في خضم التحديات التي تواجهها السعودية وكثير من الدول النامية مع بداية القرن الحادي والعشرين، تبرز الحاجة إلى تناول القضايا الرئيسة التي تؤثر في مسيرة المجتمع وتساهم في تطوره في كافة المجالات الاجتماعية والاقتصادية والعلمية. وقد تنبه كثير من المفكرين إلى أن من أبرز القضايا التي لها دور حيوي ومصيري فيما يتعلق بمستقبل وتنمية قضية التعليم بجميع مستوياته وتخصصاته، والتعليم التقني والتدريب على وجه الخصوص. وفيما يلي سنحاول مناقشة بعض القضايا المهمة المرتبطة بواقع التعليم الفني والتدريب في السعودية، ونركز بشكل أساسي على معوقات التطوير لهذا النوع من التعليم وما يمكن عمله للتغلب على هذه المعوقات ولتحقيق إنجاز حقيقي في تنمية القوى البشرية الوطنية. إنجازات وتحديات بدأ التعليم الفني والتدريب المهني في السعودية منذ وقت مبكر، وذلك عندما ظهرت الحاجة الماسة إلى المهنيين مع بداية خطط التنمية الخمسية. وتعتبر المدرسة الصناعية المتوسطة بجدة التي أنشأتها مديرية المعارف عام 1369ه أول مدرسة فنية في السعودية، شملت العديد من التخصصات منها الكهرباء والنجارة والعمارة والميكانيكا والسباكة وغيرها. وقد التحق بهذه المدرسة حوالي 30 طالباً في أول دفعة من طلابها. وبعد بداية هذه التجربة الفريدة أنشأت وزارة المعارف ثلاث مدارس صناعية أخرى في الرياض عام 1374ه، والمدينة عام 1375ه، والدمام عام 1376ه. وبعد تجارب متعددة في المدارس الثانوية الصناعية مثل تجربة المدارس المتوسطة الحديثة التي ألغيت في عام 1406ه وبرنامج نظام السنوات الست الذي يشمل برامج متوسطة وثانوية وفنية عالية لإعداد المعلمين، وصل التعليم الفني الثانوي إلى الوضع الحالي الذي تشرف عليه المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني والذي يشمل 10 معاهد ثانوية صناعية و16 معهداً ثانوياً تجارياً، و4 معاهد ثانوية زراعية و5 معاهد ثانوية للمراقبين الفنيين. التدريب المهني أما في مجال التدريب المهني فقد كانت البداية في إنشاء أول مركز للتدريب في مدينة الرياض عام 1382ه، وأشرفت عليه إدارة التدريب المهني في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية. ثم أنشأت الوزارة مركزين في كل من جدة والدمام عام 1385ه، وتوالى فيما بعد إنشاء مراكز التدريب المهني حتى وصلت الآن إلى 29 مركزاً للتدريب وتشرف عليها المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني. كما بدأت المؤسسة منذ عام 1403ه في تأسيس الكليات التقنية المتوسطة حيث بلغ عددها حالياً تسع كليات تتوزع على مختلف المناطق. ولايقتصر التعليم الفني والتدريب المهني على الوحدات التعليمية والتدريبية التي تشرف عليها المؤسسة، ولكن هناك جهات حكومية وأهلية أخرى تشرف على أنواع أخرى من التعليم الفني والتدريب. وسنتناول بالتحليل ظاهرة تعدد الإشراف على برامج التعليم الفني والتدريب ،ولكن نشير هنا إلى بعض الأفكار المتعلقة بواقع التعليم الفني والتدريب المهني سواء الذي يقع تحت مسؤولية المؤسسة أو الجهات الحكومية الأخرى. النمو السكاني ان ما تم إنجازه على مستوى التعليم الفني والتدريب كبير بالمقياس الزمني الذي