أمير الباحة يكلف " العضيلة" محافظاً لمحافظة الحجرة    رئيس أوكرانيا: الحرب ستنتهي «أسرع» في عهد إدارة ترمب    نصف مليون طالب وطالبة في 2455 مدرسة يحتفون باليوم العالمي للتسامح بتعليم مكة    حملة ميدانية على الباعة الجائلين المخالفين بغرب الدمام    الأحساء وجهة سياحية ب5 مواقع مميزة    إعصار قوي جديد يضرب الفلبين هو السادس في خلال شهر    «هلال نجران» ينفذ فرضية الإصابات الخطيرة    حسن آل الشيخ يعطّر «قيصرية الكتاب» بإنجازاته الوطنيّة    المواصفات السعودية تنظم غدا المؤتمر الوطني التاسع للجودة    الليث يتزعم بطولتي جازان    الهدى يسيطر على بطولة المبارزة    12 اتحادا تختار إداراتها الجديدة    برامج تثقيفية وتوعوية بمناسبة اليوم العالمي للسكري    إعلان أسماء 60 مشاركاً من 18 دولة في احتفال "نور الرياض 2024"    تطبيق الدوام الشتوي للمدارس في المناطق بدءا من الغد    بيان سعودي فرنسي عن الاجتماع الثاني بشأن العُلا    الأربعاء المقبل.. أدبي جازان يدشن المرحلة الأولى من أمسيات الشتاء    وزير التجارة: منع الاستخدام التجاري لرموز وشعارات الدول والرموز والشعارات الدينية والطائفية    التواصل الحضاري ينظم ملتقى التسامح السنوي "    «الداخلية»: ضبط 20124 مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    إسرائيل تعترض صواريخ ومسيّرات وتكثّف الغارات على ضاحية بيروت    مدرب البرتغال يؤكد أهمية التأهل لدور الثمانية بدوري أمم أوروبا    ضيف الرأي: الفنانة التشكيلية مروة النجار    إطلاق مركز (Learning Hub) للتعامل مع التهديدات الصحية المعقدة    «سلمان للإغاثة» يوزّع 175 ألف ربطة خبز في شمال لبنان خلال أسبوع    المربع الجديد استعرض مستقبل التطوير العمراني في معرض سيتي سكيب العالمي 2024    مصرع 10 أطفال حديثي الولادة جراء حريق بمستشفى في الهند    يدعوان جميع البلدان لتعزيز خطط العمل الوطنية    استمرار تشكل السحب الممطرة على جازان وعسير والباحة ومكة    سوق بيش الأسبوعي.. وجهة عشاق الأجواء الشعبية    مهرجان صبيا.. عروض ترفيهية فريدة في "شتاء جازان"    وظائف للأذكياء فقط في إدارة ترمب !    تركيا.. طبيب «مزيف» يحول سيارة متنقلة ل«بوتوكس وفيلر» !    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    زيلينسكي يقول إن "الحرب ستنتهي بشكل أسرع" في ظل رئاسة ترامب    رونالدو يقود البرتغال للفوز على بولندا والتأهل لدور الثمانية بدوري الأمم    "أخضر الشاطئية" يتغلب على ألمانيا في نيوم    مركز عتود في الدرب يستعد لاستقبال زوار موسم جازان الشتوي    اختتام مزاد نادي الصقور السعودي 2024 بمبيعات قاربت 6 ملايين ريال    "الشؤون الإسلامية" تختتم مسابقة القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة في غانا    "سدايا" تنشر ورقتين علميتين في المؤتمر العالمي (emnlp)    نجاح قياس الأوزان لجميع الملاكمين واكتمال الاستعدادات النهائية لانطلاق نزال "Latino Night" ..    لجنة وزارية سعودية - فرنسية تناقش منجزات العلا    الأمير محمد بن سلمان.. رؤية شاملة لبناء دولة حديثة    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    خطيب المسجد النبوي : سنة الله في الخلق أنه لا يغير حال قوم إلا بسبب من أنفسهم    خطيب المسجد الحرام: من ملك لسانه فقد ملك أمرَه وأحكمَه وضبَطَه    ليس الدماغ فقط.. حتى البنكرياس يتذكر !    أمريكا.. اكتشاف حالات جديدة مصابة بعدوى الإشريكية القولونية    وزير الحرس الوطني يستقبل وزير الدفاع البريطاني    في أي مرتبة أنتم؟    خالد بن سلمان يستقبل وزير الدفاع البريطاني    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رَعدُ الشّمَال.. أصْدَقُ إِنْبَاءً من الكُتُ
نشر في الوئام يوم 03 - 04 - 2016

منذ انطلاق مناورة (رعد الشمال) يوم السبت 11/5/1437ه، الموافق 20/2/2016م، حتى ختامها المهيب يوم الخميس 1/6/1437ه، الموافق 10/3/2016م، الذي شرّفه قائدنا الهمام، بطل الحزم والعزم والحسم والثَّبات، جامع كل صفات البطولة والقيادة، والشهامة والمروءة، سيدي الوالد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، حفظه الله ورعاه ومتَّعه دوماً بالصحة والعافية، وسدَّد على طريق الخير خطاه، بحضور قادة الدول التي سبقت إلى الخيرات، ففازت بشرف المشاركة في تلك المناورة المدهشة، التي تعد بحق أكبر مناورة في الشرق الأوسط، بل قل من أكبر المناورات العسكرية في العالم من حيث سعة نطاقها، وعدد القوات التي شاركت فيها وتشكيلاتها، وأيضاً عدد الدول التي انضمت إليها طوعاً، بل تسابقت للفوز بهذا الشرف العظيم.. أقول، منذ بداية تلك المناورة الاستثنائية بمدينة الملك خالد العسكرية، بمنطقة حفر الباطن، شمال شرقي بلادنا الحبيبة قرب الحدود السعودية العراقية، كتب كثيرون عن هذا الحدث الفريد المهيب، الذي بثّ الذُّعر في نفس الأعداء وزلزَّل الأرض تحت أقدامهم، وأربك حسابات الغرب والطامعين الذين طالما امتطوا صهوة (حصان طروادة) للسيطرة على المنطقة والدول المستضعفة للتمتع بخيراتها دون أهلها، ثم صنَّفوا العالم إلى عالمين؛ عالم أول: يمثلونه هم عبر شركاتهم العابرة للقارات ومافيا السلاح والمخدرات وتجارة البَّشر، الذين ينفذون أجندتهم عبر حكومات تلك الدول، التي تتقاسم معهم ما يعودون به إليها من صيد ثمين، كبر أو صغر؛
وعالم ثالث: تمثله البقية الباقية من الدول المستضعفة، التي من بينها منطقتنا بالطبع، دون أن يكون هناك عالم ثانٍ بينهما. رافق ذلك حملة إعلامية مغرضة، مازالت مستعرة منذ أكثر من قرن، لترسخ في نفس شعوب الدول المستضعفة أنهم لن يكونوا يوماً نِدَّاً لشعوب العالم الأول، في مسيرة تحول تقاطعت فيها المصالح، أفضت إلى هذا الواقع المرير الذي نعيشه اليوم، كما صوَّره أخي صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة، في كلمته البليغة الجامعة المعبِّرة، كعادة (دايم السيف) دائماً، في منتدى جدة الاقتصادي، يوم الثلاثاء 21/5/1437ه، الموافق 1/3/2016م، إذ يقول سموه الكريم: (… للتحول حالات وفترات وظروف.. وله عقل وقلب وفكر وسيوف.. وله آليات ودواعي.. وما يستدعيه داعي، وما ليس له داعي.. عانت منه مجتمعات أوروبا قبل أن تشفى بنهضة وتهنأ بغمضة، وكم استغرقت فيه من الوقت أمريكا، قبل أن ترقى من راعي البقر إلى حاكم البشر…) مستطرداً وصف تلك المراحل وما بذلته مجتمعات الغرب من جهد وعمل: (حتى أصبحت سلطة مدوِّية، تصنع ما تريد فيمن لا تريد)، كما يشهد الواقع اليوم.
