الأردن تدين حرق قوات الاحتلال الإسرائيلي مستشفى كمال عدوان    رئيس الشورى اليمني: نثمن الدعم السعودي المستمر لليمن    مكي آل سالم يشعل ليل مكة بأمسية أدبية استثنائية    جازان تتوج بطلات المملكة في اختراق الضاحية ضمن فعاليات الشتاء    مدرب ليفربول لا يهتم بالتوقعات العالية لفريقه في الدوري الإنجليزي    الرويلي يرأس اجتماع اللجنة العسكرية السعودية التركية المشتركة    البرلمان العربي يدين حرق كيان الاحتلال لمستشفى بقطاع غزة    رئيس هيئة الأركان العامة يلتقي وزير دفاع تركيا    لخدمة أكثر من (28) مليون هوية رقمية.. منصة «أبشر» حلول رقمية تسابق الزمن    رينارد: مباراة العراق حاسمة ومهمة للتقدم في البطولة    وزير المالية اليمني ل«عكاظ» الدعم السعودي يعزز الاستقرار المالي لبلادنا    التركي فاتح تريم يصل إلى الدوحة لبدء مهامه مع الشباب    "جلوب سوكر" .. رونالدو يحصد جائزة "الهداف التاريخي"    البيت الأبيض: المؤشرات تؤكد أن الطائرة الأذربيجانية سقطت بصاروخ روسي    القبض على أطراف مشاجرة جماعية في تبوك    مدرب قطر يفسر توديع كأس الخليج    «سلمان للإغاثة» يوزع 526 حقيبة إيوائية في أفغانستان    ضبط 3 مواطنين في نجران لترويجهم (53) كجم "حشيش"    وزير «الشؤون الإسلامية»: المملكة تواصل نشر قيم الإسلام السمحة    خطيب الحرم: التعصب مرض كريه يزدري المخالف    مدرب اليمن يستهدف فوز أول على البحرين    الذهب يستقر وسط التوترات الجيوسياسية ويتجه لتحقيق مكاسب أسبوعية    دار الملاحظة الأجتماعية بجازان تشارك في مبادرة "التنشئة التربويه بين الواقع والمأمول "    الفرصة لا تزال مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    مآل قيمة معارف الإخباريين والقُصّاص    الصندوق السعودي للتنمية يموّل مستشفى الملك سلمان التخصصي في زامبيا    مهرجان الرياض للمسرح يبدع ويختتم دورته الثانية ويعلن أسماء الفائزين    إحالة 5 ممارسين صحيين إلى الجهات المختصة    سورية الجديدة.. من الفوضى إلى الدولة    أميّة الذكاء الاصطناعي.. تحدٍّ صامت يهدد مجتمعاتنا    99.77 % مستوى الثقة في الخدمات الأمنية بوزارة الداخلية    عبقرية النص.. «المولد» أنموذجاً    مطاعن جدع يقرأ صورة البدر الشعرية بأحدث الألوان    اجتثاث الفساد بسيف «النزاهة»    خادم الحرمين يهنئ رئيس المجلس الرئاسي الليبي بذكرى استقلال بلاده    نائب أمير مكة يفتتح ملتقى مآثر الشيخ بن حميد    «كليتك».. كيف تحميها؟    3 أطعمة تسبب التسمم عند حفظها في الثلاجة    فِي مَعْنى السُّؤَالِ    ليندا الفيصل.. إبداع فني متعدد المجالات    122 ألف مستفيد مولهم «التنمية الاجتماعي» في 2024    دراسة تتوصل إلى سبب المشي أثناء النوم    ثروة حيوانية    تحذير من أدوية إنقاص الوزن    رفاهية الاختيار    5 مشاريع مياه تدخل حيز التشغيل لخدمة صبيا و44 قرية تابعة لها    ضرورة إصدار تصاريح لوسيطات الزواج    حرس الحدود بجازان يدشن حملة ومعرض السلامة البحرية    اختتام دورات جمعية الإعاقة السمعية في جازان لهذا العام بالمكياج    وزير الدفاع وقائد الجيش اللبناني يستعرضان «الثنائية» في المجال العسكري    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الاجتماع الاستثنائي ال (46) للمجلس الوزاري لمجلس التعاون    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    حلاوةُ ولاةِ الأمر    46.5% نموا بصادرات المعادن السعودية    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    التخييم في العلا يستقطب الزوار والأهالي    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سلمان.. رُمَّانَةُ الميزان
نشر في الوئام يوم 02 - 01 - 2017

خلال زيارته التاريخية الاستثنائية الأولى للمنطقة الشرقية الحبيبة، منذ تسنُّمه الحكم، دشَّن والدنا قائد مسيرتنا الظافرة وقافلة خيرنا القاصدة، خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ملك الحزم والعزم والحسم والحكمة والرأي السَّديد، حفظه الله ورعاه، وسدَّد على طريق الخير خطاه، ونصره على من عاداه، ووفقه في كل مسعاه؛ دشَّن مئات المشروعات النوعية العملاقة، بمئات الريالات؛ التي ترفد تنمية وطننا الحبيب في كل المجالات: الاقتصادية، الصحية، التعليمية، الطاقة، الأمن الغذائي، الإسكانية، الثقافية، الصناعية (بتروكيميائية، تعدينية وتحويلية). دعمًا لجهودنا الحثيثة لإعادة هيكلة اقتصادنا، تعزيز أداء مؤسسات الدولة، تنويع مصادر الدخل، استحداث موارد اقتصادية جديدة مهمة، تمثل ثورة صناعية متميزة وفق رؤيتنا الطموحة (2030) وزيادة إنتاجية المجتمع.
