قال المفكّر السعودي د. عبد الله الغذامي، إن الصحوة الإسلامية التي مرّت بمنتصف الثمانينيات إلى منتصف التسعينيات الميلادية لم تحقق الوعد للشباب, وأن حركة جهيمان وأحداث أفغانستان ليست لهما أيُّ علاقةٍ بحركة الصحوة في السعودية, حيث إن أفغانستان أنتجت الإرهاب والتنظيمات المعتمدة على العنف، بينما الصحوة لم يكن فيها عنفٌ لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ، وأردف الغذامي، قائلاً: هنالك عنفٌ لفظي وقولي في الصحوة، لكن لم يكن هناك أيُّ وجودٍ للعنف الجسدي أو العسكري. جاء ذلك في برنامج "حراك" الذي يقدمه الإعلامي عبد العزيز قاسم على قناة "فور شباب"، أمس الجمعة, الذي استضاف فيه المفكّر الدكتور عبد الله الغذامي في حلقة بعنوان (الصحوة .. بعيون الغذامي)، وتداخل هاتفياً فيها كلٌّ من: الدكتور سعود الفنيسان عميد كلية الشريعة في الرياض سابقاً, والدكتور محمد الحضيف، والكاتب والأديب محمد الهويمل، وأيضاً الكاتب والباحث عادل الهذلول.
وانتقد"الغذامي" الصحوة وقال إنها لم تقدم أيَّ منظومةٍ فكريةٍ للمجتمع أو لمَن انتسب إليها، والتي بدأت تتجسّد من عام 1407 إلى 1417ه، حيث قال: إذا بحثنا عن أفكار الصحوة فلن نجد أيَّ أفكارٍ، فكل الأفكار التي تنسب إلى الصحوة هي موجودة قبل الصحوة وموجودة بعدها فليست هناك أفكارٌ أنتجتها الصحوة بتاتاً.
وأضاف الغذامي: حتى مظاهر التديُّن في المجتمع موجودة منذ عهد الصحابة, ف"السواك" و"الثوب القصير" و"اللحية" هي ليست خاصّة بالصحوة أو إنتاج لها.
وعمّا إذا ما كانت الصحوة ظاهرةً صوتيةً بما أنها خالية من الأفكار - على حد تعبيره - أجاب الغذامي، قائلاً: هي ليست ظاهرةً صوتيةً، بل حسية ملموسة حتى إنها انعكست على علاقة الفتاة والشاب مع أهله في البيت, حيث كان ظهور الدش على سطح البيت يمثل تهديداً معنوياً للشاب الصحوي مع أهله, ويصبح عاراً عليه أمام زملائه، مما نشأ عنه توترٌ دائمٌ مع أهله.
وذكر الغذامي موقفاً حصل له مع والده في أثناء إلقاء الرئيس جمال عبد الناصر خطابه حيث حكى الموقف قائلاً "كان يخطب جمال عبد الناصر وفتحت الإذاعة أستمع الى خطابه في أثناء ذلك أذّن المؤذّن لصلاة العشاء, فخرج والدى وعاد للبيت بعد الصلاة, وشاهدني وأنا مازلت أستمع للخطاب, فعرف أني لم أذهب للصلاة؛ ما جعله يهجرني ثلاث ليالٍ، لم يقل لي شيء أو يضربني، لكنه امتنع عن الحديث معي لمدة ثلاث ليالٍ وكانت أقسى عليَّ من أيِّ عقوبةٍ سواها".
وفي سؤال عمّا إذا كانت هناك أسبابٌ نشأت من خلالها الصحوة، قال: الصحوة ظرفٌ سياقي ثقافي اجتماعي، مثل ظرف طقس المناخ لا يمكن أن تكون له أسبابٌ مادية، فكذلك الصحوة هي ظرف بدأ من مرحلة الاستعمار واكتشاف أن الأمة متخلفة والعالم الآخر متقدّم, وحينما انزاح الاستعمار جاءت العروبة بنداء الوحدة لأنه هو مَن يملأ الفراغ المعنوي، وكان كل شاب من شباب الأمة آنذاك يدرك أن خلفه تاريخاً عظيماً من قرون عدة, وأنه مطالب أخلاقياً ومعنوياً باستعادة تاريخه، فبدأ الشاب يفكر كيف يستعيده؟ فالتقط شعار القومية وأصبح يردّد العبارة الشهيرة "ارفع رأسك أنت عربي" كانت قنبلةً معنويةً تفجّر الطاقات، ثم توالت الأحداث بعد ذلك من الانفصال حتى هزيمة 67 قبل أن تأتي رصاصة الرحمة على حلم القومية العربية، كان هناك فراغٌ بعد ضياع حلم العروبة والتوحّد ولا بد من شيء يملأ النفس بعد هذا الفراغ والانكسار الذي خلفته اتفاقية كامب ديفيد، لم يكن هناك خيار سوى التقاط شعار الإسلام بعد سقوط الرمز العروبي القومي، التقطوه وانطلقوا خلفه مثلما انطلقنا سابقاً خلف الشعار العروبي ومن تلك الفترة بدأت إرهاصات الصحوة.