تولت فيه هذه الجهات تطوير تلك البرامج وتنفيذها وإعداد الملتحقين بها، إلا أن الواقع يشير إلى أنه مع زيادة النمو السكاني في المملكة والتوسع في برامج التعليم العام، إضافة إلى التوسع في مشاريع التنمية، فإن واقع التعليم الفني والتدريب لا يزال دون المستوى المأمول سواء من ناحية إعداد الملتحقين والخريجين أو من ناحية الكفاءة والنوعية التي يحتاج إليها سوق العمل في المملكة. وعند مقارنة هذه الأعداد المحدودة من الطلاب الملتحقين بالوحدات التعليمية والتدريبية الفنية باعداد الطلاب الملتحقين بنظام التعليم العام نلاحظ الفارق الكبير بين هذين النظامين. ويتبين أن غالبية الطلاب ينظرون إلى نظام التعليم على أنه يتمثل في مرحلة ابتدائية - مرحلة متوسطة - مرحلة ثانوية عامة - الجامعات، أما المسارات الأخرى للتعليم فهي من نصيب من يتخلف عن المسار العام أو من قد تضطره ظروفه للتوقف في أحد المسارات للبحث عن تأهيل سريع وعمل يمكنه من معالجة ظروفه الاقتصادية أو الاجتماعية. إن هذه المعادلة تحتاج إلى إعادة نظر إذا أردنا - فعلاً - قلب الوضع الحالي لتطوير القوى العاملة، فالتأهيل العالي الفني سيظل كسيحاً إذا لم يكن هناك تأهيل فني ثانوي مكثف على المستوى المتوسط والمستوى الثانوي. وقد يكون التأهيل متدرجاً من المرحلة المتوسطة عن طريق التوجيه الفني وإدخال مقررات فنية ومهنية ضمن مناهج مقررات التعليم العام في المرحلة المتوسطة ثم التوسع بشكل كبير في التعليم الفني الثانوي بحيث تصبح المدارس الفنية جزءاً من التعليم الثانوي العام. ويمكن إعادة تقويم تجربة قسم العلوم التقنية الذي أدخل في بعض المدارس الثانوية العامة ولكنه يتعرض حالياً لتراجع كبير ينذر بفشل التجربة. وفي كثير من دول العالم يبدأ التأهيل المهني منذ وقت مبكر، ففي اليابان مثلاً تبدأ الدراسة في الكليات التقنية بعد المرحلة المتوسطة ويدخل الطالب في برنامج تعليمي لمدة خمس سنوات. وفي ألمانيا يطبق برنامج التدريب المزدوج الشهير على مختلف الطلاب الذين لم ينهوا المرحلة الثانوية، والذين يتطلعون إلى الالتحاق بإحدى المهن المعتمدة في قطاعات العمل. وفي الولاياتالمتحدةالأمريكية صدر قانون "فرص الدراسة من أجل العمل لعام 1994م" لإدخال التعليم العملي على نطاق واسع في المدارس الأمريكية الثانوية العليا. إثراء أم ازدواجية! يتداخل الكثير من المفاهيم والآراء في مسألة تطوير القوى العاملة الفنية وبخاصة فيما يتعلق بعملية الإعداد، وعملية التأهيل والتطوير. فعملية الإعداد تعني إيجاد برامج تعليمية وتدريبية تهدف إلى إكساب الشباب الذين ليس لديهم تأهيل فني سابق بالمعارف العلمية والمهارات الفنية ليتمكنوا من الالتحاق بمهنة أو وظيفة فنية أو إدارية معينة. أما عملية التأهيل والتطوير فهي عملية إعادة تأهيل بعض الفنيين أو الإداريين الذين هم - في الغالب - على رأس العمل ليكتسبوا معارف أو مهارات جديدة، ليتمكنوا من تحقيق أهداف العمل المتجددة والحديثة. وعلى الرغم من أن عملية التأهيل أو التطوير للقوى العاملة - التي هي عملية أوسع كثيراً من عملية الإعداد - تتطلب مشاركة أكبر عدد ممكن من الجهات التي بحاجة إلى قوى عاملة