مطمئنًا على أحوال أبنائه، الذين احتشدوا من كل أرجاء المنطقة الشرقية الحبيبة لاستقباله، والتشرُّف بالسلام على مقامه السَّامي الكريم، متنقلًا بين قصر الخليج في الدمام، ومشرِّفًا حفلهم في قصر هجر بمحافظة الإحساء، البوابة/الواحة لمملكة الحضارات، كما وصفتها الكاتبة الأستاذة أميمة الخميس، بنت شيخنا الرَّاحل عبدالله بن خميس، إلى الجبيل، فراس الخير، ثم قصر العزيزية بمحافظة الخبر، حيث ترأس جلسة مجلس الوزراء، يوم الاثنين 28/2/1438ه، الموافق 28/11/2016م. فلاحظ معي أيُّها القارئ الكريم، مع أن سلمان، فخر الملوك، في زيارة عمل رسمية، إلا أنه لم يكن ليعفي نفسه من عمله حتى وهو بعيد عن مقر مجلس الوزراء الرَّسمي في الرياض، عاصمة المجد والسؤدد. فمن منَّا كسلمان اليوم، يُقدِّر المسؤولية وقيمة الوقت وأهمية العمل؟.. لله درُّه من قائد همام وبطل فذ، يؤكد لمواطنيه في كل لقاءاته وخطاباته الكريمة: حق المواطن عندي أهم من حق نفسي، مخاطبًا إيَّاهم بما عرفه عنه الجميع من صدق وإخلاص وتواضع: نحن دولة تخدم الإسلام، وتخدم الحرمين الشريفين، ونخدم بلادنا ومواطنينا بمسؤولية نتحملها ونعتز بها، وأرجو من أي مواطن له ملاحظة أن يبلغني إيَّاها.
فلا فُضَّ فوه شاعرنا طامي دغيليب، إذ يقول في قصيدته التي أهداها لمليكنا المفدى حبًا وإعجابًا، التي نشرت بجريدة الجزيرة، الجمعة 15/7/1437ه، الموافق 22/4/2016م، العدد 15912، ص 27:
مَلِكٌ جلَّ أن يساويه مَلِك
جلَّ أو قلّ هيبةً وجلالا
كلَّما زاد في المعالي ارتقاءً
تتداعى النُّجوم منه استفالا
صاحب الكفِّ والكفاف جوادٌ
وبساح الوغى كما الليث صالا
***
مَلِكٌ زانه الإله بمجدٍ
فهو السَّلمانُ العزيز استطالا
وجهه البدر في الليالي مضيءٌ
يداه الغيث في انسكاب زلالا
***
إن أرضًا قد بارك الله فيها
وبسلمان الشعب قد قرَّ بالا
دار إسلام كرَّم الله أرضًا
أصبحت للإسلام قُربى وآلا
أقول، حفلت زيارة سيِّدي الوالد سلمان الخير لشرقنا الحبيب بأعمال جليلة، شهدت تدشين مشروعات عملاقة في مختلف مجالات التنمية، فرقص الأهالي طربًا بمقدمه السعيد، وفرحًا بما أفاضه الله عليهم وعلى الوطن كله، من خير على يد سلمان. واجتاح النُّفوس فرحٌ عارم ومشاعر جيَّاشة، عجزت كل اللُّغات عن ترجمتها، كما أكد شاعرنا المبدع خضير البرَّاق في قصيدته الترحيبية الرائعة، التي تشرَّف بإلقائها بين يدي ملك الحزم والعزم والحسم والرأي السديد؛ مرحِّبًا ومعتزًا، ومعاهدًا على الولاء والوفاء والثَّبات لفخر الملوك، ملك المروءات، بلسان الوطن كله:
مرحبًا باللي رعد وأبرق شمال
قبل لا تسكت رعوده في الجنوب
***
المليك اللِّي ملك روس الرجال
بالوفاء.. واستوطن أعماق القلوب
***
في قدومك صار للبدر اكتمال
واحتضن شاطئ القمر شاطئ الغروب
***
كلنا للأمر طاعة وامتثال
نلطم العايل وندحم بالجنوب
وهكذا الحال عند الشاعر الشيخ عبد المحسن بن عبد العزيز الدحيلان، في قصيدته (حامل الأمانة.. سلمان)، التي نشرت بجريدة الجزيرة، الثلاثاء 29/2/1438ه، الموافق 29/11/2016م، العدد 16133، ص 25؛ إذ يقول مُرحِّبًا بمقدم سلمان المروءات والانجازات، بلسان أهل الشرقية:
مرحبًا بالملك اللِّي إلى أقبلت شعَّ نورك
لك شوق عجيب يملا قلوب أهل الشرقية
أقبلت يا سلمان على شعب يودك
لك فرحة تملا القلوب والنفوس النَّدية
أقبلت مثل البدر يملا الكون نورك
والأرض اهتزَّت طرب وتزَّينت بزهور وردية
إلى غير ذلك من قصائد رائعة، وكلمات بليغة، حاول أهالي الشرقية جاهدين، التعبير بها عمَّا يكنونه من حب ووفاء وولاء لحادي ركبنا، قائد قافلة خيرنا، سلمان.
أقول، كانت تلك الزيارة الملكية التاريخية الاستثنائية الكريمة للمنطقة الشرقية، لوحة فسيفسائية بديعة في كل تفاصيلها؛ غير أن أكثر ما لفت انتباهي وأثار إعجابي، تعليق قائدنا سلمان على حديث قائد فريق المهندسين السعوديين، الذين يفخر الوطن بعقولهم الجبارة، وسواعدهم السمراء القوية، بعون الله تعالى، ثم بنيتهم الصادقة المخلصة لخدمة دينهم ومليكهم وبلادهم، العاملين في حقل الشيبة النفطي في صحراء الربع الخالي، على بعد مئات الكيلومترات من أقرب منطقة مأهولة بالسكان، الذين عملوا بجد وصدق وإخلاص وعلم، مع زملائهم الآخرين، لزيادة طاقة الحقل الإنتاجية بمعدل (250) ألف برميل يوميًا، لتبلغ مليون برميل في شهر أبريل من عام 2016م، أي ضعف الطاقة الإنتاجية الأولية للحقل في بداية تشغيله عام 1998م.
