نشر الشيخ محمد آل رميح مقالاً علق فيه على موقف الدكتور عبدالله الغذامي من الصحوة ، والذي جاء عبر مقال منشور في عام 2014 بجريدة الجزيرة ، ووجه آل رميح نقداً لاذعاً للغذامي وصفه فيه بالحاقد على الصحوة وصاحب الثأر معها ومع علمائها وأدبائها . وقال آل رميح إن الغذامي كان في نشأته الفكرية ناصرياً قومياً مما ترك أثراً في مواقفه من حركات الإصلاح الدعوية ، وسرد في مقالته التي نشرها عبر مدونته وحصلت الوئام على نسخة منها العديد من المغالطات التي ارتكبها الغذامي -حسب آل رميح – واصفاً إياه بإنه " أنه وإن لم يكن علمانيا في معتقده – حاشاه من ذلك – لكنه يفسر التدين تفسيرا أقرب إلى تفسير العلمانية للتدين . " وفيما يلي نص مقالة آل رميح . ( الغذامي والصحوة .. النقد وذكريات الثأر ) الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .. أما بعد : النَصَفة خُلق عزيز، ولئن رجوتها من أهل القلم والفكر أكثر من غيرهم، فلا تطمع أن تجدها من الدكتور / عبد الله الغذامي في ( صحوة الدعوة والتدين والعلم والوعي الشرعي )، وذلك لأمور ليس تخفى عن عيون الراصدين: – فالدكتور/ عبد الله .. له ثأر تاريخي مع صحوة الدعوة وعلمائها ومفكريها وأدبائها ! فبينما كان الدكتور في بلهنية – من بحبوحة منابر الإعلام وحفاوة منتديات الأدب – صدر كتاب ( الحداثة في ميزان الإسلام ) للشيخ عوض القرني، الشاب الذي لم يبلغ الثالثة والثلاثين من عمره بعد، وأشعل فيه النار على هشيم دعوات الحداثة والتحديث الأدبي والفكري، وطالت النار ثوب الدكتور / عبد الله .. وسُمِع دوي صوت السقوط ! ومنذ ذلك الوقت وقبله بقليل اتخذ الدكتور منزله في صف المواجهة، ولم ينس الدكتور ذلك الثأر، وبقي جرحه المهيض ينبعث بالأسى؛ ويتذكره كلما سنحت له فرصة تذكر . – أمر آخر .. فالدكتور/ عبد الله الغذامي كان ناصريا قوميا في أول نشأته الفكرية، وهذا الشأن بقيت أخاديده حتى بعد سقوط فكر الناصريين وإدباره، ولقد أضحى من المعلوم بالضرورة التاريخية أمر العداء المرير بين عبد الناصر وحركات الإصلاح الدعوية، ومن الظريف حقا أن ترى الدكتور / عبد الله .. يصف الطاغية الذي ملأ الأرض جورا وظلما، بالرئيس المتدين، وتلك بقيةٌ مما في أسفل الإناء بعد سكبه لقناعاته مرة بعد أخرى، فإن مما لا تخطئ العين في مسيرة الدكتور تلك التقلبات المنهجية والفكرية، مما ربما حُمِد في بعضها وعُذل في بعضها والله يهدي إليه من ينيب . وإذ ذكرت فهم الدكتور للتدين فلابد أن أذكر أن الدكتور له تقحم جريء لما لا يُحسن، وأحسب أن كثيرا من عثراته إنما ابتلي بها لهذا السبب، وستجد في كثير من كتبه ومقالاته فهما معورا لكثير مما تناوله قلمه من مسائل الشرع . انظره حين أراد أن يعرّف سد الذرائع قال : هو الأخذ بالأشد من الآراء في المسائل ! وبعيدا عن سخريته بهذا الأصل الفقهي الذي ذهب له جمع كبير من فقهاء الأمة، وفيه قال ابن القيم : " أدلته تبلغ مائة دليل "، بعيدا عن ذلك فإن سخريته من هذا الأصل كلما سنحت خصومة مع " صحوة الدعوة والتدين " مغالطة علمية لا تخفى! فالقول بسد الذرائع ليس من بدائه " صحوة الدعوة والتدين "، ولا من بدائعها، بل هو أصل من أصول الاستدلال عند جمهرة من السلف ! ولكن خبَطات الدكتور لا نهاية لها، أليس هو الذي لم يفرّق بين قول العلماء في وصفهم لعلم الخلافيات في الفروع " العلمُ معرفةُ الخلاف " وبين الاحتجاج بالخلاف، كما في كتابه: ( الفقيه الفضائي ) . هل تصدّق أنه جعل من وجود الخلاف الفقهي مدرجة لعدم الإنكار على فاعله ؟ وهو أمر يكرره في كتبه . بل قد جعل من سمات الفرد الصحوي الاحتساب في الأمور الخلافية ! وهذا الفهم لمعنى الخلاف والاحتجاج به معنى فاسد لا يقول به فقيه . فإن الخلاف الفقهي بين الفقهاء نتيجة وليس مقدمة ! الخلاف نتيجة للنظر في الأدلة واستفراغ الوسع لمعرفة مراد الله بحسب الطوق، وليس مقدمة يُبنى عليها نتيجة الاختيار والتشهي من الأقوال . لكن الشين كل الشين أنه نسب ذلك الفهم لإمام من أمثال الشاطبي، وهو من هو في كف يد التجني على الشريعة، ومنع الاحتجاج بالخلاف للتوثب على المسائل بالهوى . ولكن الدكتور يهجم هجوما متعجلا على المسائل لا ريث فيه ولا سكينة، حتى رأيته يقول : إن بقاء المسلمة بعد إسلامها تحت زوجها الكتابي من أقوال السلف ! والدكتور عبد الله لتعجله لما رأى الدكتور يوسف القرضاوي أفتى بهذه الضلالة، ولأنه قد تشرب قلبه التهاون في مسائل الشرع ظن ذلك الظن وأثبته في كتابه . وأجزم أن الدكتور / عبد الله .. لا يتعمد الكذب فيما ذكره، فإنه وإن كان يشيد ب( جماليات الكذب ) ! في الشعر وتكاذيب الأعراب، لكنني أرجو أنه لا يجرؤ على ذلك في دين الله . مع أن الهجوم على مسائل الشرع دون ثبت بنت للفرية في دين الله . ومع هذا فلست أزكيه من مغالطاته الكثيرة، خاصة إن عاد الأمر إلى نقد ( صحوة الدعوة والتدين ) حتى أنه لما أراد أن يكتب إنصافا للدعوة في كتابه : ( ما بعد الصحوة ) ، كتبه بحروف شاحبة، وكلمات عجلى في صفحة ونصف . وإلا فهل يقول رجل ذو حياد وموضوعية : إن ( صحوة الدعوة ) لم يكن لها إلا التحشيد للجماهير ! . أين ألقى الدكتور مرساته عن تلك الألوف المؤلفة من حفاظ القرآن ودارسيه وحلقه وتعليمه ؟ أين يُذهب به عن صنيعة الصحوة في بث الوعي بمسؤولية الفرد في الأمة، حتى غدا الشباب يحمل هم الكهول، ويتسامى على حب الذات والأثرة . مع أن هذا أمر لم يخفه الدكتور في كتابه، وذكر طرفا منه، لكنه شرِق أن يشيد به وينوه . ثم أين ذهل الدكتور / الغذامي عن تلك الحركة العلمية وتوافر الجهد على التأليف والتصنيف والبحث، وهو ثمرة ( صحوة التدين ) التي يتنكر لها الدكتور . ثم لست أدري ماذا يقول الدكتور عن النشاط الدعوي في كل مكان، والجمعيات الخيرية، والدعاة المحتسبين في أنحاء الأرض ؟ وماذا سيقول عن التضحيات العظام التي ضحى بها كهول الدعوة وشبابها في نصرة المستضامين والمعوزين ؟ كل ذلك عشيت عنه عينا الدكتور ليحصر جهدها في تجييش الحشود وتجميعهم ! وربما كانت أمّ مغالطات الدكتور، والتي لها عِلْق بما سبق : أنه وإن لم يكن علمانيا في معتقده – حاشاه من ذلك – لكنه يفسر التدين تفسيرا أقرب إلى تفسير العلمانية للتدين . فهو ينتقد الاحتساب على المنكرات، وإذا حوْقق سلبه معناه الشرعي ليجعله من حرية الرأي والتعبير، كما تراه في حديثه عن ثنائية التكبير والتصفيق في النوادي الأدبية، وكما ذكر في ( الليلة الظلماء ) التي لم يتم فيها تكريم الثبيتي. فالدكتور ينظر للتدين بمعناه الفردي الذي يؤدي فيها العبد عباداته، ثم لا يبالي بعد ذلك ما شان وجه الشريعة من التحريف والتبديل، ومن اللطيف هنا ثناؤه على جماعة التبليغ باعتبارهم ليسوا من المواجهة في شيء، ولست أخلي هذا الموضع من أن أذكر مغالطة تاريخية ظلم فيها ( صحوة الدعوة ) فزعم أنها عادت التبليغ لمنهجهم السلمي ! ولقد كتم الدكتور أو ربما لم يعلم؛ أن الصحوة كانت رؤوما حنونا على أبناء أمتها، فتعطفت للتبليغ ولغيرها من حركات الإصلاح، ولكنها – أيضا – لم تداهن بل احتسبت عليها كاحتسابها على غيرها، وكما احتسبت على الدكتور وأنكرت ما رأته من خطئه وزلله . وهذا أن يُجعل من محامدها أحظ من مثالبها، ولكن ميزان الدكتور ميزان مكسور، فإن من محامد ( صحوة الدعوة والتدين ) أنها ظلت ممسكة بين شعبتين ممن شعب الإيمان قليل اجتماعهما، فحافظت على أخوة الدين مع أهل الإصلاح والدعوة ومع هذا أنكرت عليهم ما تراه مجافيا للوحي مخالفا للشرع، ولهذا باينت غلاة التجريح والتبديع، ( ممن يقف مع الدكتور اليوم في صف واحد في نقد الصحوة ) ! وهذا الفهم المغلوط للتدين هو الذي جعله يكرر في كتبه التهاون بالمحرمات ما دام أن فيها خلافا ! بل بلغ به أن هوّن من منكرات لا يتصور فيها الخلاف كبيع الكتب المحرمة . لكن لعلك أن تشفق على الدكتور حين تقرأ في كتابه ( حكاية الحداثة ) و ( ما بعد الصحوة ) فترى كيف كان يصبغ نفسه بصبغة الحكيم المتعقل الذي كان يلاقي العنت من فوضى المتدينين وتهور شبابهم ! لكن من عاش تلك الحقبة يعلم كيف قبض الدكتور وأمثاله على نواصي منابر التأثير ومنتديات الأدب والإعلام، وأن الدعوة فرضت نفسها رغم تضييق أمثاله عليها، وأن كتابا ككتاب الدكتور / عوض القرني مع أنه كتاب بكر مفترع في بابه، نُسج على غير منوال سابق، وألفه صاحبه في أيام قليلة، وهو شاب فتيّ لم يكتهل، لكنه قوّض بنيان القوم أو كاد . ولكن يحزنني أن أقول : أن الدكتور مسكون بتعظيم ذاته، ليس يبرح مدحا لنفسه حتى يسنح لمدح آخر ! ولهذا حين كتب كتابه :( حكاية الحداثة ) لامه جمع من الرفاق، كيف جعل نفسه مركز الحداثة في البلد، المبدئ المعيد لها ! وهذا أمر تلمس خشونته في كتابه هذا وفي غيره، فالرجل لا يمل من مدح نفسه وإنزالها منزلا ليس لها، وهذا أمر له أثره المدمر في النقد والتحليل، ومن أجل ذلك فحين تحدث عن صراع ( الدعوة ) مع خصومها قال : جعلت الصحوة الحداثة خصمها الأول ! وهذا تضخيم لشأن نفسه ! حقيق أن يقال له فيه : رويدك يا دكتور ! ليس من شك أن الدعوة لها مشروعها الإصلاحي الضخم، ولقد كانت ولا زالت تعيش صراعها مع الانحراف والجاهلية والفساد . وأما الحداثة فكان لها نصيب قليل من المواجهة والرد والهدم والردم، وما ذاك إلا لأنها كانت خصما قليلا عدده ضعيفا تأثيره، ولهذا فما كانت إلا نطحات وطوحت الصحوة به . ولكن الدكتور