فنية أو إدارية، إلا أن المطلوب هو إيجاد مراكز خبرة تساعد هذه الجهات في إيجاد الخبرات البشرية والفنية اللازمة لتطوير القوى العاملة. وهذه القضية لها أبعاد كثيرة يرتبط بعضها بالأنظمة الإدارية في المنشآت الراغبة في ا لدخول في قضايا تطوير القوى البشرية، والبعض الآخر يرتبط بالجهات الداعمة لعملية التدريب مثل المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني أو الغرف التجارية الصناعية وغيرها. ولكن فيما يتعلق بمسألة إعداد القوى العاملة الوطنية، فإن تعدد الجهات الحكومية والأهلية التي تساهم في جانب الإعداد (وليس في تأهيل القوى العاملة وتطويرها) ينطوي على جوانب سلبية كثيرة على الرغم من أن ذلك يبدو إيجابياً في نظر الكثيرين. وقد يشير البعض إلى تلك الجهات المعنية بإعداد نوع معين من الفنيين بأنها هي الأقدر على تحديد احتياجاتها التعليمية والتدريبية وبهذا فهي المعنية بتأسيس نظامها التعليمي والتدريبي المناسب. كذلك يشعر البعض أن المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني غير قادرة لوحدها على إعداد الكوادر الفنية، وذلك لضخامة المجال الذي تعمل فيه ولحاجة نظام التعليم الفني إلى إمكانات بشرية ومالية كبيرة. وعلى الرغم من وجاهة كثير من الآراء في هذا الموضوع، إلا أن تعدد جهات الإشراف التي تقوم بعملية إعداد الكوادر البشرية الفنية قد أدى إلى العديد من السلبيات من أهمها عدم وجود معايير ثابتة للبرامج التعليمية والتدريبية تساهم في تحديد الأطر الأساسية للبرامج وتحديد المحتوى العلمي والتدريبي لكل برنامج. فعندما تؤسس لبرنامج تدريبي لابد من تحديد مكونات البرنامج من مدخلات ومخرجات وتفصيل للأسس والأهداف العامة والأهداف السلوكية، إضافة إلى معرفة ما يحتاج إليه الطالب من معارف إنسانية ومهارات فنية في كل تخصص. ولهذا فإن الاجتهادات القائمة حالياً في مجال التعليم الفني والتدريب لا تستند في غالبها إلى معايير علمية، بل هي اجتهادات من مدارس علمية مختلفة أو اجتهادات من إداريين لا صلة لهم بالعملية التعليمية التربوية. ومن المعلوم أن تأسيس معايير علمية وتدريبية يحتاج إلى خبرات متقدمة، واطلاع على النظم العالمية في مجال التعليم والتدريب، وهذا لا يستطيع توفيره وتأسيسه إلا جهاز مركزي متمكن يمكنه خدمة جميع الأجهزة الحكومية والأهلية، ويشرف على تنفيذ البرامج. ترتيب متأخر ضعف الإمكانات المادية التي توجه لبرامج التعليم الفني، حيث أصبح التعليم الفني عبئاً مالياً وإدارياً على كثير من الجهات، مما يؤدي إلى ضعف المخرجات. إن القطاعات المختلفة التي لديها أهداف ومهام أخرى غير التعليم والتدريب، هي في الغالب مثقلة بكاهل تأمين احتياجات أهدافها الأساسية، ولذلك فهي - غالباً - تضع عملية التدريب والتعليم ضمن الأمور التي تقع في المرتبة الثانية أو الثالثة في اهتمام أجهزتها التنفيذية، كما أنها تحتل مرتبة أدنى فيما يتعلق بوضع الميزانيات اللازمة للتعليم والتدريب. وأيضاً ضعف إمكانية تطوير خبرات بشرية وطنية متمكنة في تصميم البرامج التدريبية وتطويرها، وذلك لأن عملية تطوير الخبرات البشرية الوطنية المتخصصة في مجال تصميم البرامج