أجل، كتب كثيرون عن هذا الحدث الفريد، الذي هو صناعة سعودية بامتياز، معدِّدين أهدافه من سعي لتحقيق الأمن والاستقرار، ومحاربة التطرف والإرهاب بكافة أشكاله، من خلال هذا التعاون والاتفاق والانسجام الذي يمثل علامة فارقة حقاً في مسيرة العمل الإسلامي العربي المشترك عبر التاريخ، مما يؤهله بجدارة ليكون خير عون ل (الأمم المتحدة) في بسط سلطة القانون في العالم، إن هي فعلاً أنصفت.
أما محدِّثكم، فمن خلال خبرتي المتواضعة في العمل العسكري، وتشرُّفي بالخدمة في الجيش العربي السعودي البطل لعقود، الذي تركت قلبي وعقلي وولائي معه إلى الأبد، حتى بعد تقاعدي عن الخدمة المباشرة، لا أجد ما أقوله أمام هذه التجربة الفريدة الشجاعة الجريئة الذكيَّة الصادقة النبيلة، ومهما حاولت أن أقول، وجدت نفسي عاجزاً عن التعبير عن الحدث بما يستحق فعلاً، ولهذا لم أجد بُدَّاً من استئذان الشاعر الهُمام أبو تمَّام، لأردد معه:
(رعد الشمال) أصدق إِنْبَاءً من الكُتُبِ
في حَدِّه الحَدُّ بين الجِدِّ واللَّعِبِ
وهو المعني نفسه الذي قصده شاعرنا صالح بن سليمان بن سحمان، في مطلع قصيدته الرائعة (سادت مكارمه بين البرية) التي نشرت في جريدة أم القرى، في 20/11/1348 ه، العدد (280)، بمناسبة انتصارات المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود، طيَّب الله ثراه، فما أشبه الليلة بالبارحة، إذ يقول:
الفخر للسيف ليس الفخر للقلم
فاكتب به واترك الأقلام كالخدم
فإن فيه الشفاء من كل معضلة
وهو الدواء لأهل المرتع الوخم
فانظر لآثاره في المعتدين وفي
آثاره خط في القرطاس بالقلم
شقَّ العصا أناس لا أخلاق لهم
ولا عقول، وهم من أخبث الأمم
ظنُّوا سفاهاً بأنَّا، من غباوتهم،
عجزاً تركناهمو عن فعل منتقم
فقد تمادوا ولجُّوا في همايتهم
وحاربوا الله جهراً من شقائهم
سارت إليهم جنود الله يقدمها
غضنفر من ليوث الأسد ذو همم
ملكٌ تحلَّى بأخلاق مهذَّبة
وبالمكارم والإحسان والشِّيم
ملكٌ جليلٌ عظيم القدر منتبهٌ
ماضي العزيمة ذو فضل وذو كرم
ملكٌ عظيم له الأملاك خاضعة
ذلاً ورعباً وخوف الصارم الخدم
نور البلاد الذي سارت مكارمه
بين البريَّة من عرب ومن عجم
ومع كثرة ما كتب، وبلاغة ما قيل وصدقه، ومحاولته الدَّءوبة لقول ما يجب تجاه هذا الحدث المهيب، إلا أن سيدي الوالد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، حفظه الله ورعاه، تفوَّق علينا كلنا، حين أوجز الحكاية في كلمات موجزات، يمكن للمحلِّلين والمراقبين والمهتمين أن يعملوا عليها سنين عدد، فيفككوا كل كلمة فيها إلى مجلدات، حين أوجز موضِّحاً: ( رعد الشمال عمل لخدمة الإسلام والمسلمين)، ثم غرَّد في ختام التمرين الذي ازداد ألقاً وقوة وصموداً بتشريفه له: (فخورون هذا اليوم بتضامننا في رعد الشمال، وأن يشاهد العالم عزمنا جميعاً على ردع قوى الشِّر والتطرف ومحاربة الإرهاب). وعليه، أكتفي هنا بهذا القدر لأتناول موضوعات أخرى مهمة ذات صلة بما تحقق، أهمها:
شخصية القائد المدهشة:
سبق أن أشرت في كل ما تشرفت به من حديث عن سيدي الوالد خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله ورعاه، إلى إجماع كل من كتب عنه ووثَّق له، على أنه أشبه إخوته الكرام بوالد الجميع المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل، طيَّب الله ثراه؛ الذي كان بطلاً هماماً بحق، وقائداً عبقرياً، وهبه الله من صفات البطولة والقيادة ما لم يجتمع لغيره من زعماء عصره، إذ كان شجاعاً مقداماً حازماً، سياسياً أريباً محنكاً جحجاحاً، حكيماً، شهماً، متواضعاً، عفيفاً، رحيماً برعيته، سديد الرأي، صبوراً، رجلاً صالحاً، شديد الإيمان بربه، عظيم الثِّقة في نصره وتأييده، مخلصاً لرسالته مضحيِّاً بكل غالٍ ونفيس في سبيل أدائها على الوجه الذي يرضي ربه، فجمع الله به الشمل، ووحَّد البلاد، وألَّف القلوب، وحارب البدع والخرافات، وبسط الأمن، وبدَّد الظلم، وشمل عدله كل قاصٍ ودانٍ، وأنصف حتى البعير من صاحبه، فتدافع المسلمون من كل حدبٍ وصوبٍ يؤدون نسكهم في أمن وسلام واطمئنان، بعدما كانت رحلة الحج محفوفة بمخاطر عظيمة، جعلت كل حاج يودِّع أهله وداع غير آيبٍ.
