلى غرفة في المسكن مما يجعل أمر رؤيته من الخارج أمرا ممكنا.