وتطويرها والإشراف على العمليات التدريبية تحتاج في الغالب إلى وقت طويل حتى تصل إلى مستوى علمي وإداري متميز، ولهذا فإن الاستثمار في تطوير هذه الخبرات سيكون بلا شك أكثر إمكانية في ظل وجود جهاز إشرافي واحد على برامج التعليم الفني والمهني. أما في ظل تعدد الجهات فستقوم كل جهة بتطوير كوادرها بوسائل مختلفة قد تستغرق كثيراً من الوقت، وتهدر كثيراً من الإمكانات المادية. توحيد الاشراف ازدواجية البرامج وتكرارها في أكثر من جهة أديا إلى وجود عدد كبير من الملتحقين في بعض التخصصات ونقص في تخصصات أخرى. فمثلاً تجد كثيراً من التشابه بين برامج الكليات التقنية التي تشرف عليها المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني وبرامج الكليات الصناعية التي تشرف عليها الهيئة الملكية للجبيل وينبع. كما أن هناك ازدواجية في البرامج الإعدادية لمعهد الإدارة العامة وبعض برامج الكليات التقنية والبرامج الإعدادية في الغرف التجارية الصناعية. إن توحيد جهات الإشراف سيقضي بلا شك على هذه الازدواجية وستتوحد الجهود في مجال تطوير هذه البرامج. إن عدم وجود رابط بين مخرجات الجهات المتعددة أدى إلى عدم وضوح مجالات العمل، وتنوع تقويم جهات التوظيف للخريجين. إضافة إلى أن تحديد مجالات العمل للطلاب يكتنفه الغموض لدى أصحاب العمل. فصاحب العمل ربما لا يعرف بالضبط التنوع في البرامج إن وجد في الجهات التي تحتوي على تخصصات متشابهة. فمثلاً الفرق بين برامج التقنية الكهربائية مثلاً في كلية تقنية وبين التخصص نفسه في الكليات الصناعية. كما أن مقارنة المستوى الوظيفي لخريج معهد ثانوي تجاري بالمستوى الوظيفي لخريج البرامج الإعدادية في معهد الإدارة قد تكون عسيرة لدى جهة العمل... وهكذا. الاثنان معاً؟! تواجه مؤسسات التعليم الفني - ليس في المملكة فحسب - معضلة تحديد التوجه الرئيس للخطط والبرامج الدراسية. فمن المخططين للبرامج التعليمية والتدريبية من يشير إلى أن الخطط والمناهج التدريبية يجب أن تركز على الجانب التدريبي العملي البحت الذي يمنح الطالب القدرة على اكتساب المهارات الفنية والتقنية العالية وعدم إشغال الطلاب والمتدربين بقضايا إنسانية وعامة قد لا يكون لها تأثير مباشر على قدراتهم وتحصيلهم العلمي المتخصص، إضافة إلى أن مؤسسات التعليم الفني والمهني ليس لديها الوقت والقدرة على التعاطي مع القضايا التربوية والتعليمية العامة، وأن الانشغال بهذه القضايا لن يترك وقتاً كافياً للعملية التدريبية والتطبيقية. ويرى فريق آخر أن العملية التدريبية يجب ألا تنفصل عن العملية التعليمية والتربوية، وذلك لأن عملية الإعداد والتأهيل الفني تتطلب تنمية القدرات العقلية والنفسية والسلوكية لدى الشباب، وبخاصة أن بعض الشباب المتقدم للمؤسسات التعليمية والتدريبية الفنية هم من الذين لديهم ظروف اجتماعية أو تحصيلية أعاقتهم عن الالتحاق بمؤسسات التعليم العام أو العالي، وهؤلاء هم أكثر الفئات حاجة إلى التأهيل العلمي والتربوي. ولذلك فإن مزج العلوم الإنسانية بما تشمله من مقررات إسلامية ولغوية، إضافة إلى مقررات في التاريخ والسلوك الاجتماعي والرياضيات هو من المتطلبات المهمة للتعليم الفني والمهني. دور القطاع الخاص إن كثيراً من دول العالم بدأت ومنذ وقت غير قصير بربط مؤسسات التعليم والتدريب بقطاعات العمل ليس عن طريق إشارات التعاون والتعاضد، وإنما عن طريق المشاركة الحقيقية بواسطة أنظمة تعليمية وتدريبية تقوم على توزيع أدوار الإشراف المباشر على العملية التعليمية والتدريبية، والمشاركة في التمويل وتحمل تكاليف التدريب الباهظة.