فعندما فرغ المهندس خالد من ترحيبه وزملائه بقائدهم المفدى سلمان العزَّة، وقدَّم ملخصًا موجزًا لطبيعة عملهم وإنجازهم، علَّق المليك الأديب الأريب، صاحب البديهة الحاضرة دومًا: ما عاد الرُّبع الخالي، صار الرُّبع المليان الحين. ويقول الشاعر الدكتور عبدالله بن رفود السفياني، عضو مجلس الشورى، في هذا المعنى واصفًا بلاغة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، في قصيدته (ملك تغازله المعاني) التي نشرت بجريدة الجزيرة، يوم السبت 25/3/1438ه، الموافق 24/12/2016م، العدد 16158، ص 28:
نَعم.. ملكٌ تغازله المعالي
ولكن فوقها: ملك أديب
أتينا، كم خطيبٍ كان يشدو
ورحنا منه ما فينا خطيب
خطابٌ يستثير البحر عُمْقًَا
بعيدٌ في تناوله قريب
والحقيقة، يختصر هذا التعليق الذَّكي الوجيز، معاني عديدة، تجل عن الحصر والوصف، أوجز أهمها في ملاحظتين اثنتين:
سرعة بديهة مليكنا، حفظه الله، الأديب الأريب، المثقَّف الذَّكي اللَّماح، الفارس الجحجاح، موسوعة تاريخنا ومدونة إرثنا الحضاري؛ تأكيدًا لتلك الملَكة العجيبة، التي وهبه إيَّاها الخالق سبحانه وتعالى، ضمن العديد من صفات الزعامة والقيادة، التي لا نعرفها اليوم قد اجتمعت لغيره. وكنت قد حدثتكم في مقالات سابقة عن شيء من هذا، عند تسميته لبعض أحياء الرياض، يوم كان أميرًا لها (حي الصحافة، حي الياسمين وغيرهما)، واختياره ببصيرته النَّافذة، لمواقع صروح العلم والحضارة، التي تزيِّن جيد عاصمة عبدالعزيز اليوم (موقع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، موقع حي السفارات وغيرهما).
تقدير مقامه السَّامي الكريم لأبنائه العاملين، وتثمينه لجهدهم، واحترامه لهم، فلم يقاطع ابنه المتحدث المهندس خالد، بل انتظر حتى قال ما يريد، ثم جاء تعليق مقامه الكريم الموجز المفيد، كعادته دائمًا، ليختصر ما يريد إيصاله من رسالة مهمة للجميع، في إيجاز وتقدير واحترام للمتحدث، واعتزاز بحسن صنيعه.. وليس كما يفعل بعض القادة، الذين يقاطعون المتحدث في صخب وجلبة وسخرية، توقع المتحدث في حرج شديد، والأمثلة على هذا النوع من القادة عديدة، وكلكم تعرفونها.
والحقيقة، لم يأتِ هذا من فراغ أو إدعاء، وكلُّنا يدرك يقينًا أن سلمان أبعد الناس عن الإدعاء، بل هو نتاج معرفة حقيقية متجذِّرة في وعيه بما يخبئه كل شبر، بل كل ذرة رمل، من خير في أرضنا الطيبة المباركة. إذ كشفت أكبر رحلة علمية للربع الخالي (أقصد الربع المليان بشهادة سلمان) بقيادة محمود الشنطي، استمرت ثلاثة عشر يومًا، عام 1427ه/2006م، استغرق الإعداد لها سنتان كاملتان، ضمَّت سعوديين وخبراء أجانب، حطَّت رحالها في حقل الشيبة، الذي يعد اليوم أحد أهم المشروعات النفطية في العالم، مساء الاثنين 27/3/2006م. أقول، كشفت تلك الرحلة الفريدة، أن الحقل يعد جوهرة مضيئة، ومدينة عامرة حافلة بكل مظاهر الحياة العصرية والرفاهية، حتى (الإنترنت)، مع أنه يرقد بعيدًا في أعماق أكبر صحراء متصلة في العالم. يبلغ احتياطيه (15) بليون برميل من الزيت الخام و(25) تريليون متر مكعب من الغاز، ويربطه بأبقيق خط أنابيب طوله (640) قدمًا. و(90%) من العاملين به في مختلف الوظائف والمهن، هم من السعوديين، أمثال المهندس خالد ورفاقه الأوفياء المخلصين لرسالة بلادهم. وقد سعدت كثيرًا بهذه المناسبة، وأنا أكتب هذا المقال، عندما تناقل الإعلام خبر تدريب (2000) شاب سعودي، ليلتحقوا بالعمل في مشروع معمل الغاز في الفاضلي، الذي يتم تنفيذه شمال غرب الجبيل.
وبجانب هذا كله، كشفت تلك الرحلة إلى (الربع المليان) عن وجود كنوز ثمينة هناك، كتلك الواحة الخضراء التي تتوسطها بحيرة ممتدة في عمقه، وآبار مياه صالحة للشرب على عمق (3,5) متر فقط، ومجموعة من البحيرات، أهمها بحيرة (أم خشوم) التي تبلغ مساحتها ثلاثة كيلومترات مربعة، وشلالات طبيعية، وينابيع مياه فوارة دافئة، وأحافير وصخور أثرية، ومعالم تاريخية عديدة، إلى غير هذا من كنوز ثمينة، لا يسع المجال هنا لسردها.
و لما كان الشيء بالشيء يذكر، أقول: أطلق فريق خبراء تلك الرحلة مشكورًا، اسم أحد أعضائه (اللواء الركن الدكتور عبد العزيز بن إبراهيم العبيداء) على أحد المواقع التاريخية المهمة في (الربع المليان)، تكريمًا له على اكتشافه لذاك الموقع المعني، الذي أصبح يعرف ب (موقع العبيداء)، وهو قطعًا إنجاز يستحق عليه الأخ عبد العزيز العبيداء كل مكافأة مهما غلا ثمنها.