فأعجب به البعيد قبل القريب، وأشاد ببطولته وإخلاصه لعقيدته وصدق نيته وحرصه على شعبه وجمع شمل أمته الإسلامية والعربية، كل من كتب عنه وأرَّخ له، غير أنهم لم يفلحوا حتى اليوم في توثيق كل ما ينبغي أن يقال في حق هذا الرجل الصالح، القائد الاستثنائي، الذي أدهش التاريخ؛ لأن إنجازاته وأعماله أعظم من أن تجمع بين دفتي كتاب، مهما تعددت صفحاته. أما محاولات معاصريه من الشعراء لتوثيق حياته، فكلها تسر اللُّب وتأخذ العقل، غير أنني أكتفي هنا، إضافة لما سبق، ببعض أبيات من قصيدة للشاعر محمد العباسي البغدادي، أحد رؤساء وفود حج عام 1351ه (تتباهى به المعالي)، وهي قصيدة عصماء، تتكون من (58) بيت شعر رصين، وددت أني أستطيع الاستشهاد بها هنا كلها، نشرت في جريدة أم القرى، 19/12/1351ه، العدد (435)، إذ يقول:
ذاك عبد العزيز خير مليكٍ
سعد آل السعود بدر سماها
ذاك للدِّين ناصرٌ ومعينٌ
ذاك من يمنح العفاتِ غناها
ذاك عندي أنقى الملوك خصالاً
ذاك عندي أبرَّها أتقاها
ذاك يوم النَّوال أغزر بحرٍ
ذاك يوم النِّزال ليث وقاها
ذاك يوم الطراد أعظم ركنٍ
ذاك يوم الحروب قطب رحاها
ذاك يوم العلوم شمس ضحاها
ذاك يوم الفنون نور دجاها
ذاك طود من الكمال رفيعٌ
ورفيع الكمال طود سخاها
ذاك للعرب مفخرٌ وسلاحٌ
وهمام إذا دهاها دُهاها
تتباهى به المعالي وأكرم
بمليكٍ به العلى يتباها
طرَّز السعد بردةً من فخارٍ
وعليه دون الملا ألقاها
أمَّن الطرق في الحجاز وكانت
قبله يشتكي بئيس أذاها
كانت أرض الحجاز تشكو غلاها
فمحى الله ضيقها وغلاها
عمم العدل في الجزيرة قسراً
ومن المهيع الوخيم وقاها
وعلى الدرب ذاته جاء حادي ركبنا اليوم، وحامل مشعل رسالتنا، سلمان الخير والحزم والعزم والحسم يمشي، فكان أشبهنا بعبد العزيز، بشهادة الجميع ف :
بنى كما كانت أوائلنا تبني
وفعل فوق ما فعلوا
فأضاف إلى ذلك المجد المؤثَّل كله، معرفة عميقة بالثقافة والاقتصاد والفكر والعلوم والآداب والتاريخ، تشهد له بذلك شهادة الدكتوراه الفخرية في الدراسات التاريخية والحضارية، التي منحته إيِّاها جامعة الملك سعود يوم الثلاثاء 14/6/1437 ه، الموافق 23/3/2016 م؛ استشعاراً عظيماً لرسالة آبائه وأجداده الكرام وشعبه الوفي المخلص في العناية ببيت الله الحرام ومثوى رسوله الكريم، صلَّى الله عليه وسلم، وخدمة قاصديهما من كل فجٍ عميق. ولهذا ليس غريباً أن يؤكد في كل حديث له تقريباً: لقد خصنا الله، له الحمد والشكر والثناء الحسن، بما لم يخص به أحداً غيرنا من خلقه، إذ جعل بيته العتيق ومثوى رسوله الكريم عندنا، فرتَّب علينا هذا الفضل العظيم من ربنا، مسؤولية عظيمة أيضاً؛ علينا جميعاً القيام بها على الوجه الذي يرضي صاحب الفضل والمنَّة. ولهذا ليس غريباً أيضاً أن يبكي سلمان فرحاً بهذا التشريف العظيم، استشعاراً لنعمة الله وفضله، وفي الوقت نفسه، خوفاً من الله ألا نكون قد أدينا هذا الواجب العظيم على الوجه الذي يرضي خالقنا عزَّ وجل، أثناء إلقاء الأخ الشاعر الرائد مشعل بن محماس الحارثي قصيدته العصماء تلك في حفل الجنادرية الأخير، عندما قال مخاطباً المقام السامي الكريم:
خيَّالة العوجا على حرب وقتال
من دون بيت الله ومسجد نبَّيه
ورأينا الحالة ذاتها من التأثر والشعور بالمسؤولية بادية على وجه مقامه الكريم أيضاً أثناء قصيدة الشاعر العصامي ابن محماس في ختام مناورة رعد الشمال، كلَّما تحدث عن حمى مكة والمدينة ورعاية شؤون المسلمين والدفاع عن الإسلام، ثم يقف وهو الملك القائد المتواضع، ليصافح الشاعر مشعل بن محماس عندما جاء للتشرف بالسلام على المقام الكريم وعلى قادة دول التحالف، عقب إلقاء قصيدته، في تواضع لا أعرف له مثيلاً غير تواضع الرجل الصالح المؤسس عبد العزيز آل سعود. ومع هذا كله كثيراً ما يردد سلمان في تواضع القادة العظماء والعلماء الأجلاء:
وما أنا إلا من غَزِيَّةِ إن غوت
غويت وإن ترشد غَزِيَّة أرشدُ
وكنت أيضاً قد أشرت مراراً في مقالات سابقة إلى أن قائدنا الهمام سلمان، مهما فعل لن يدهشنا فعله، ولن نستكثر عظيم صنيعه، لأنه عوَّدنا على معالي الأمور منذ أول يوم تسنَّم فيه المسؤولية أميراً لمنطقة الرياض. فلا غرو إن رأيناه اليوم يقود تحالفاً قوياً بكل ثقله، لنصرة الأشقاء في اليمن الذي سلبه طمع صالح وتآمر الحوثيين كل معنىً للسعادة، وفي الوقت نفسه، يشارك بقوة في التحالف الدولي الذي يضم أكثر من ستين دولة لمحاربة الإرهاب في سوريا والعراق، ويجمع قواتٍ من عشرين دولة لتنفيذ مناورة عسكرية فريدة من نوعها في المنطقة، ويضطلع بواجباته فيستقبل يومياً تقريباً وفوداً من خارج البلاد وداخلها، بعد أن أصبحت بلادنا محوراً مهماً في سياسة العالم وتسوية أوضاعه، ويفكر ليل نهار في إدارة شؤون الدولة لتحقيق أقصى قدر ممكن من مصالح المواطنين، فيدمج هيئة الخطوط الحديدية وهيئة النقل العام في هيئة واحدة باسم (هيئة النقل العام) ويستضيف أكثر من ثلاثة ملايين من الإخوة اليمنيين، ويسيِّر إليهم قوافل الإغاثة داخل اليمن وخارجها في جيبوتي، حيث يشيد لهم أكثر من ثلاثمائة وحدة سكنية بمواصفات عالية الجودة، كما يستضيف أكثر من مليوني سوري في بلاده، ويسيِّر إليهم أيضاً قوافل الإغاثة في تركيا ولبنان وحتى داخل سوريا نفسها، ويشيد لهم (4000) وحدة سكنية بالمواصفات ذاتها، ويوفر لليمنيين والسوريين على حدٍ سواء، حياة حرة كريمة، من إقامة وعمل وصحة وتعليم، دون أن يهلع أو يتذمر كما فعلت أوروبا بقضها وقضيضها، إذ ضاق صدرها بمليون مهاجر فقط، وهي (28) دولة، مع تشدُّقها بحقوق الإنسان والحرص على نصرة المستضعفين، مع أنها كانت سبباً جوهرياً في ما وصل إليه حال إخوتنا في سوريا بتآمرها تارة، ثم أخرى بتقاعسها عن نصرتهم وتجارتها بقضيتهم.