ويكمل الغذامي حديثه قائلاً "لكن الصحوة لم تحقّق الوعد للشباب لأنها لم تحول الحشد الجماهيري إلى منظومة عمل".
وبيّن الغذامي أن جهيمان ليس له علاقة بنشأة الصحوة, وأن الحشد الجماهيري لا يمكن لأي مؤسسة أو جهاز حكومي أن يصنعه.. فالصحوة هي مجرد ظرف سياقي ثقافي لم تصنعها سياسة الدولة, بل إن الشيء الوحيد الذي أنجزته الصحوة أنها لم تتصادم مع الدولة, أما سوى ذلك فليس هناك أي علاقة للدولة ولا لحدث جهيمان بنشأة الصحوة.
كما أوضح الغذامي أنه ليست هناك أي علاقة لأفغانستان وما يجري فيها آنذاك بحركة الصحوة, حيث إن أفغانستان أنتجت الإرهاب والتنظيمات المعتمدة على العنف، بينما الصحوة لم يكن فيها عنفٌ لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ، وأردف الغذامي قائلاً: هنالك عنفٌ لفظي وقولي في الصحوة، لكن لم يكن هناك أيُّ وجودٍ للعنف الجسدي أو العسكري.
وعن أبرز إيجابيات وسلبيات تيار الصحوة، قال الغذامي: إنها تندرج تحت ما سمّاها "ثنائية الجاد المتوجس" حيث أصبح الشاب جاداً في شؤون حياته ويقرأ بنهمٍ، إضافة إلى الثقة التي يتمتع بها والوعي والانضباط التام في السلوك، لكن يقابله في الجانب السلبي التوجس من الغير مما ينتج عنه أحياناً التكفير والاعتداء اللفظي والقولي والنظر إلى الآخرين بعين الحذر، وأن البيئتين المحلية والعالمية فاسدة حتى انعكس هذا التوجس على معاملتهم للآخرين بتوترٍ واحتقانٍ سببه إملاءات رموزهم من على المنابر.
ويكمل الغذامي حديثه، بالقول: يكتشف الشاب بعد فترة أن المخاطر المحلية التي خُوِّف منها لم تكن مخيفةً مما يجعل مصداقية رموز الصحوة هشة عند جمهورهم، ومن هنا بدأ التيار يتفكّك.
وقال الغذامي إنه اُعتدي عليه من أحد شباب الصحوة اعتداءً لفظياً كاد أن يتطوّر إلى جسدي، حيث يقول: بعد محاضرة في النادي الأدبي بجدة وتحديداً في فندق العطاس، كانت هناك مجموعة من شباب الصحوة وكنت أشعر بفحيح أحدهم خلفي كفحيح الأفعى, قال لي هذا الشاب بلغة يملؤها التوتر والاحتقان: "فيروس واحد يدمّرك.. تذكّر ما قال لك ابن عثيمين "اضطررت أن أقول له: أبشر ابن عثيمين على رأسي ودرست على يده 14 سنة، لو لم أقل له هذا القولة لتطور الأمر تلك الليلة إلى حادثة. وفي رده عن سؤال من مقدم البرنامج عبد العزيز قاسم، حول ماهية الثقافة التي ستسود في المستقبل، وهل ستكون الليبرالية بما يبشر به بعض أتباعها، أجاب الغذامي: إن الواقع الذي نعيشه الآن يقول إن التعددية الثقافية هي الخيار الوحيد الذي سيكون سائداً, وأن أي محاولةٍ لفرض شيءٍ غير ذلك هي ضربٌ من ضروب الخيال.
وفي مداخلةٍ هاتفيةٍ عارض الدكتور سعود الفنيسان، الدكتور الغذامي، وقال: لا نستطيع أن نحدّد بداية الصحوة بتاريخ معين، بل هي حركة كأي حركة, الصحوة هي نظراتٌ اجتهادية اجتماعية لحركات المجتمع ونوازله, ولها رموزُها قديماً وحديثاً, ولا نستطيع أن نقف أمام هذه الحركة لأنها ليست منظمةً رسميةً، بل هي تيارٌ يسير في المجتمع, وهي ظاهرة صحية في كل مجتمع وعلى مجتمعنا بشكل خاص. فمن الخطأ تحديدها بزمنٍ معينٍ، كما فعل الغذامي من 1407 إلى 1417، بل هذه مؤشرات تزيد وتنقص.
