وزير الحرس الوطني يستقبل وزير الدفاع البريطاني    هيئتا "السوق المالية" و"العقار " توقعان مذكرة تفاهم لتنظيم المساهمات العقارية    الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي يدعو الدول الأعضاء إلى نشر مفهوم الحلال الأخضر    أمين الأمم المتحدة يؤكد في (كوب 29) أهمية الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية    إصابات بالاختناق خلال اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي بلدة الخضر جنوب بيت لحم    جرائم بلا دماء !    «خدعة» العملاء!    «قمة الرياض».. إرادة عربية إسلامية لتغيير المشهد الدولي    الحكم سلب فرحتنا    الخرائط الذهنية    احتفال أسرتي الصباح والحجاب بزواج خالد    عبدالله بن بندر يبحث الاهتمامات المشتركة مع وزير الدفاع البريطاني    علاقات حسن الجوار    «السوق المالية»: تمكين مؤسسات السوق من فتح «الحسابات المجمعة» لعملائها    6 ساعات من المنافسات على حلبة كورنيش جدة    عاد هيرفي رينارد    الشؤون الإسلامية في منطقة جازان تقيم مبادرة توعوية تثقيفية لبيان خطر الفساد وأهمية حماية النزاهة    مدارسنا بين سندان التمكين ومطرقة التميز    لماذا فاز ترمب؟    في أي مرتبة أنتم؟    الشؤون الإسلامية بجازان تواصل تنظيم دروسها العلمية بثلاث مُحافظات بالمنطقة    باندورا وعلبة الأمل    الصين تتغلب على البحرين بهدف في الوقت القاتل    هاتفياً.. ولي العهد ورئيس فرنسا يستعرضان تطورات الأوضاع الإقليمية وجهود تحقيق الأمن    NHC تعزز وجهاتها العمرانية ب 23 مركزًا مجتمعياً بقيمة تتجاوز نصف مليار ريال    خالد بن سلمان يستقبل وزير الدفاع البريطاني    القبض على (7) مخالفين في جازان لتهريبهم (126) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    فريق الرؤية الواعية يحتفي باليوم العالمي للسكري بمبادرة توعوية لتعزيز الوعي الصحي    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    مركز صحي الحرجة يُنظّم فعالية "اليوم العالمي للسكري"    تبرعات السعوديين للحملة السعودية لإغاثة غزة تتجاوز 701 مليون ريال    إجتماع مجلس إدارة اللجنة الأولمبية والبارالمبية السعودية    «الداخلية» تعلن عن كشف وضبط شبكة إجرامية لتهريب المخدرات إلى المملكة    أمير المدينة يلتقي الأهالي ويتفقد حرس الحدود ويدشن مشروعات طبية بينبع    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت".. في جدة    الأمير عبدالعزيز بن سعود يرأس اجتماع الدورة الخمسين للمجلس الأعلى لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    اختتام مؤتمر شبكة الروابط العائلية للهلال الأحمر بالشرق الأدنى والأوسط    انعقاد المؤتمر الصحفي للجمعية العمومية للاتحاد الدولي للخماسي الحديث    "محمد الحبيب العقارية" تدخل موسوعة جينيس بأكبر صبَّةٍ خرسانيةٍ في العالم    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    عصابات النسَّابة    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    هيبة الحليب.. أعيدوها أمام المشروبات الغازية    الخليج يتغلّب على كاظمة الكويتي في ثاني مواجهات البطولة الآسيوية    198 موقعاً أثرياً جديداً في السجل الوطني للآثار    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    استعادة التنوع الأحيائي    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    أفراح النوب والجش    حبوب محسنة للإقلاع عن التدخين    أهميّة التعقّل    د. الزير: 77 % من النساء يطلبن تفسير أضغاث الأحلام    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    أجواء شتوية    مقياس سميث للحسد    الذاكرة.. وحاسة الشم    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الألتراس يحرج الرئيس السيسي وينتزع لقاء القصاص
تحول إلى صداع مزمن في رأس الأمن المصري
نشر في الوئام يوم 19 - 02 - 2016

أثارت مبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسي وإعلانه عن استعداده للحوار مع فرق الألتراس، التى هتفت ضد الجيش والشرطة؛ مطالبة بالقصاص لدماء الشهداء، معترضة على بعض أحكام القضاء، وممارسات الأمن، موجة من الجدل داخل الوسط السياسي والمجتمع الرياضى، داخل مصر وخارجها. فريق يؤيد تشجيعا لمبدأ احتواء الشباب وعدم تهميشهم، وآخر يعارض؛ معتبرا ذلك تدخلا في شئون القضاء وإحراجا للرئيس.