ومع هذا كله، لا يتنازل سلمان عن دوره الاجتماعي، مهما ازدحم جدول أعماله الرسمية، فيصلي على موتانا ويشيعهم معنا إلى مثواهم الأخير كعادته منذ أن عرفناه، ويزور مرضانا في المستشفيات، كما رأيناه مؤخراً إلى جوار شقيقه الأكبر، صاحب السمو الملكي الأمير عبدالرحمن بن عبدالعزيز، ثم إلى جوار سرير الشيخ عبد الرحمن بن سليمان الرويشد في مستشفى التخصصي بالرياض، ثم يطمئن عليهم في بيوتهم، مثلما رأيناه أيضاً بعد ذلك بأيام معدودة في بيت الشيخ ثنيان بن فهد الثنيان، واحتفاء أسرته به احتفاءً يليق برجل كبير مثل سلمان. وقد أحسنت صاحبة السمو الملكي الأميرة مضاوي بنت المنتصر بن سعود بن عبد العزيز، عندما حاولت التعبير عن مشاعرنا تجاه مليكنا المفدى والدنا سلمان، على شاكلة ما ذهب إليه أحمد الغزاوي تجاه المؤسس والد الجميع الملك عبد العزيز، إذ تقول في قصيدتها (نخوة سيد العرب) التي نشرت في جريدة الرياض، الجمعة 9/6/1437ه، الموافق 18/3/2016م، العدد 17434، ص 5:
عشت يا سلمان سقم العدا سلمت يداك
العدا من قو باسك تموت بغلِّها
ما تجي معشار عزمك ولا تبلغ مداك
صيرمي كل صعب الأمور تحلها
ولا لنيران الحرايب ليَّا شبَّت سواك
الكبود تعلها واليدين تشلَّها
وأنت عزٍ للعروبة وعز اللي نخاك
ونخوتك يا سيد العرب جت في حلها
عاصفة حزمك وعزمك على الحوثي هلاك
خل من يتبع رداهم يعيش بذلها
وخل منهو خان بارضه يعرف دهاك
وهو منوَّل في نعيم الخليج وظلّها
التجهيزات اللوجستية:
ليس ثمّة شك أن استضافة (350) ألف جندي من عشرين دولة، بثقافات ولغات وعقائد عسكرية ومفاهيم مختلفة، وتوفير كافة مستلزماتهم من مسكن ومأكل ومشرب ورعاية طبيّة، إضافة لمتطلبات زعيم عشرين دولة أيضاً، بجانب ضرورة حمايتهم، ليس ثمّة شك أن هذا الأمر يمثل تحديّاً حقيقياً لأية دولة، مهما كانت إمكاناتها وقدراتها، فضلاً عن توفير البيئة الملائمة ل (2540) مقاتلة و (20) ألف دبابة و (460) مروحية ومئات السفن.
أقول، ليس ثمّة شك أن هذا الأمر يتطلب جهداً استثنائياً وعملاً دءوباً؛ وهنا تظهر القدرة الحقيقية لبلادنا، وصدق الإرادة. فانبرى صاحبا السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز، ولي العهد، النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية؛ والأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي ولي العهد، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، ينفذان توجيهات خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز، القائد الأعلى لكافة قواتنا العسكرية، في عمل اللازم بالتعاون مع الجهات الأخرى المعنية.
فتم توفير كل الدعم اللوجستي المطلوب في وقت قياسي على أرقى المستويات، وتحولت منطقة حفر الباطن، ومدينة الملك خالد العسكرية على وجه الخصوص، إلى خلية نحل لا تهدأ ليل نهار. والحقيقة أن شعباً درج على استضافة ملايين الحجاج والمعتمرين، وتوفير كافة متطلباتهم لقرنٍ كاملٍ، لن يعجزه توفير الدعم اللوجيستي لهذا العدد، الذي يعد متواضعاً مقارنة بملايين ضيوف الرحمن الذين يشرفوننا كل عام، حتى إن اختلف نوع الدعم اللوجيستي المطلوب أحياناً. مما مكّن جميع القوات المشاركة في مناورة رعد الشمال، بكافة تشكيلاتها واختلافاتها، من أداء مهمتها بطريقة تفوق الخيال، أثلجت صدر الصديق و أوغرت صدر الأعداء. فادَّعوا في البداية أن الأمر لا يهمهم، ولا يشكل أي تهديدٍ أمام قوتهم (الرَّادعة)، ثم ما لبثوا أن هرعوا إلى الأنفاق لإجراء تجارب على صواريخهم الباليستية، التي قطعاً لا نستهين بها مثلما حاولوا هم الاستهانة بقدراتنا، ولهذا كان أزيز رعد الشمال الذي لا يعدو كونه بداية الغيث، والقادم أعظم إن شاء الله، رسالة واضحة صريحة بالاستعداد التام للجم أي تهديد، والتعامل معه كما ينبغي.
والسؤال: إذا كانوا فعلاً غير وجلين، ولا يعيرون أدنى اهتمام لقوتنا وقدراتنا وصدق حزمنا ومضاء عزمنا، وتضامننا واستعدادنا للعمل فريقاً واحداً قوياً متماسكاً متفقاً متحداً، بإمكانات هائلة وقدرات بشرية متعلمة ومتدربة ومجهزة كأفضل ما يكون التجهيز، إذا كانوا حقاً غير وجلين، فلماذا إذاً هذا الذعر واستعراض العضلات بتجارب الصواريخ الباليستية؟.
تقاطع مصالح الكبار:
قلت وأكرر اليوم، وسوف أظل أعيد إلى أن يثبت لي العكس: الغرب يتعامل معنا بمقدار ما يتحقق له من مصالح جراء تعامله معنا، وقطعاً هذا من أبجدية السياسية الدولية التي تقوم أساساً على المصالح، لكن المؤسف أنهم يفعلون ذلك حتى إن اضطرهم الأمر أحياناً للتآمر علينا وطعننا من الخلف في مكان ما، ثم يعودوا في مكان آخر معبرين عن صداقتهم لنا وإخلاصهم لعلاقتهم معنا وحرصهم على تحقيق (المصالح المشتركة)، ولهذا سأظل دوماً أحذر من نظرية المؤامرة، ولن أُؤخذ على حين غرة، كما أخذ البعض بمكر الغرب، فأصبح يصف كل من يتحدث عن نظرية المؤامرة بالجهل، مؤكداً مبدأ الغرب الراسخ في نظرته إلينا، عَلِمَ ذلك من علمه وجهله من جهله. وسأكتفي هنا بأمثلة سريعة لما أقول، لما يحدث اليوم وأنا أكتب مقالي هذا.