وعليه، أناشد الأخ الدكتور أحمد العيسى وزير التعليم، توجيه إدارة المناهج والمقررات في وزارته، استبدال مسمى (الربع الخالي) بمسمى (الربع المليان)، الذي أطلقه سلمان، في كل مطبوعات الوزارة الجديدة.. فهذا في تقديري أقل ما يمكننا أن نوثق به تاريخ هذا الرجل الكبير فينا اليوم، ونحفظ له فضله ونعترف له بجميله علينا. إضافة إلى إنه إعلان جرئ لخروجنا من ثوب (الخواجة)، ولو لمرة واحدة، الذي ما زال يتوهم أنه هو وحده القادر على رسم كل تفاصيل حياتنا، يوم أطلق على هذا الجزء الغالي من بلادنا (The Empty Quarter)، كما أنه دعاية اقتصادية ممتازة لنا، وفوق هذا وذاك، تقدير لجهد أبنائنا العاملين هناك، الذين حوَّلوا بسواعدهم الفتية (الربع الخالي) إلى (ربع مليان) بالعمل والحركة والنشاط والحياة المزدهرة.
رحلة القرن:
بعد أن ودَّعه شعبه في المنطقة الشرقية، بمثل ما استقبله به من حفاوة وتكريم، غادرها قائدنا سلمان -حفظه الله ورعاه وسدَّد على طريق الخير خطاه- أمل الأمة، وضمان استقرارها وعزِّها ورفاهها، وخير من نثق بقيادته للمنطقة والعرب والمسلمين أجمعين، ورُمَّانة ميزان سياسة المنطقة، وعليه يعول العالم كله بعد الله في سياسة الإقليم واقتصاده، غادر الشرقية في جولة خليجية تاريخية استثنائية؛ تمثل رسالة حازمة عازمة حاسمة للعالم أجمع، بوحدة القرار الخليجي، استهلها بديرة زايد، ثم ديرة آل ثاني، فديرة آل خليفة، حيث شرَّف اجتماع الدورة السابعة والثلاثين لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، وكان ختامها مسك بديرة آل صباح. فعمَّت الفرحة الخليج كله، من أقصاه إلى أدناه، لدرجة أن كل مواطن خليجي، شعر أن سلمان ضيفه هو وحده؛ ففرشوا له كل درب وكل قلب وكل بيت؛ وخرج الجميع، حتى النساء والأطفال وطلاَّب المدارس، الذين اصطفوا على جانبي الطرقات، لاستقبال الضيف الكبير، لم يمنعهم برد المربعانية القارس من تأكيد فرحتهم برؤية كبير العائلة الخليجية، وسيفها الأجرب البتَّار اليوم؛ بل توشَّحت حتى شاشات الصرَّافات في البنوك في البيت الخليجي صورة سلمان، رُمَّانة الميزان، فرحة مستبشرة بالزيارة الكريمة الميمونة، وارتمى الصغار في حضنه الكريم، شوقًا وحبًا وفرحًا واعتزازًا، واعترافًا له بالأبوة التي لا يفخرون اليوم بشيء مثل فخرهم بها. وارتوت أرض الخليج بدماء الذبائح، التي شارك فيها حتى الأطفال بأجود الإبل وأنفسها، الذين اجتاحتهم فرحة عارمة شكرًا لله، ثم إكرامًا لوالدهم سلمان، (المليك اللِّي للأمة سندها) الذي شرَّفهم بهذه الزيارة الأبوية الاستثنائية، فكانت رؤيتهم لمقامه السَّامي الكريم (عيد الأعياد)، مقسمين بالله العزيز الحكيم صادقين، أنهم لن يوفوا ضيفهم الكبير سلمان الحزم والعزم حقَّه، حتى إن ذبحوا كل ما منَّ الله به عليهم من أنعام. وتبارى الشعراء في مدحه والترحيب بمقامه السَّامي الكريم، بقصائد ملحمية، أشعلت الحماس، وأثارت غبار المعارك، لدرجة كنا نلمح بين قوافيها بريق السيوف ونسمع صليلها وصهيل الخيل وهتاف الفرسان على ظهرها، وهي تشق صفوف الأعداء، فتفرق جمعهم وتثير الرعب في نفسهم، فينكفئوا مهزومين؛ مثلما أثارت الرُّعب في نفس صالح، غير الصالح، الذي خرج على إحدى الفضائيات مرعوبًا، يوم ختام جولة راعي الحزم سلمان في الخليج، يطلب الصلح في لغة مهادنة بنفس منكسرة.. لكنه لم يدرك المسكين أن قطار الحزم والعزم والحسم قد فاته، ولن يتوقف قبل بلوغ غايته المنشودة، ومحطته الأخيرة بإنقاذ اليمن من براثن الانقلابيين المتواطئين مع أعداء العروبة والإسلام. أقول، قام الخليج لمقام سلمان كما عبر أخي الفريق الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء الإماراتي، وزير الداخلية، في تغريدته الشهيرة على حسابه في "تويتر":
زايد كما نجم الثريا وسامه
متوشح العزة على صدر سلمان
حي الذي قام الخليج لمقامه
في ساعة فيها رسالة وعنوان
فسلمان اليوم قائد الأمة النَّادر بإجماع الكل، كما عبر أخي الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، إذ يقول بمناسبة تلك الزيارة الميمونة الكريمة:
للزعيم الملهم لشعبه وللأمة بوادر
وأنت يا سلمان فيك الأوله واللِّي يليها
مشيدًا بتلك الزيارة الميمونة التي مثَّلت حدثًا تاريخيًا استثنائيًا مهمًا، مؤكدًا حكمة سلمان المعهودة في حل المعضلات، ومعالجة المشكلات، ودفع المصائب عن أمته:
المليك اللِّي على صنع الحدث في الأرض بادر
والحكيم اللِّي جات المصايب يحتويها