ويطرح ديفيد ستيرن في بحثه المتميز عن نظم التعليم في كثير من دول العالم التي تعتمد على مفهوم من المدرسة إلى العمل School - to - work العديد من الأفكار والطروحات حول دور أرباب العمل في نظم التعليم والتدريب. فهو يشير إلى أن أصحاب العمل يتولون مسؤولية رئيسة عن التدريب في كل دولة ذات نظام ناجح للدراسة من أجل العمل. ويقوم أصحاب العمل في كل من ألمانيا وسويسرا والنمسا باستخدام وتدريب الممتهنين في النظام المزدوج الشهير. ويحافظ أصحاب العمل اليابانيون على علاقات دائمة بالمدارس ويوفرون تدريباً مكثفاً داخل الشركات للخريجين حديثي التوظيف. وتكمن المشكلة في المملكة في أن الروابط التقليدية بين أصحاب المهنة وبين العمالة المواطنة مفقودة بسبب التغييرات الكبيرة التي حصلت في هيكلة الاقتصاد الوطني خلال سنوات الطفرة مما أدى إلى نزوع كثير من قطاعات العمل إلى التوسع الكبير في الخدمات، واستقدام عدد كبير من العمالة الوافدة لتلبية هذا التوسع. وبقيت عملية تطوير القوى العاملة الوطنية من هموم الدولة ومن مسؤولياتها الرئيسة دون مشاركة حقيقية من القطاع الخاص المستفيد. اللغة المظلومة في خضم المحاولات الجارية لتطوير التعليم التقني تبرز مسألة اللغة كواحدة من القضايا الأساسية التي تهم كثيراً من المعنيين بنظام التعليم. ويتنازع فريقان مسألة حسم أي اللغات تستخدم كوسيلة تعليمية وتدريبية في المعاهد والكليات التقنية والمؤسسات التدريبية الأخرى. ففريق يرى ضرورة استخدام اللغة العربية كوسيلة تعليمية رئيسة في مؤسسات التعليم الفني والتقني، وذلك لأنها لغة المجتمع التي يجب أن نحافظ عليها وندعم وجودها لدى أبنائنا الشباب. وهي كذلك اللغة التي يمكن للطالب استيعاب المعارف والمهارات عن طريقها، لأنها اللغة التي كونت تفكيره وتأسيسه العلمي والنفسي. وفريق يرى أن لغة التقنية الحديثة هي اللغة الإنجليزية، وما لم يتمكن الطالب من القراءة والكتابة والتخاطب باللغة الإنجليزية فلن يستطيع أولاً فهم المعلومات التقنية وقراءة أدلة تشغيل الأجهزة المتقدمة وصيانتها، ثم هو لن يستطيع أن يؤدي العمل بالشكل المطلوب. ويعاضد هذا الفريق المسؤولون في القطاع الأهلي الذي أصبحت اللغة الإنجليزية هي المتطلب الأول لأصحابه فيما يبحثون عنه من عاملين وموظفين. إن قضية اللغة كوسيلة للتعليم وناقل أمين للمعلومات والمهارات إلى الطلاب والمتدربين، ترتبط بأبعاد كثيرة منها ما يتعلق بالتقنية الحديثة، ومنها ما يتعلق بحاجة سوق العمل، ومنها ما يتعلق بإمكانات مؤسسات التعليم والتدريب. فمن الجانب التقني فإن التقنية الحديثة تنتج وتستخدم - غالباً - باللغة الإنجليزية. فمعظم التجهيزات الحديثة وبخاصة ما يتعلق بالتجهيزات الصناعية الإنتاجية قد كتبت