فمع كل ما تعبر عنه الإدارة الأمريكية الحالية صباح مساء تجاه بلادنا من علاقات مميزة وشراكة إستراتيجية عتيقة، تعود لعام 1352ه، (1933م) يوم وقعوا معنا اتفاقية التنقيب عن النفط، إلا أنهم تجاهلوا مصالحنا، فذهبوا لتوقيع الاتفاق النووي مع إيران ورفعوا عنها الحظر دون تحديد آليات واضحة تحول دون امتلاك هذا الجار المشاكس للسلاح النووي الذي لن يقصر تهديده على أمن المنطقة فقط، بل يتعداه لتهديد العالم بأسره. وقطعاً، الخبر اليقين يوجد في الملحق السِّياسي السِّري الذي لن يفصح عنه أي طرف، ليس هذا فحسب، بل يأتي أوباما ليتحدث عن ضرورة السماح للجار الجانح (إيران) بإيجاد (سلام بارد) حسب تعبيره، يسمح لها بالشراكة في المنطقة،و تقسيم النفوذ. ولا ضير إن وصف الخميني أمريكا ب(الشيطان الأكبر) و وصفها خليفته خامنئي ب(الصنم الأكبر)، مادام الاتفاق النووي مع إيران يضمن لأمريكا مصالحها، بصرف النظر عمَّا يمكن أن يتعرض له أصدقاؤها في الخليج، إلى تواطئهم في عمل جاد لاجتثاث الإرهاب من العراق ورفع الضيم عن المستهدفين المظلومين فيه، وإيجاد حل حقيقي لمشكلة الشعب السوري الذي تقاذفته البحار وسدّت أوروبا الطريق في وجهه.
أما تشدُّد أمريكا تجاه حزب الله، مع تساهلها مع إيران، فليس اصطفافاً معنا تأييداً لموقفنا، بل دعماً لإسرائيل، وهو تماماً كالحق الذي أريد به باطل.. إلى قائمة طويلة عريضة من الممارسات السلبية لإدارة أوباما العرجاء، كما وصفها كثير من المراقبين المنصفين، حتى من خارج المنطقة، وأكتفي هنا برد أخي صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل على أوباما في جريدة الشرق الأوسط، الاثنين 14/3/2016 م، العدد 13621، ص 17: (لا.. يا سيد أوباما). وهو قطعاً رد كافٍ شافٍ بليغٍ.
أما بريطانيا، فتطلق في لندن العنان لإعلامها وبعض مسؤوليها ليتهمونا بانتهاك حقوق الإنسان في اليمن، واستهداف المدنيين والبنية التحتية، من خلال مشاركتنا في عاصفة الحزم، التي كانت بريطانيا جزءًا من الموافقة عليها؛ بل ومباركتها، ناسية أو متناسية أن قدوتنا ورسولنا الذي نلتزم بمنهجه حتى في الحرب، يأمرنا ألا نقطع الشجر أو نتلف الزرع أو نؤذي حتى الحيوان، ثم يأتي سفيرها لدينا السيد سايمون كوليس، ليصرح في الصفحة الأولى من جريدة الرياض، السبت 10/6/1437ه، الموافق 19/3/2016م، العدد 117435، إثر زيارته مركز عمليات قوات التحالف الإسلامي المشترك ضد الإرهاب في الرياض: ( … واعتقد نجاح هذا التحالف الإسلامي، لاسيما بعد نجاح التحالف العربي الذي قادته المملكة في اليمن).. فكيف يكون العمل ناجحاً يا سيد كوليس، إن كان فعلاً ينتهك حقوق الإنسان ويستهدف البنية التحتية، حسب زعم بعض مسؤوليكم وإعلامكم في لندن؟ ثم يستطرد كوليس، مؤكداً أن حكومة بلاده دعمت التحالف العربي في اليمن منذ بداياته، ووفرت كل الخبرات والإمكانات لدعم المملكة في تحالفها والحكومة الشرعية في اليمن، وأن بلاده تدعم المملكة علمياً وعسكرياً. وهنا أيضاً أتساءل: كيف تقدم بلادك يا سيد سايمون سلاحاً محظوراً كما يزعم إعلامكم وبعض مسؤوليكم؟ ألا ترون هذه المغالطات، بل قل المؤامرات؟! وأعجب من هذا وأغرب، تظهر هذه الازدواجية في المعايير، وتقاطع المصالح، حتى بين الغرب نفسه والقوى العظمى، متى كان ذلك محققاً للمصلحة، بصرف النظر عن أية شعارات استهلاكية، ففي الوقت الذي يصنف البنتاغون روسيا على رأس قائمة الأخطار المحدقة بالولايات الأمريكية المتحدة، نرى وزير خارجيتها (جون كيري) متأبطاً يد وزير خارجية روسيا (سيرجي لافروف) يومياً تقريباً في المحافل الدولية، لاقتسام الكعكة في سوريا.
وفي السياق ذاته، تقرر أمريكا إنهاء القطيعة مع (الدولة المارقة كوبا)، حسب تصنيفهم؛ فتسبقه الشركات الأمريكية العابرة للقارات إلى هافانا.
من الخميني إلى خامنئي:
استمعت لخطاب علي خامنئي، مرشد (الثورة الإسلامية) في إيران، أمام مجلس خبراء القيادة الجديد، الذي يتألف من (88) عضواً من الفقهاء الدينيين المعنيين باختيار زعيم للبلاد خلفاً لخامنئي بسبب اعتلال صحته؛ مباركاً لهم الانتخاب، مثنياً على جهود سابقيهم وحاثاً لهم على جد السير على نهج السلف. وأهم ما لفت نظري فيه، إصرار هؤلاء القوم على نهجهم (الثوري) حتى بعد مرور ستة وثلاثين سنة على قيام (ثورتهم) بقيادة الخميني، التي ألحقت كل هذا الخراب والدمار بالمنطقة، وتسببت في اضطرابات عمّت العالم بأسره، بسبب تبنيها الفكر الإرهابي (الثوري) الذي يتقرب إلى الله بحز رؤوس الأبرياء وبقر بطونهم، وسبي محارمهم، وتدمير مساكنهم على رؤوسهم بعد نهب كل ما فيها؛ بل حتى إيران نفسها لم تسلم من رياح (ثورتهم) الهوجاء، فقد كانت أيام الشاه تحظى بشيء من احترام، خاصة من الغرب، لأنها كانت دولة نظامية، مسؤولة إلى حد ما، بصرف النظر عن اتفاقنا مع الشاه أو اختلافنا معه؛ إذ أسس فيها جيشاً منضبطاً قوامه (750) ألف عنصر، عُدَّ خامس جيش في العالم آنئذٍ؛ كما أن اقتصادها كان قوياً موجهاً لخدمة مواطنيها.
أما اليوم، فقد تحولت إيران إلى ميليشيا منفلتة، تنشر الفوضى وتزرع الخراب والدمار (وتوزع صكوك الجنة) حيثما حلّت، باسم الفكر (الثوري) المنحرف. وخضعت لعقوبات دولية لعقود، بسبب نزق قادتها ومشاغبتهم، أرهقت اقتصادها وفتَّت عضده،هذا فضلاً عن جنوح سياسة زعمائها التي خلّفت آثارها على البلاد نفسها، حسبما نشاهده اليوم من اضطرابات ومظاهرات واحتجاجات وقلاقل وبطالة واحتقان الشارع واستعداده للانفجار في أية لحظة.