مشيرًا إلى تفرده واحترام قومه، لاسيما في خليج الخير له، واعتزازهم به، واحترامهم لمقامه السَّامي الكريم:
نادر وما تستحق من البيوت إلا النوادر
البيوت اللِّي في مدحك تحترمها سامعيها
كما أكد أخي الشاعر الفحل جمعة بن مانع السّويدي، تلك المعاني السَّامية في قصيدته الملحمية الرائعة (قصيدة سلمان) التي تشرَّف بإلقائها في حضرة خادم الحرمين الشريفين، يوم استقبله أهله في إمارات الخير، إذ يقول:
ضيف البلد تنهض له أعلام البلد بالابتهال
ضيف البلد ما هوب من بعض الضيوف العابرين
***
يا خادم البيتين يا عز العرب في كل حال
يا خادم البيتين يا قبلة أنظار المسلمين
يا خادم البيتين يا خازم عدوه يوم عال
يا خادم البيتين يا مينا سلام الخايفين
نفرح بشوفك في وطنا وشوفك راس مال
ومكانتك تسعى ما بين قلوبنا يا مواطنين
قلوب خصبة طيب لك مركا ولك فيها ظلال
ما نفترق أبدًا وياكم مثل ما خشم وعين
ويقول الأخ الشاعر عبدالرحمن المطيوعي، مرحِّبًا بسلمان المروءة والإحسان:
يا مرحبا بأهل المروءة والإحسان
سلمان يا فخر العرب في الملمات
شرفتنا في دار زايد بن سلطان
دار لها في الحق صولة وجولات
عيد الوطن يزدان بوجود سلمان
وتزيد فرحة شعب له ثار ما بات
ثم ياتي أخي الشاعر حزام الشاهين الشَّمَّري، ليؤكد في ختام جولة قائدنا سلمان الاستثنائية النَّادرة بزيارته للكويت، تلك المعاني في حزم سلمان، سند الأمة وعزمها وحزمها الذي لا يلين، حتى إن لانت الجبال، من خلال قراره الحاسم وجهده الدءوب في نجدة اليمن، إذ يقول أخي حزام في قصيدة ملحمية أيضًا في حضرة مليكنا المفدى:
يوم انتخت فيه اليمن تشتكي أنكاد
فزع لها سلمان وأمَّن ولدها
قال أبشري مهما الثمن كلف وزاد
حتى تموت شرورهم في مهدها
تأكيدًا لقول خالد الفيصل (دايم السيف)، في ختام رائعته (إلى أهلي في الخليج): إذ يقول:
وأنا أدري إن الكل بالمجد هايم
وكلٍّ لعز الدَّار بالروح وهَّاب
والحقيقة، لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل منح الخليجيون الصادقون الأوفياء، ضيفهم الكبير سلمان، أعلى الأوسمة، وقلدوه أرفع القلادات، وأهدوه سيوف المؤسسين التي هي قطعًا أنفس السيوف وأغلاها، إضافة إلى مجموعة من الخيل العربية الأصيلة؛ ولقبوه ب (ملك المبادئ والمروءات). ويكافئهم سلمان الأديب الأريب المثقف الذكي اللَّماح البليغ الحكيم، بقبلة أبلغ من كل كلام، يطبعها على أعلامهم، تمامًا كما يفعل مع راية التوحيد؛ ثم يودعهم بتغريدة بليغة، كعادته دائمًا، لخَّصت كل ما يجيش في وجدانه من مشاعر أخوية أبوية صادقة: (لدول الخليج العربية وشعوبها في وجداني، كثيرًا من التقدير، وما لمسته خلال زيارتي، يُبْرِزُ واقع الترابط القوي بين شعوبنا ووحدة صفِّنا).. ومن أوفى من سلمان، الذي عرفناه أوفى من الوفاء.
فكل ديار العرب اليوم هي ديرة سلمان، وكل أبناء العرب والمسلمين اليوم هم عيال سلمان؛ يقوم على أمرهم، ويسعى من أجل عزهم وكرامتهم وخيرهم ورفاهيتهم؛ بل يرعاهم بكل ما يملك من قوة وسعة حيلة، تمامًا كما يرعى ابنه راكان.. دمعة الفخر التي سالت على خد سلمان.
بين الشورى والميزانية:
ما إن حطَّ خادم الحرمين الشريفين رحاله، عائدًا من زيارته للشرقية المباركة، وجولته الخليجية الميمونة، حتى استأنف عمله، فشرع في إعادة تشكيل مجلس الشورى وهيئة كبار العلماء وأعلن ميزانية العام الجديد (38 – 1439ه). وشرَّف مجلس الشورى بافتتاح أعمال السَّنة الأولى من الدورة السابعة، متمنيًا لأعضائه التوفيق والسداد، فما كان لرجل كبير مثل سلمان، يتحمل مسؤولية أمة، أن يركن للراحة.
والحقيقة، لست هنا بصدد إعادة الحديث عمَّا سبقني إليه زملاء كثر من تحليل مضامين الخطابات الملكية السَّامية الكريمة، أثناء قمة المنامة الخليجية الأخيرة بقصر الصخير، ومجلس الشورى وفي مجلس الوزراء بشأن الميزانية؛ إلا أنني أود التأكيد على ملاحظة غاية في الأهمية؛ إذ استندت كل ما جاء في تلك الخطابات الكريمة من توجيهات وسياسات داخلية وخارجية وسياسة اقتصادية مالية، على الأساس الراسخ الذي أرساه المؤسس الباني، والد الجميع، الملك عبد العزيز آل سعود، طيَّب الله ثراه، وسار عليه أبناؤه الكرام البررة من بعده، مقتفين أثر منهج الأمن والاستقرار، وزيادة الموارد لتحقيق رفاه المواطنين، وخدمة الحرمين الشريفين، ورعاية ضيوف الرحمن، والاهتمام بشأن العرب والمسلمين، لاسيما قضية فلسطين التي لم تكن تغب يومًا عن اهتمام القيادة السعودية، حتى في أصعب الظروف وأحلك اللَّحظات، والتعاون مع المجتمع الدولي لتحقيق الخير للناس أجمعين من كل جنس ولون ودين.