وأضاف الفنيسان أن الصحوة قدّمت حياةً جديدةً وحراكاً للأمة وفق المعطيات سواءً محلية أو عالمية.
وفي جوابه عن آثارها العملية, قال الفنيسان: أصبحنا نرى في المساجد الشباب أكثر من كِبار السن والشيوخ وتوجّه المجتمع لحفظ القرآن الكريم أكثر من ذي قبل, وحتى النوادي الثقافية أصبح التدين يدخلها بخلاف السابق.. أما سلبياتها، فقال: عدم اجتماع أهل التأثير والرموز والقيادات, وليس بينهم اجتماع موحد واتفاق حول الأولويات, ونقص في الفهم لدى بعض الأشخاص المنتسبين لها مما يستغله بعض الأطراف فيشكل عرقلةً في سبيل تقدم الصحوة.
فيما امتدح الدكتور محمد الحضيف حركة الصحوة بأنها شكلت وعياً اجتماعياً وسياسياً لدى كل أطياف المجتمع, وأسهمت في كثير من مناشط الحياة العامة أو بما يسمى مؤسسات المجتمع المدني, كما أسهمت الصحوة في تقديم المملكة في كثيرٍ من المحافل الدولية من خلال العمل التطوعي, كذلك الكثير منهم قادوا حراكاً ثقافياً في المجتمع, فهم كمَن "ألقى حجراً على ماءٍ راكد", كما أن كثيراً من جيل الصحوة هم من حَمَلة الشهادات العليا وأثروا في المجتمع السعودي.
وانتقد الحضيف الصحوة بأنها لم تهتم بقضايا المرأة, ودورها في المجتمع؛ وسبب ذلك الثقافة الدينية التي حدّت من تأثير المرأة لدى البعض, فجعلت المرأة تتشكّل على صورةٍ معينة, وهذا التحكم مع سلوك قبلي واجتماعي همّش قضايا المرأة.
كما انتقد الحضيف الذين انقلبوا على الصحوة بعد أحداث 11 سبتمبر، وأنهم حمّلوها وزر تشدّد هي غير مسؤولة عنه؛ فالتطرف ليس من الصحوة، بل نشأ من ممارسات سياسية مغلوطة.
ثم أكّد الحضيف يكاد يكون كل بيت سعودي فيه "صحوي" بشكلٍ أو بآخر, فليس هناك توجسٌ، كما يقول الغذامي أو يُعمم هذا التوجس على الشباب.
وتابع حديثه أننا كما بالغنا في باب سد الذرائع, فيجب أن نقتحم ونوجد بدائل, وليس غلق الأبواب.. فنحن نعاني أزمة ثقة بين الأطراف, ونُقدم سوء النية - مع الأسف - وهذه تعطل التنمية, وسبب ذلك هو غياب المؤسسات الاجتماعية الشعبية.
وفي مداخلةٍ من الباحث عادل الهذلول الذي أوضح إيجابيات الصحوة في حلقات تحفيظ القرآن وكثرة المساجد والتمثيل المسرحي فتعلمنا الخطابة وغيرها الكثير التي وجدناها في الصحوة ولم نجدها في غيرها, أما أبرز السلبيات فثلاثة: أولاً: تشريع الاصطفاف وأنه جزءٌ من الحق الديني, وإغفال الحقوق وتجاهل الحريات العامة, وما يتعلق بقضايا المرأة.
ثم أضاف أن مشكلة الصحوة لا تقبل النقد وهذا الذي أتعب كل النقاد من أمثال الغذامي.. فالكلباني الذي هو رمزٌ من رموز الصحوة –الغذامي لا يراه من جيل الصحوة - يقول في تغريدةٍ له مرحبأ بالتغريب الذي ينشر العدل والحرية ويرحب بالإبداع والاختراع, فهل نعتبر هذا مُجندا؟!
وتداخل الكاتب والأديب محمد الهويمل، الذي امتدح الدكتور الغذامي، بقوله: أراه حكيماً بتأخره في إطلاق رأيه في الصحوة, فالليبراليون يكتبون عن الصحوة بشكلٍ ثوري فلم تُلق لها بال.. وهذا يدعني أسأل الغذامي عن: هل الخصم يشاهد حقاً؟