أقول، أدهشني حديث خامنئي أمام مجلس خبراء النظام، وتلخيصه لساعة تامة من خطبته فيهم بقوله: (على مجلس الخبراء أن يفكر بطريقة ثورية، ويعمل بطريقة ثورية، ويبقى ثورياً دائماً). و لا أدري إلى أين يريد هؤلاء أخذ المنطقة، بل حتى بلادهم بثورتهم هذه، خاصة إذا علمنا أن هذا المجلس يتكون أساساً من كبار العلماء والشخصيات البارزة في كافة المحافظات. غير أن من يتذكر مقولة الخميني الشهيرة: (إن جميع ذرات الكون تخضع لإمامنا الذي له مقام محمود ودرجة سامية، لا يبلغها حتى الملائكة المقربون و لا الأنبياء المرسلون)، لن يحتار كثيراً في معرفة الإجابة عن هذا التساؤل.
لكن مع هذا، ففي حديث خامنئي أشياء مهمة، يجدر بنا أن نأخذ بها قبل مجلس خبراء النظام؛ أجل.. أعرف أنه قد يُدهش هذا البعض، لكن اسمعوه إذ يقول: أعرف أن حاجة البلاد لانهائية، غير أنه ثمة ثلاث أولويات علينا الاهتمام بها وجعلها نصب أعيننا والعمل على تحقيقها على حساب كل شيء، هي:
1- الاقتصاد المقاوم، إذ ينبغي علينا تأسيس بنية اقتصادية متينة، تحقق للبلاد اكتفاءها الذاتي، وتدعمها في وقوفها أمام أي محاولات (من دول الاستكبار) للتأثير عليها. ولهذا أوصي بتأسيس مركز قيادة للاقتصاد المقاوم. علماً أن شعارهم الدائم يقول: اقتصاد المقاومة، إقدام وعمل.
2- التقدم العلمي، ف (العلم سلطان)، علينا تحفيز الإبداع العلمي بين مواطنينا، فرأس مال الاقتصاد العلمي قليل، وفي الوقت نفسه، نتائجه هائلة. وإذا اجتمع لدينا المال والعلم، امتلكنا قوة حقيقية تجعل الكل يفكر مليَّاً قبل أن يحاول مشاكستنا أو الاصطفاف ضدنا، لأنه ساعتها يكون هو الخاسر الأكبر. ويشيد هنا بحديث قائد الحرس الثوري، الذي يؤكد أنهم لن يخسروا شيئاً إن حاصرهم العالم كله بسبب تجارب صواريخهم الباليستية، التي تزامنت مع مناورة رعد الشمال، لأنها صناعة محلية مئة بالمائة، فكراً وعلماً وتمويلاً. وبالتالي لا يهم أن يرضى عنهم البعض أو يغضب عليهم الجميع.
والحقيقة، كل المحلِّلين السياسيين والاقتصاديين أكدوا أن الحرس الثوري حل مكان الخبرات الأجنبية في كل مرافق صناعة النفط الإيرانية عند انسحاب الشركات الأجنبية أثناء فترة العقوبات؛ مما دفع تلك الشركات للعودة إلى إيران حتى قبل أن يجف مداد توقيع اتفاقها النووي مع الغرب، لتعويض ما فاتهم من الكعكة أثناء سنوات العزلة والحصار الاقتصادي. ولهذا أوصى خامنئي مجلس خبراء النظام بدفع جهود تأسيس وزارة خاصة للبحث العلمي.
3- صيانة الثقافة، إذ يقول خامنئي إنها تحفظ الهوية، وتبقي جذوة الثورة مشتعلة.
وبجانب هذا كله، يوصي خامنئي ب (التغلغل) بين الموظفين والمسؤولين في الدولة للأخذ على يد كل منحرف عن مسار الثورة وأهدافها، إضافة إلى (التغلغل) وسط المجتمعات الأخرى لنشر فكر الثورة في أوسع نطاق ممكن. وقطعاً يقصد ب (التغلغل) (التجسّس) مثلما تأكد لنا من خلال تلك الخلية الإيرانية، التي ضبطها الأمن في بلادنا مؤخراً، وهي تسعى لزرع أعين لها وسط شركة أرامكو، ضمن ما تعمل على تحقيقه من أهداف خبيثة. ويسمي خامنئي هذه النقاط الثلاثة، ب (القدرات الذاتية).
كما يوصي خامنئي أيضاً، مجلس خبراء القيادة قائلاً: تعلمون أن خطط الغرب (أمريكا وبريطانيا) تهدف لزرع الفتنة المذهبية بين الشيعة والسنَّة، ولهذا عليكم تفويت الفرصة عليهم. وكم تمنيت أن يكون الرجل صادقاً في ما يقول؛ فلإيران ماضٍ عريق، وموقع جيوسياسي مهم، وثروات طبيعية هائلة، وقدرات بشرية لا يستهان بها، يمكنها أن تساهم بدور كبير في استقرار العالم، وتحقيق أمنه وسلامه ورخائه، إن هي التزمت جادة الحق، وسخَّرت كل تلك الإمكانات للخير، لا للشر والظلام والخراب والدمار. لكن للأسف الشديد، الواقع يؤكد عكس هذا تماماً؛ فبجانب تدخلها المكشوف في دول المنطقة على أساس طائفي بحت، بهدف التشييع وتصدير الثورة، ومن ثم ممارسة الأجندة الخفيَّة في السيطرة، إلا أنها في الداخل الإيراني نفسه تمارس سلوكاً طائفياً مقيتاً؛ إذ لا تكف عن تلفيق التهم صباح مساء لإعدام أهل السنَّة والجماعة، فضلاً عن هدم مسجدهم الوحيد في طهران؛ مع أن أمريكا نفسها التي تصفها إيران ب (الشيطان الأكبر والصنم الأكبر) لا تمنع المسلمين، سنَّة وشيعة، من أداء شعائرهم في مساجدهم، مع اختلاف العقيدة جذريَّاً. بجانب التفرقة العنصرية البغيضة التي تمارسها إيران ضد إخوتنا عرب الأحواز بسبب ارتدائهم الزَّي العربي والصلاة جماعة.. فأي دين هذا و أي ثورة تلك؟!
وهم داعش وعبثها:
يقولون عنها (الدولة الإسلامية)، وأقول بملء الفاه إنها (الدولة الوهمية العبثية المزعومة)، تكونت من شرذمة عملاء مخابرات عالمية، غربية إيرانية صهيونية، من حثالة المجتمعات وأكثرها جهلاً وحقداً وظلماً وانحرافاً وإجراماً وقسوة وبعداً عن الدين، واستهتاراً بأرواح الناس، لاسيما الأبرياء الضعفاء من النساء والأطفال وكبار السِّن. فالكل يشهد اليوم على ولوغهم في الجريمة بكل أشكالها، لتمزيق جسد الأمة وتعريض استقلال بلدانها للخطر وتفريق وحدتها وتبديد ثرواتها، لكي يجد الغرب مسوغاً دائماً لاستغلال المنطقة، وتترسخ أقدام الدولة الصهيونية أكثر فأكثر في أرض فلسطين؛ وتجييش العالم كله للحرب على الإسلام والمسلمين، خاصة الأقليات من إخوتنا الذين يعيشون بين ظهراني الغرب، إذ بعد كل عملية انتحارية عبثية، يتنفس المسلمون هناك الصعداء، فتحرق مساجدهم ويكال إليهم السب والشتم، فضلاً عن نظرات الازدراء والاحتقار حتى من الأطفال. وأبسط مثال ما يحدث الآن في بلجيكا التي زلزل مطاراتها وقطاراتها وهم داعش وعبثهم، ومن قبلها فرنسا، مع عدد أن المسلمين في بروكسل أكثر من عدد المواطنين الأصليين.