أما فيما يتعلق بالميزانية على وجه الخصوص، فلا بد لي من التأكيد أن مقامه السَّامي الكريم، فاجأ المتربصين الشامتين المخذِّلين، كعادته دائمًا، بسياسة مالية اقتصادية حصيفة، تعزِّز موارد الدولة، وتدعم مسيرة التنمية، حتى في ظل انخفاض استعار البترول إلى هذا المستوى المتدني. فليمت المثبِّطون بغيظهم.. وصحيح إن البترول مورد مهم لاقتصادنا، بل لاقتصاد كل أمة متحضرة في العالم؛ إلا أن وقود قافلة خيرنا القاصدة لالتزامنا تجاه رسالة بلادنا السامية العظيمة، هو عقيدة لا تعرف الشك والقنوط واليأس من رحمة الله، أو الاستسلام للظروف، مهما كانت قاسية مزعجة. وقد أكد خادم الحرمين الشريفين، مليكنا المفدى سلمان، هذا المبدأ في كل خطاباته الثلاثة، في المنامة أمام القمة الخليجية، وفي الشورى، وفي مجلس الوزراء أثناء إعلان الميزانية، إذ ذكر أن منطقتنا ودولتنا الفتية هذه، تعرضت في مختلف مراحل تكونها الثلاثة (لظروف صعبة، وتهديدات كثيرة، إلا أنها خرجت منها دائمًا، بحمد الله، أكثر صلابة وأقوى إرادة، بتوفيق الله وعونه، ثم بعزم رجالها وإرادتهم الصلبة). مؤكدًا بثقة في الله، لا تعرف التردد واليأس والقنوط: (الظروف التي نمر بها حاليًا ليست أصعب مما سبق، وسنتجاوزها إلى مستقبل أفضل وغدٍ مشرق بإذن الله).. فيا لها من نفس كبيرة مؤمنة، وهمِّة عالية، لا تعرف المستحيل، ولا تستسلم للصعاب مهما عظمت التحديات.
فلسطين.. متى يستقيم الظل؟
تابعت جلسة مجلس الأمن الأخيرة له في العام المنصرم (2016م)، التي عقدت يوم الجمعة 24/3/1438ه، الموافق 23/12/2016م، بشأن كبح جماح دولة العدو الصهيوني عن تماديها في التهام أراضي الفلسطينيين من خلال حمى الاستيطان (غير القانوني) المسعورة، وكأن قيام الدولة الصهيونية بداية، أمر قانوني مسلم به جدلًا!
ومع أنني سعدت كثيرًا بتصويت الأعضاء كلهم (14 عضوًا)، ما عدا أمريكا التي امتنعت عن التصويت وعن إشهار حق النقض (الفيتو) هذه المرة، على غير العادة، لصالح القرار (2334)، الذي يدين الاستيطان، فهلَّل له العالم، ورأت فيه (حكومة الوفاق الوطني الفلسطيني) إنجازًا تاريخيًا وانتصارًا للحق الفلسطيني؛ إلا أنني بصراحة شديدة، لم أكن متحمسًا له، لأنني أعرف سلفًا، كما تعرفون أنتم أيضًا، أن الدولة الصهيونية لن تعترف به، وبالتالي لن تعيره أي نوع من الاهتمام.
وبالفعل، لم يتأخر الرد الإسرائيلي كثيرًا، كعادتها دائمًا، خاصة عندما تستفز؛ إذ جاء إثر رفع الجلسة مباشرة، معلنًا مشروعًا استيطانيًا جديدًا، وقطع أي نوع من الاتصال مع (السلطة الفلسطينية)، إضافة لامتناع الكيان المحتل عن الالتزام بمساهماته للمنظمات الأممية، و… و… قائمة طويلة عريضة من التهديد والوعيد بالويل والثبور للأمم المتحدة وللسلام، وبالتالي للأمن في العالم.
والحقيقة، لفت نظري في ذلك الاجتماع بشأن القرار (2334)، عدة أمور، أهمها:
معظم الذين صوتوا لصالح القرار، أكدوا أنهم اتخذوا هذه الخطوة لإنقاذ (صديقتهم) إسرائيل مما قد يترتب على قرارها هذا من مشاكل، عملًا بمبدئنا الإسلامي العظيم: (أنصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا). وهي الحجة نفسها التي دفعت السيدة سامانثا باور، مندوب أمريكا في مجلس الأمن، للامتناع عن التصويت وإشهار (الفيتو) في وجه القرار؛ مع أن وزير خارجيتها جون كيري، يفخر بأن إدارة أوبا، قدّمت لإسرائيل دعمًا غير مسبوق على مر التاريخ.
كان تعليق مندوب الكيان الصهيوني في مجلس الأمن فجًَّا غليظًا، بعيدًا عن أي نوع من الأدب والالتزام بالأعراف الدبلوماسية؛ إذ وصف مجلس الأمن ب (المنافق) ووصف القرار ب (المشين، الخبيث، السخيف)، لدرجة أنه لم يشكر رئيس المجلس الذي أتاح له فرصة الحديث كما جرت العادة، لا في بداية مداخلته ولا في نهايتها. وتحدث بلغة كأنه يوبخ أطفالًا في الصف الأول الابتدائي على ارتكابهم فعل (مشين)؛ مؤكدًا يهودية الدولة وحقها الأبدي في القدس التي يرى فيها قلب إسرائيل وروحها.
ويبقى أكثر ما لفت نظري وأثار انتباهي في تلك الجلسة، حديث السيد رياض منصور باللغة الإنجليزية، مع أن العالم العربي كله كان يحتفل ب (اليوم العالمي للغة العربية).. كنت أتمنى لو تحدث السيد رياض باللغة العربية، التي تؤكد هوية الدولة الفلسطينية، التي نناضل كلنا من أجلها.
والعجيب الغريب أن شركة طيران أمريكية (دلتا) أجبرت شخصين في اليوم السابق لعقد جلسة الأمن تلك مباشرة، على النزول من الطائرة في رحلتهما من لندن إلى نيويورك، ليس لأنهما إرهابيان أو داعشيان، بل لأنهما تحدثا باللغة العربية.. عجيب أمرك يا منصور!
وعلى كل حال، لا أدري متى تعود فلسطين، ونحن نتصرف بهذه الطريقة، بل إن الإخوة الفلسطينيين هم أول من سنَّ هذه السُّنَّة المشؤومة لوجود حكومتين في البلد العربي الواحد.