لعظيم ما يقوم بنفسه من الاعتداد بها ظن أنه شاغل الدنيا والناس، وهذا وهمٌ عظيم يُرحم صاحبه أكثر مما يناصح . وهذا الاعتداد بالنفس وإحسان الظن بلغ من استيلائه على الدكتور أنه ظن بالناس أنهم تبع له حتى في تحولاته وعثراته . فظن أن هذه الجموع المؤمنة المستقيمة على أمر الله إنما تسير على منواله هو في تنقلاته الفكرية ! وتحولاته الثقافية ! فبما أنه كان من الناصريين الذين ( لا يسألون أخاهم حين يندبهم )، والذين لا يردون قول عبد الناصر ومن معه ثم استفاق بعد ذلك ! فكذلك هؤلاء المتدينون سيستفيقون كما استفقت ! وهكذا فليكن التأريخ والتحليل والنقد ! هذا الأمر كان له أثره في نفسية الدكتور، النفسية التي تبحث عن الجماهير ، حتى قال : الكتاب الذي لا يحدث ضجيجا أعد أني خسرت فيه ! ولعله تنبه لهذه العلة السلوكية فرأيته ينفي ذلك بعدُ ويقول : إنه لا يبحث عن الجماهير ! وعندي أن ذلك الأمر لدى الدكتور له ما يفسره، فالرجل محب للمخالفة في رأيه وفكره، فتراه يحاول الوقوف وحده دائما في انفراد وتميز، فحين كانت الحداثة بائرة السوق تبناها ورعاها حتى كان يقول : إما أن يكون المثقف حداثيا أو لا يكون مثقفا ! ( هذا مع زعمه تبني خريطة التضاريس الفكرية – كما يشبهه ويقول – : ( الفكر كالخريطة لا تكون خريطة إلا بتنوع تضاريسها ! ) . ثم حين التف لها من التف تنكر لها وادعى النقلة إلى غيرها ! وهو مع هذا ناقد يشغب على الرجال ويهاجم الخطاب الذكوري والثقافة الذكورية والفحولة الشعرية . وإذ قد ذكرت غارة الدكتور على الذكورة فيحلو لي أن أذكر أمرا طريفا في هذا السياق لعله أن يفيد في معرفة طريقة تفكير الدكتور، فقد جعل أن الدكتاتوريات العربية لها سبب في العقلية الذكورية والفحولة الشعرية الجاهلية ! إن هذه الطريق الانطباعية التي لا تبني النتائج على استقراء وتتبع؛ تجدها حاضرة في نقد الدكتور لصحوة الدعوة والتدين، حتى لقد قال : إن الصحوة عادت الألباني بسبب كتابه في الحجاب ! وهذا التزييف التاريخي لا أظن أن سببه تعمد الكذب من الدكتور، ولكنه فرع عن أصل لدى الدكتور، فمنهجه قائم على الانطباعية دون تمحيص فلما رأى أن الشيخ الألباني رد ردا قويا على بعض مخالفيه في مسألة الحجاب، استنبط منه الدكتور (الناقد) أن الصحوة عادت الألباني وأسقطته ! وكل متابع للساحة العلمية والدعوية يعلم أي منزل أنزلته الصحوة علماءها، ودعاتها وكل ذي تضحية وبذل من أبنائها، فالصحوة لم تزل تعتقد أنها جزء من أمتها بعلمائها ومفكريها وأدبائها ومصلحيها وسائر أمتهم، وهذا أمر ثنى الدكتور فيه المغالطة : فزعم أن الدعوة عادت المجتمع ! وحاربته .. ولاشك أن نظرة عجلى على أدبيات ( صحوة الدعوة ) سيرى فيها المنصف تلك العناية العظمى بالمجتمع وأفراده، سيرى الحديث الشجي عن بر الوالدين والوصية الكبرى بالجار، والتأكيد الحنون على حقوق العاملين والمستأجرين والتنبيه إلى حكمة الدعوة وسكينتها وكسب القلوب وتأليفها .. هذا شيء مما أردت أن أكتب عن شخصية الدكتور ونفسيته ونقده .. وأسأل الله لي وله الهداية آمين . كتبه : محمد آل رميح . 13 / 5 / 1438