وليس هذا اتهاماً جزافاً، بل قول يصدقه واقع الحال، فالإرهابيون الذين تم القبض عليهم في بلجيكا مؤخراً، ثبت أنهم من مرتادي الحانات، ومتعاطي المخدرات، وسارقي السيارات، وخريجي السجون، إضافة للداعشي الأسير لدى أكراد سوريا، الذي ظهر مؤخراً على قناة ال(BBC) ينفث دخان سيجارته بين شعر لحيته (الكثَّة) على الشاشة، في مشهد خارج عن أي ذوق أو أخلاق. فضلاً عن شبق الدواعش بالجنس ومتاجرتهم بأعراض الحرائر، في ممارسات مخزية، لا يفعلها حتى أولئك الذين يحاربونهم باسم الدين.
ولا أقول إن جرائم هؤلاء الدواعش (الفواحش) لا تحصى فحسب، بل إن ممارساتهم كلها تقوم أساساً على الجريمة والتآمر، وأراهن الجميع أن يذكر لي و لو حسنة واحدة فقط لهؤلاء الجهلة الغوغائيين، الذين يصبون الزيت على النار كل يوم، وينشرون الخراب والدمار.
وأعرف أن هؤلاء لا يفهمون ولا يُردعون إلا بمنطقهم نفسه الذي جرأهم علينا، ولهذا أكتفي هنا فقط بتذكيرهم بالرحمة التي لم يعرفها قلبهم، ولم تدخل قاموسهم مطلقاً.. رحمة الله سبحانه وتعالى بخلقه التي غلبت غضبه، بل حتى بالحيوان. الرحمة التي هي جوهر هذا الدِّين الذي أرسل الله به رسوله رحمة للعالمين، كما جاء في سورة الأنبياء الآية (30)، إذ يقول الله الرحمن الرحيم، مخاطباً رسوله الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).
الرحمة التي اشتق الله منها اسمين من أسمائه الحسنى (الرحمن الرحيم)، فاتصف عزَّ و جل بالرحمة العامة الشاملة، وخلق عباده ورزقهم وهداهم سبلهم، وأمهلهم فيما استخلفهم وخوَّلهم، واسترعاهم في أرضه، واستأمنهم في ملكه ليبلوهم أيهم أحسن عملاً. وقد شملت رحمته سبحانه وتعالى في الدنيا الناس جميعاً، مؤمنهم وكافرهم. و ورد اسم (الرحمن) في القرآن (57) مرة، في حين ورد اسم (الرحيم) (114) مرة، بعدد سور القرآن.. سبحان الله، وجاء اسم (الرؤوف) (10) مرات. وافتتحت كل سورة في القرآن، ما عدا سورة التوبة، ب (بسم الله الرحمن الرحيم).
أما رحمة الرسول، الذي لم يرسله ربُّه إلا رحمة للعالمين، فقد شملت الإنسان والحيوان والنبات وحتى الجماد؛ أما سمعتم قوله عليه الصلاة والسلام مخاطباً جبل أحد: (أحد جبل يحبنا ونحبه)؟ فالرحمة ديدن حياته التي لم تخرج لحظة واحدة عن هذا المفهوم السامي، حتى في أصعب اللحظات، وهو يتعرض لظلم يستهدف حياته الشريفة، لكنه لم ينتقم لنفسه قط، ولم يحمل الناس كرهاً على الإسلام؛ فكان يصبر ويحتسب ويخاطب قومه: (إنما جئتكم من الله بما بعثني به، وقد بلغتكم رسالات الله، فإن تقبلوه فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه عليَّ أصبر لأمر الله تعالى حتى يحكم الله بيني وبينكم)، ولم يلعنهم أو يسبهم أو يتوعدهم بجز الرؤوس والصلب؛ بل لم ينتقم حتى بعد أن أظهره الله ونصره عليهم.. بل زاد في الكرم معهم: (اذهبوا فأنتم الطلقاء). ومما جاء في خطبته بعد فتح مكة، أمام الأعداء المهزومين: (لا أسرق ولا أزني ولا أقتل نفساً بغير حق، ولا أقتل البنات ولا آتي ببهتان). فعفا عليه الصلاة والسلام، عن هبّار بن الأسود، مع أنه كان سبباً في وفاة السيدة زينب بنت رسول الله، كما عفا عن عكرمة بن أبي جهل، مع كل ما تعرفونه له من سجل غير مشرف في قتال المسلمين، فضلاً عن أنه ابن أبي جهل. واستقبل، عليه الصلاة والسلام، عبد ياليل بن عمرو بن عمير، حين جاءه على رأس وفد ثقيف، مع أنه هو الذي سلَّط عليه الصبية، وأشرار الناس وأوباشهم يضحكون عليه ويهزؤون منه، عندما جاءه في جبل الطائف، بأبي هو وأمي، وأشار عليهم بإلقاء الحجارة والوحل على النبي؛ فصبر رحمة بهم ولم يدع عليهم بالهلاك، ولو فعل لما خذله ربُّه. بل امتدت رحمته عليه الصلاة والسلام، لتشمل المعاهد الذمّي، إذ يقول: (من قتل معاهداً، لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها يوجد عن مسيرة أربعين عاماً). فهذا هو ديننا أيها الدواعش، رحمة للعالمين في كل أمره.
أما أنتم، فقد أحسن أخي صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل عندما سمّاكم (فاحش). وهو قطعاً محق، إذ لم تتركوا فاحشة إلا ارتكبتموها، بل زدتم عليها حتى خجل من فحشكم وبغيكم الشيطان. ولهذا تستحقون إن أضيف إليكم اليوم اسماً جديداً تستحقونه بجدارة: (جاهل)، فلا أحد يجرؤ على ما اقترفتموه في حق الإنسانية غير جاهل مثلكم، عشّشّ الجهل المطبق في رأسه، فأعماه عن كل شيء. فأي دين هذا الذي تدّعونه، وأي جهاد وأي (فحش) وأي (جهل).. قاتلكم الله أنّى كنتم.
أوروبا.. يداكِ أوكتا:
قطعاً، يحزن كل إنسان سوي لكل قطرة دم تراق ظلماً، أينما كان، إذ ليس من حق أحد أن يصادر حق الآخرين في الحياة تحت أي مسوغ. ولهذا أرى في ما تشنه عصابات الموت والدمار من خراب وتعدٍ على الحرمات وتعطيل لحياة الناس في طول العالم وعرضه، إجحافاً لا يمكن وصفه في حق البشرية. مما يوجب تعاون الجميع لقطع دابر الإرهاب، أيّاً كان مصدره.