ولا أدري متى تعود فلسطين، و(الأب) ندَّاف الفلسطيني، يدفع أبناءه للانخراط في الجيش الإسرائيلي، ويحث شباب فلسطين على الشيء نفسه لخدمة علم إسرائيل؛ فتكافئه إسرائيل وتتفضل عليه بمنحه شرف إشعال الشموع في يومها الوطني (يوم الأرض) ابتهاجًا بتأسيسها على انقضاض فلسطين.
ولا أدري متى تعود فلسطين، والكولونيل وجدي سرحان يطوف في فلسطين للغرض نفسه. فأصبح اليوم آلاف الشباب والشابات من مسلمي فلسطين ومسيحيها، يخدمون العلم الإسرائيلي.
ولا أدري متى تعود فلسطين، وشباب فلسطين وشاباتها يرتدون قبعة وحدة قدسار في الجيش الإسرائيلي، بعد أن تخلوا عن حلمهم في دراستهم الجامعية، لخدمة علم إسرائيل.
ولا أدري متى تعود فلسطين، وقد اقتنعنا كلنا اليوم بوجودها، أمرًا واقعًا لا مفر منه، وظلينا نلهث خلف حدود عام 1967م، التي استولت عليها وأقامت عليها دولتها العنصرية، تمامًا كمن رضي من الغنيمة بالإياب.. بالله عليكم خبروني متى تعود فلسطين، ونحن على هذه الحال منذ سنين، متى يستقيم العود يا فلسطين والظل أعوج؟
وعلى كل حال، لا يدري محدثكم متى نستعيد فلسطين، لكن الأكيد الذي يعلمه جيدًا، أنها ستظل على أول قائمة اهتمامات القيادة السعودية حتى تعود، بدليل (درع القدس للانتماء والعطاء) الذي أهدته السلطة الفلسطينية لقائدنا سلمان، تقديرًا وعرفانًا لدعمه الشعب الفلسطيني، ومساعدته ومساندته له، وتبني قضيته العادلة.
وبعد:
أختم مقالي هذا اليوم بثلاث رسائل أرى أنها مهمة، أوجهها لثلاث جهات:
الرسالة الأولى؛ إلى جامعة الدول العربية:
شبعنا من عبارات الشجب والاستهجان، ودعوة المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته وروينا. فتحملوا أنتم مسؤولياتكم، ولا نريد منكم أكثر من أن تكونوا مثل إسرائيل. أجل.. مثل إسرائيل: حددوا سياسة خارجية عربية حاسمة موحدة، تقف في وجه كل من يريد بالعرب شرًَّا، أو يتدخل في شؤونهم، فاسحبوا السفراء العرب، واطردوا سفراء الدولة المعتدية على أية دولة عربية، حتى إن كانت أمريكا، بعد أن تستدعوهم وتوبخوهم على فعلتهم (المشينة)، كما فعل نتنياهو.
وأوقفوا جميع أشكال الدعم والتواصل مع المنظمات الأممية، إن لم يجبر هذا (المجتمع الدولي)، الذي تدعونه صباح مساء لتحمل مسؤولياته نيابة عنكم، إسرائيل على الامتثال لقرارات (الشرعية الدولية) والانسحاب من جميع الأراضي التي احتلتها قبل عام 1967م، ما دمنا اعترفنا بها طوعًا أو كرهًا، وسامحناها في كل ما احتلته من أراضٍ بين عامي 48 – 1967م، فأقامت أسوأ دولة احتلال عرفها التاريخ حتى اليوم.
كفى شجبًا واستنكارًا يا جامعة الدول العربية، تحركوا بجد وعقل وفكر، أو فضوها سيرة، وأغلقوها بالشمع الأحمر، وليذهب كلٌّ لشأنه. لقد كان دوركم تجاه الكارثة السورية محزنًا ومؤسفًا حقًا إلى أبعد حد، بل يمكنني أن أقول بكل ثقة، إنكم كنتم غائبين عن المشهد تمامًا، لم نرَ لكم طحينًا، بل لم نسمع لكم حتى جعجعة، للأسف الشديد. وهو دور هزيل، أجده بحق أقل بكثير جدًا من دور تلك الطفلة الكندية (إدي)، التي لم يتجاوز عمرها (9) سنوات، ومع هذا، استطاعت تأمين كفالة لعشرين عائلة سورية لاجئة في بلادها؛ فصفقت كندا كلها لحسن صنيعها، وكرَّمها رئيس الوزراء الكندي، وجثا على ركبتيه يحادثها باعتزاز وإعجاب وحنان.
نشر هذا الخبر في جريدة الحياة، عدد الخميس 2/3/1438ه، الموافق 1/12/2016م، العدد 19599، ص 25. وللأسف الشديد، نشر في العدد نفسه، في الصفحة المقابلة تمامًا (24)، بالبنط العريض: (اللبنانيون يحتفلون بالطعام). وصحيح، لا يمكن لأحد أن ينكر دور لبنان اليوم ومساهمتها في تخفيف الكارثة عن أشقائنا السوريين، إذ استضافت أعدادًا فوق طاقة تحملها؛ لكن كنَّا نود أن يكون للجامعة العربية دور فعال في تعزيز روح العطاء والتكافل والتآزر، وترسيخ ثقافة الطفلة الكندية (إدي)، فتتحول مناسبات مثل تلك، في مثل تلك الظروف الصعبة، إلى إطعام اللاجئين وكسوتهم وتطبيبهم وتوفير التعليم لأطفالهم. بل كنَّا نتمنى أن يكون للجامعة العربية أنياب فتاكة مع حكمة وروية، فتتدخل في اللحظة المناسبة، قبل فوات الأوان، لحل المشكلة السورية وغيرها من مشاكل العرب المستعصية اليوم، قبل أن تتدخل القوى الغربية وغيرها من الحاقدين، الذين لا يريدون الخير لأمتنا، وللأسف ما أكثرهم؛ وهكذا كان من الممكن أن نحول دون تدمير البلاد ودك بيوتها على رؤوس ساكنيها، فيضطر أهلها لتركها إلى مصير مجهول في عرض البحار وبين يدي مافيا تجارة البشر والمخدرات؛ وأضعف الإيمان تعريضهم لهذه الظروف البيئية القاسية في مخيمات النزوح في العراء داخل بلدانهم، كما هو الحال اليوم في العراق واليمن، أو عند الحدود الدولية، كما هو الحال في سوريا. ويحدث هذا كله بسبب غياب جامعة عربية قوية، فخلى الجو لإيران وأعوانها، ولروسيا والغرب، وجلست الجامعة العربية تلطم خدَّها، وتحث (المجتمع الدولي) لتحمل مسؤولياته، فيحل مشاكل العرب نيابة عنها.. فما هو دورها إذن؟.
