تنعقد اليوم بالرياض قمة دول مجلس التعاون الخليجي، التي تأتي في سياق خاص من خلال مشاركة أخيرة للرئيس الأمريكي باراك أوباما والوفد الوزاري المرافق له في مباحثات هذه القمة. بطبيعة الحال، هناك الكثير من التحديات التي سيتم تداولها، وهي تحديات أشار إليها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، خلال اجتماع وزراء الدفاع لدول مجلس التعاون الخليجي ومشاركة وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر. كل المؤشرات تدل بوضوح على الهاجس الأمني والإقليمي لموضوعات هذه القمة، سواء لجهة مشاركة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، أو لطبيعة الوفد المرافق له الذي ضم إلى جانبه كلا من: وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر، ومستشارة الأمن القومي سوزان رايس، ورئيس الاستخبارات الأمريكية. وهي هواجس زاد منها في المنطقة؛ السياسات السلبية لإدارة الرئيس أوباما في أكثر من ملف؛ ابتداء من الملف السوري، والموقف من إيران، والوضع في اليمن، وانتهاء بإسرائيل، الأمر الذي عكس فتورا واضحا في العلاقة بين الولاياتالمتحدة ودول الخليج في السنوات الأخيرة من ولاية أوباما. من ناحية أخرى، تأتي زيارة الرئيس الأمريكي للمشاركة في هذه القمة، في توقيت حرج ومناخ متوتر في المنطقة، لعبت السياسة الخارجية للولايات المتحدة دورا سلبيا خطيرا فاقم من مراكمة أزماته. ولعل هذه الأجواء المضطربة في العلاقة بين الولاياتالمتحدة والخليج، لا سيما بعد تصريحات الرئيس أوباما الشهيرة في حوار له مع مجلة "أتلانتيك"، حيث بدا فيه أوباما أقرب إلى إيران، ويائسا من العرب – هي ما حفزت أوباما إلى اتخاذ بعض الإجراءات الرمزية لتبرير موقفه ورفع الحرج عنه، وذلك عندما هدد باستخدام حق الاعتراض "الفيتو" ضد تمرير مشروع قانون في الكونغرس يسمح للمواطنين الأمريكيين بمقاضاة الدول الأجنبية ورفع الحصانة الدبلوماسية عن مواطني تلك الدول إذا ما تأكد أن لهم علاقة بأي هجمات إرهابية ضد الولاياتالمتحدة، في إشارة واضحةإلى إمكانية السماح بمقاضاة محتملة لمواطنين سعوديين على خلفية أحداث 11 سبتمبر 2001 الإرهابية في نيويورك. ويأتي في سياق هذه الخطوات: تسيير الدوريات المشتركة للسفن الأمريكية والخليجية لمتابعة ومراقبة محاولات إيران لتهريب الأسلحة عبر الخليج إلى اليمن وغيره من دول المنطقة. قد تبدو هذه الإجراءات علامة حسن نية، لكنها تأتي في زمن متأخر ونهايات حقبة حكم أوشكت على الأفول. هناك الكثير من الدلالات الرمزية التي لا تخطئها العين، والتي يمكن تفسيرها وفق إشارات واتجاهات تدل على معاني يراد تمريرها للناس، على خلفية زيارة الرئيس الأمريكي الأخيرة للمملكة. كما أن هناك الكثير مما يمكن أن تتمخض عنه هذه القمة الخليجية – الأمريكية، سواء بالنسبة لوفد إدارة الرئيس أوباما الذي جاء ليرصد طبيعة التحولات التي ضربت العلاقات الأمريكية – الخليجية، أو لجهة دول الخليج التي بات واضحا أنها اليوم أكثر إدراكا لضرورة التحصين الذاتي لمنظومة دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية، من أي وقت مضى، بعد أن شكلت تجربة "عاصفة الحزم" اختبارا حقيقيا للدور الذي تقوم به بعض دول المنطقة الإقليمية كإيران من أجل زعزعة أمن الخليج واستقراره. سيسمع أوباما من القادة الخليجيين، وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، كلاما واضحا ومكاشفة صريحة حيال الكثير من الهواجس والتحديات الأمنية التي ستشكل مادة أساسية على مائدة القمة الأمريكية – الخليجية. العلاقة بين الولاياتالمتحدة ودول الخليج في نهايات عهد أوباما تواجه الكثير من الاستحقاقات التي تفرضها طبيعة التحالف التاريخي بينهما. وبلا أدنى شك، فإن هذه العلاقات الاستراتيجية لم تعد اليوم على النحو ذاته الذي كانت عليه قبل الاتفاق النووي بين إيران، والولاياتالمتحدة والدول الغربية في العام الماضي. ولكل هذا، ربما تكون هذه القمة الخليجية – الأمريكية فرصة للمكاشفة الأخيرة والمصارحة الكاملة بين دول الخليج وإدارة الرئيس أوباما. فعلى الأقل، سيعود الرئيس الأمريكي باراك أوباما والوفد الوزاري المرافق له إلى الولاياتالمتحدة، لينقلوا إلى صانعي السياسة الاستراتيجية في المستقبل ما جرى بينهم وبين قادة دول الخليج في هذه القمة الأخيرة للرئيس أوباما مع دول مجلس التعاون الخليجي في الرياض.