وقد سبق أن حذّرت (وغيري) الغرب في أكثر من مقال، من سياسة الكيل بمكيالين، والاهتمام بمصالحه من خلال دعم أنظمة الحكم المتسلطة أمنياً وعسكرياً، دونما اعتبار لحق الشعوب في العدالة؛ وأكدت أن الحل يكمن في التفكير في الخير للجميع، عبر ترسيخ أنظمة حكم سياسية رشيدة ومسؤولة. بل سبق فقيدنا الملك عبد الله بن عبد العزيز، رحمه الله، الجميع، فحذَّر أوروبا وأمريكا من إرهاب الدواعش، لكنهم لم يأخذوا الأمر على محمل الجد. فاستيقظوا على خمسة آلاف مجند من مواطني الاتحاد الأوربي وحده في صفوف الدواعش، وأرهقت ميزانيتهم بسبب تشديد الإجراءات الأمنية الاحترازية؛ ومع ذلك حدث ما لم يكن في الحسبان، فاستيقظت بلجيكا، للأسف الشديد، على أسوأ كارثة دموية لم تعرف لها مثيلاً منذ الحرب العالمية الثانية، ومن قبلها فرنسا، ولا أحد يدري عمَّا يخبئه المستقبل من شر مستطير للعالم كله، إن لم يتكاتف الجميع.
وعلى كل حال، كما يقولون في الغرب (ما يزال دوماً في الوقت متسع)، وعليه، أتمنى صادقاً ألا يخطئ الغرب التقدير هذه المرة أيضاً، فيسعى جاداً لحل قضية فلسطين على أساس عادل، ومناصرة الشعوب المظلومة والكف عن دعم الأنظمة القمعية التي تساند الإرهاب وتبدد ثروات شعوبها، والعمل على تحقيق المصالح المشتركة، بعيداً عن نظرية المؤامرة والاستغلال. هذا هو السبيل الوحيد لحياة آمنة، فالناس في هذا العالم كالمسافرين في سفينة واحدة، ولن يصل أحد إلى وجهته إن لم يعمل الكل بإخلاص من أجل الآخرين.
الاعتماد على الله ثم على الذات:
تعلمنا في المدارس العسكرية أن من أراد الانتصار في الحرب فعليه امتلاك القوة، ومن أراد العيش في سلام فعليه امتلاك القوة، ومن أرادهما معاً فعليه أيضاً امتلاك القوة. وتعني القوة هنا القدرات البشرية المتعلمة المدربة، والتقنية العلمية التي توفر الأجهزة المتطورة اللازمة والآليات والمعدات، وقبل هذا وذاك، عقيدة خالصة صادقة، وولاءً لا تشوبه شائبة.
ولهذا علينا أن نشمِّر عن الساعد، ونعمل بجد لتأهيل كوادرنا البشرية كما ينبغي، ونغلق ملف المعلم الأجنبي والمدرب الأجنبي إلى الأبد، ثم ننشئ مصانع للسلاح بكافة أشكاله وآلياته ومعداته، على أعلى مستويات التقنية العالمية، ونستمر في تطويره يوماً بعد يوم. وينبغي ألا نتهاون في هذا أبداً، فامتلاك السلاح والمال والتقنية اللازمة، والكوادر البشرية المؤهلة في هذا المجال، يعد أول بند في المحافظة على الأمن القومي لأية دولة أو أمة.
وصحيح.. لن يكون تحقيق الاكتفاء الذاتي في هذا المجال أمراً سهلاً، غير أنه لن يستحيل على إرادة قوية وعزم ماضٍ كعزم سلمان وإخوته قادة دول التحالف العربي الإسلامي.
فها هي أمريكا، أعظم قوة في العالم اليوم، لم تكن تمتلك شيئاً في التقنية والصناعة أيام كانت مستعمرة من قبل بريطانيا، فاستقطبت الخبرات من كل أنحاء العالم بعد الاستقلال ووفرت لهم البيئة المناسبة، وبعد أن طوّعت العلوم وامتلكت ناصية الصناعة، ابتكرت حكاية حقوق الملكية الفكرية الوهمية هذه، لتحول دون تسرب صناعتها للآخرين، فسخَّرت المال والسلاح لتسود العالم.
وتلك هي الصين، تعرضت لثمانية اعتداءات، مزَّقت وحدتها واستغلت خيراتها وجوَّعت أهلها وشردتهم، وعندما ملكت أمرها ووحدت صفَّها، استفادت من الدرس، فعملت بجدٍ حتى بلغت مرحلة الاكتفاء الذاتي في جميع المجالات تقريباً. وتملك اليوم أضخم جيش في العالم وأقواه، يتكون من مليوني عنصر مدربين ومجهزين كأفضل ما يكون التدريب والتجهيز، مما يجعل مجرد التفكير في الاعتداء عليها اليوم، مغامرة محفوفة بالمخاطر.
وأخشى ما أخشاه أن يكشِّر الغرب عن أنيابه بعد أن رأى تآلفنا وتعاضدنا وعزمنا على العمل المشترك، فيمنع عنّا السلاح والآليات والمعدات، ليملي شروطه علينا وفق ما يظل يخدم مصالحه إلى الأبد. فلنشمِّر عن الساعد اليوم، ونعمل بجدٍ لتمزيق فاتورة المستشارين والخبراء الأجانب، والسلاح والآليات والمعدات والأجهزة الأجنبية، ولنصنِّع كل شيء داخل دولنا، لاسيما أننا نمتلك كل الموارد اللازمة، من المال والعقول البشرية الخلاقة في دولنا، وينقصنا فقط القرار السياسي الحازم كحزم سلمان، العازم كعزمه، الصادق كصدقه وصدق إخوته قادة دول التحالف الإسلامي العربي.
فكما نعلم اليوم، أنه ثمّة ثلاثة عوامل مهمة، تدفع لاتخاذ القرار بشن أي حرب، هي: الأهداف، التكلفة المادية والبشرية والنتائج. فامتلاكنا لترسانة أسلحة قوية ومتطورة، قادرة على إلحاق الأذى بالمعتدي، يديرها أبناؤنا من الألف إلى الياء، تجعل أية قوة في العالم تفكر ألف مرة قبل أن تغامر بالاعتداء على دولنا. لأنها لن تحقق أي هدف، وسوف تكون تكلفة ذلك باهظة عليها، فوق قدرتها. وبالتالي لن تحقق أي نتائج. فموضوع التسلح أمر خطير على وجود أية دولة في عالم اليوم، الذي لم يعد يعرف منطقاً لغير الشديد القوي. وعليه، ينبغي أن نسعى جميعاً لامتلاك كل ترسانات الأسلحة التي تحقق الردع المطلوب لكل من يهدد أمننا ووجودنا، عملاً بما يعرف في العلوم العسكرية ب (المسار التوأم) أي امتلاك الأسلحة نفسها التي لدى العدو، دونما أدنى اعتبار لأية خطوط حمراء يحاول الكبار وضعها حجرة عثرة في طريق تقدمنا، تحول دون تفوقنا عليه.
فإن نحن حقاً فعلنا، وإنا لقادرون بعون الله وتوفيقه، وتمكنا من ترسيخ تحالفنا هذا على غرار حلف وارسوا وحلف شمال الأطلسي، بحيث يعد أي هجوم على أية دولة في الحلف، هجوماً على الدول الأخرى كافة، وبالتالي يلتزم الجميع بالدفاع عن العضو المعتدى عليه، تحقيقاً لمبدأ (المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص، يشد بعضه بعضا).. أقول، إن نحن حققنا هذا، فساعتئذٍ لن يهضم لنا حق، وسيعمل العالم (الأول) ألف حس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.