والعجيب الغريب، أن كل المحللين السياسيين العرب، رددوا معزوفة (البطة العرجاء) فيما يتعلق بدور أمريكا – أوباما و(ترددها) في إيجاد حل ناجع للمعضلة السورية؛ في الوقت الذي تحتفظ أمريكا ب (17) ألف جندي من قوة التدخل السريع على أهبة الاستعداد للسيطرة على دمشق، في حال نجاح الثورة السورية في خلع الطاغية بشار، بحجة الحيلولة دون وقوعها في أيدي الإرهابيين وتحولها إلى ليبيا أخرى أو يمن ثانية أو حتى قل صومال جديد.
أقول، أمريكا ليست ساذجة إلى هذه الدرجة كما تخيل البعض، وأوباما ليس (بطة عرجاء) كما ردد البعض لسنوات، بل هو ثعلب مكار، تعامل بذكاء وقل بخبث أيضًا، لدعم إسرائيل في إخراج سوريا إلى الأبد من معادلة الصراع العربي – الإسرائيلي، وأحسب أنه نجح نجاحًا منقطع النظير، كما أكد ذلك بعظمة لسانه كما يقولون.. فاستيقظي من سباتك أيتها الجامعة العربية، وتحملي مسؤولياتكم، وكفي عن النحيب من ظلم الغريب (المجتمع الدولي). ولا تتعللي بشح الموارد، وضيق ذات اليد، وضعف الإمكانيات، فقد حرَّر غاندي الهند، دون أن يمتلك رصاصة واحدة، بل دون أن يمتلك شيئًا من حطام الدنيا، غير إزار يستر عورته، وشاة وحيدة يعيش على ما تجود به عليه من حليب، بالكاد يسد رمقه. وفعل تلميذه النجيب مانديلا الشيء نفسه، مقتفيًا خطى معلمه المبدع، فحرَّر بلاده من بين أنياب مستعمر عنيد شرس. ومن الآخر: تنقصك يا الجامعة العربية.. إرادة حقيقية لصنع الفرق.
الرسالة الثانية، إلى رجال المال والأعمال في خليج الخير:
أتمنى أن يساهم الجميع بما تجود به نفسه الكريمة لتأسيس (جامعة الحزم)، التي أقترح أن يكون موقعها في الدمام، حاضرة المنطقة الشرقية الحبيبة، عرفانًا وامتنانًا لقائد الحزم والعزم والحسم والرأي السديد، سلمان الخير؛ وتأكيدًا لتلك اللحمة الخليجية المتينة الفريدة، التي تجلَّت أثناء جولة الملك سلمان الخليجية التاريخية الاستثنائية، وما حظي به مقامه السَّامي الكريم من ترحيب وحب وتقدير منقطع النظير، من أبناء الخليج الأوفياء بكل فئاتهم، حتى الأطفال والنساء. بحيث تكون جامعة بحثية صرفة، تعنى بالبحث والدراسات العلمية التي تركز أساسًا على السبل الكفيلة بتحسين حياة شعب الخليج وتحقيق رفاهه وضمان أمنه واستقراره، يُقْبَل لها الطلاب من جميع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ولهذا يجعلها وجودها في الدمام، قريبة لمعظم الراغبين في الالتحاق بها من شباب الخليج وفتياته، اللاتي تخصص لهن أقسام منفصلة فيها، كما هو الحال في سائر جامعاتنا.
وعليه، أناشد معالي الأخ الدكتور أحمد العيسى، وزير التعليم، الإعلان عن تأسيس (جامعة الحزم)، وإني على يقين تام، أن أبناء الخليج سوف يسعدون ويتسابقون، بل قل يتنافسون، شأنهم دائمًا في الخيرات، للمساهمة في إنشائها وتمويلها، ففي نفس كل واحد منهم شأن عظيم لسلمان الحزم والعزم والحسم والرأي السديد.
أما الرسالة الثالثة والأخيرة، فأخص بها مجلس الشورى:
سمعت أنكم تنون مناقشة استحداث وسام باسم قائدنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله ورعاه، وتحديد مجالات منحه، وتعديل المادتين الثانية والتاسعة من نظام الأوسمة السعودية، وإضافة فقرة للمادة التاسعة، تتضمن منح وسام الملك سلمان، تقديرًا للمتميزين في مجالات التاريخ الوطني والتاريخ العربي والإسلامي والمكتبات وخدمة المخطوطات والوثائق التاريخية، وتنمية السياحة الوطنية لأصحاب المبادرات البارزة في الأعمال الخيرية والإغاثية.
أقول، هذه لفتة بارعة، نقدرها لكم ونشكرها فسلمان يستحق أكثر، متمنيًا عليكم أن تضيفوا إليه (وسام الملك سلمان للوفاء)، تخليدًا لأعظم صفة انفرد بها مليكنا المفدى بين زعماء العالم اليوم، بشهادة العدو قبل الصديق، يتم منحه لكل من يقدم خدمة جليلة متميزة لمجتمعه في الوطن العربي والإسلامي، تحدث فرقًا واضحًا في حياة الناس.
وختامًا، لا أجد أفضل من بيت شعر من قصيدة شاعرنا المبدع خضير البراق، التي أشرت إليها آنفًا، يعبر عن بعض ما تجيش به النفس من اعتزاز وحب وتقدير لوالدنا سلمان الفعال:
عشت يا سلمان يا وافي الخصال
الزعيم الفيصلي قطب القطوب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.