نشراتها التشغيلية ومستلزمات الصيانة باللغة الإنجليزية، بل إن ما تخرجه هذه التجهيزات من معلومات وبيانات تظهر باللغة الإنجليزية. إن تخلف اللغة العربية عن اللحاق بالتقنية الحديثة معلوم للجميع، فعملية التعريب والترجمة التي يقوم بها بعض المؤسسات لا تستطيع أن تواكب التقنية الحديثة التي يحسب تطورها ليس بالسنوات والشهور وإنما بالأيام. أما متطلبات سوق العمل فيما يتعلق باللغة الإنجليزية، فقد أصبحت - مع الأسف الشديد - أحد معوقات التوظيف والتدريب. فاللغة الإنجليزية أصبحت عند كثير من أرباب العمل المتطلب الأول عند التوظيف، بل إن البعض لا ينظر إلى المؤهل الدراسي أو الخبرة العملية إلا بعد تقويم اللغة، وقدرة الباحث في العمل على التحدث والكتابة باللغة الإنجليزية. البعد الثالث أما البعد الثالث في هذا الموضوع فهو ما يتعلق بإمكانات مؤسسات التعليم والتدريب. إن معظم وحدات التعليم والتدريب مثل الكليات التقنية والمعاهد الصناعية تعاني مشكلات حقيقية في تدريس اللغة الإنجليزية، تجعلها غير قادرة على رفع مستوى المخرجات في هذا الجانب. وتتركز المشكلات في قلة الكفاءات البشرية المتخصصة في اللغة الإنجليزية، والتي تستطيع تدريس مقررات اللغة وتستطيع تطوير مناهجها باستمرار. وإذا أضفنا الضغوط التي تعانيها تلك المؤسسات في زيادة طاقتها الاستيعابية وقلة الوظائف التعليمية، فإن مخرجات اللغة الإنجليزية تبقى في مستوى أقل من احتياجات سوق العمل، وكذلك أقل من تمكين الطالب من القراءة والكتابة باللغة الإنجليزية ليفهم العلوم والمصطلحات العلمية التقنية. كما ان المدة الزمنية التي يمكن تخصيصها لتدريس اللغة الإنجليزية ستزيد بلا شك على المدة المطلوبة للبرامج التعليمية والتدريبية. وفي ظل ضعف مدخلات البرامج التعليمية والتدريبية - أصلاً - في اللغة الإنجليزية، فإن الحد الأدنى الذي يمكن وضعه لبرنامج اللغة الإنجليزية سيكون عاماً دراسياً مكثفاً. وهذا بلا شك سيؤدي إلى جعل فترة التدريب والتعليم التقني أكثر من برامج الدراسات الجامعية المتوسطة أو الدراسات الجامعية الكاملة. وهذا يؤدي بدوره إلى زيادة التكلفة الإجمالية لبرامج التعليم التقني والتدريب. ويحتاج تطبيق اللغة الإنجليزية بالصورة التي ترفع من مستوى الطلاب إلى أن تكون اللغة الإنجليزية هي وسيلة التدريس الرئيسة للمواد والمعارف التقنية. ونظراً لكون كثير من أعضاء الهيئة التعليمية والتدريبية في معظم المؤسسات التعليمية والتدريبية يفتقر أصلا إلى القدرة على التعليم باللغة الإنجليزية، فإن الناتج سيكون ضعيفاً ومشوهاً ويؤدي إلى مزيد من الإحباط لدى الطلاب والمتدربين. ومن المعوقات أيضاً فيما يتعلق بتدريس اللغة الإنجليزية ضعف المتوافر من المواد التعليمية، والوسائل المناسبة للتدريس وبخاصة الكتب الملائمة، وبرامج الحاسب المناسبة للمناهج وغير ذلك. هذه بعض القضايا الهامة التي تؤثر وستؤثر مستقبلاً على نظام التعليم الفني ومخرجاته، وتحد من تطوره ليصبح الأداة الأساسية لعملية التنمية المنشودة، والوسيلة الأساسية لتخفيض الاعتماد على العمالة الوافدة، وتقليل نسبة البطالة في المجتمع. (عميد كلية التقنية - الرياض )