لم تكن الا ذكرى هكذا حادثت نفسها وهي تتطلع إلى القمر .. الذي اكتمل نور وجهه .. فصار في أبهى صورة والنجوم تلتف من حوله في السماء لتشكل صورة إبداعية خلابة .. تدل على عظمة الخالق .. لم تكن تلك في السابق نظرتها للقمر .. لم تكن هذه الصورة التي تراه فيها فقط بل كانت ترى فيه صورة فارس أحلامها الذي عاشت تتخيله منذ طفولتها والتي تحطمت بيد احب الناس اليها وضاعت كل المشاعر دفنت كل الاحاسيس انتهى عالم العواطف بالنسبة لها قتله اعز مخلوق الى قلبها تحدرت العبرات على وجنتيها والذكريات تمر بخاطرها كشريط سينمائي يعرض للتو تذكرت كيف كسر نفسها البريئة .. كيف حطم قلبها الرقيق كيف القى بمشاعرها المرهفة عرض الحائط آه من الايام لو يعلم ماذا فعلت بها .. واي طريق اوصلها اليه بتعنته وجبروته وتسلطه .. وضعها هي وكل من احبت تحت المجهر .. مجهره الذي لا يرى الدنيا إلا بسواد عينيه .. كم ناقشته كم حاولت إقناعه بان الدنيا مازالت بخير كم تمنت أن تفهمه أن هناك أناسا طيبون فيها .. يمتعون العالم بسخاء عطفهم تذكر إنها قالت له مرة .. دعني اجرب حياتي دعني اخرج إلى العالم .. دعني أرى ما فيه من خير وشر كان يقول لها .. أخاف عليك أن تمسك الدنيا بأذى .. أخشى عليك من الناس .. أنت قرة عيني ولا أريد أن تصابين بأي مكروه .. إنني أحصنك واجعل لك درعا يحميك والى الابد ارتسمت في أعماقها ابتسامة سخرية كادت تبتلع ما تبقى منها حين وصلت إلى هذه النقطة من ذكرياتها وأخذت تحادث نفسها ..أكان يظن انه يعلم القدر ؟؟ أكان يظن انه سيحميني من ما هو مقدر ومكتوب ؟؟ وتحدرت دموعها بكل حرقة وهي تقول في نفسها لا أحد يهرب من القدر لا أحد يستطيع الهروب من قدره ها هو ذا تركها وذهب ودون أن يترك لها ذاك الدرع الواقي الذي كان يظن انه يؤمنه لها لم تملك حين وصل بها نهر الذكريات إلى هناك سوى أن تقول رحمك الله يا أبي .. رحمك وسامحك .. كنت تظن انك تحميني حين ترفض زواجي كنت تظن انك تبعدني من تسلط الرجال الأجانب وتحكمهم .. كنت تظن انك تحميني من طمعهم وجشعهم ورغبتهم في مرتب وظيفتي سامحك الله ؟؟ ما الذي استفدته من الوظيفة ؟؟ ماذا جنيت من الوحدة التي كنت تخنقني بها .. كيف سأعيش ؟؟ ولماذا أعيش ؟؟ ولمن أعيش ؟؟ حطمتني بتعنتك لم تتصور انك كنت تقتلني بعنادك ورفضك بتمسكك الشديد برأيك .. كنت أموت ألف مرة بل اذبح من هذا وأنا أرى أحلامي التي رسمتها طفولتي وعاشها صباي وتمنتها أنوثتي تتبخر .. تتلاشى توأد في مهدها كأنها لم تكن من سيرضى بي بعد أن بغت هذه المرحلة من العمر .. ياااه أرهقتني الأيام واثقل ظهري حمل السنين وأنا أكافح وحدي وأعيش لنفسي .. ولا انتظر إلا اللحظة التي يحين فيها اجلي .. توقفت بشريط ذكرياتها طويلا عند لحظة بعينها توقفت عند أيام أخذت من عمرها أمدا طويلا تذكرت حين وافت والدها المنية .. لم يكن هناك سواها بجانبه أمها ماتت منذ ولادتها ولا اخوة لديها أخوالها وأعمامها ابتعدوا عنهم لسوء طبع والدها وشكه القاتل بكل من حوله .. نعم لم يكن هناك سواها بجانبه كان يعاني سكرات الموت وهي تنظر إليه لا تملك من أمره وأمرها شيئا لا تمتلك أن تفعل شيئا . لا تملك إلا أن تنتحب بعلو صوتها وهي تسأله لمن ستتركني ؟؟ ليس هناك قريب أو بعيد سيرأف بحالي لن يكون هناك من يسأل عني .. لاحظت في تلك اللحظة دموعه .. حسرته .. لوعته وآهاته .. كلها لاحظتها في وقت واحد وتفجرت صرختها في تلك اللحظة تزلزل أعماقها الآن .. الآن تبكي الآن تعترف بالذنب ويلي من سيكون لي وتزيد دموعهما في انهمارها وتمتزج لتشكل نهرا من حزن .. نهراً من أسى بل نهراً من ضياااااع وتفيض روحه إلى بارئها ولا تعرف إلى من تلجأ ومن سيساعدها ولا تدري حتى كيف انقضى الأمر وانتهى وكيف تقبلت العزاء .. لم يكن عزاء في فقد والدها فقط بل كان في فقد كل حياتها من بعده وتعيش وحدها بائسة حزينة يائسة لا تنتظر إلا ساعة الاجل التي لا تعلم من سيكون بجوارها ساعتها من سيتذكر إنها موجودة ليتفقدها من سيتقبل العزاء فيها لا ولد لها ولا ابنة يشفقون عليها لا أحد على الإطلاق تعيد النظر إلى القمر وتدعو الله فقط أن يرحمها ويسترها في موتها ويعوضها عن آلامها في جنة الفردوس . مرام الدباغ