ويعود مع هذا الجدل ظهور الألتراس مجددا على الساحة بعد مدة إجبارية من الاختفاء القسري فرضتها أجهزة الأمن، ودعاوى قضائية تطالب بحل هذه الروابط الكروية واعتبارها جماعات إرهابية.
وتستند الإجراءات الأمنية والدعاوى إلى مشاركة هذه الفرق في عدد من جرائم العنف التى شهدتها مصر إبان ثورة 25 يناير وما أعقبها من فوضى وأحداث شغب، كان الألتراس سببا رئيسيا في اندلاعها، انتقاما من وزارة الداخلية.
وشكل إعلان الرئيس عن رغبته في لقاء عشرة من الألتراس للوقوف على مطالبهم وأسباب ودوافع هتافاتهم المعادية للشرطة والجيش في مباراة النادي الأهلي وسموحة، مفاجأة كبيرة للمتابعين لنشاط الألتراس منذ نشأته في مصر كظاهرة رياضية وحتى استدراجه وتحوله إلى حركة سياسية واجتماعية تسبب صداعا مزمنا لأجهزة الدولة السيادية، منذ وقوع مذبحة استاد بور سعيد الشهيرة، والتى لم تختم بعد فصول قضيتها قضائيا.
"الوئام" تفتح هنا ملف الألتراس الشائك، وتقف عند نشأته وتطوره ودوره في تشكيل الذاكرة الجمعية للرياضة العالمية، وإلى أي مدى يمكن اختراقه واستغلاله في بعض الدول العربية جسر من قبل بعض الجماعات السياسية والدينية لتحقيق مآرب وأهداف خاصة، مستغلة حماس الشباب وقدرة فرق الألتراس على الحشد السريع، والتظاهر المنظم في الشوارع والميادين الرئيسية؟ وتطرح "الوئام" السؤال هل نجح الألتراس في فرض نفسه ككتلة بشرية يمكنها قلب المعادلات الثورية وإجبار بعض الحكومات على الانصياع لمطالبها ؟
وقبل أن ندلف إلى نشأة الظاهرة، وموطنها الأصلي، من المهم أن نشير أولا إلى أن الكلمة أصلها لاتيني، وتعني الشيء الفائق أو الزائد على الحد وقد أطلقتها بعض المجموعات وروابط التشجيع الرياضى على نفسها تعبيرا عن حالة التعصب والولاء الشديد لأنديتها وجمهورها.
النشأة الأولى
لم يجمع المؤرخون الرياضيون على تاريخ واحد لنشأة الألتراس عالميا، ولكن فريقا منهم يرجح أن البداية الأولى كانت في المجر عام 1929 على يد مشجعي نادي فرنسفاروش، ومن المجر انتقلت إلى إيطاليا عام 1936تحت مسمى "التورسيدا ". ويميل آخرون إلى أن موطنها الأصلي كان في إيطاليا ومنها انتقل الى المجر ثم إلى أوروبا الشرقية عام 1950، عبر جماهير نادي "هايدوك سبليت" الكرواتي – اليوغوسلافي. ثم تنتقل إلى أمريكا الجنوبية عام 1963 حيث انتشرت في البرازيل، ومن هناك تقتبسها أندية فرنسا ثم إنجلترا في بداية الثمانينيات من القرن الماضى، وبعدها تقتحم الظاهرة لكافة دول أوروبا.
البداية العربية
يعد نادي الأفريقى التونسى أول ناد عربي تؤسس جماهيره رابطة أو جماعة لتشجيعه ومؤازرته في كل بطولاته، وأطلق مشجعو النادي على أنفسهم عام 1995(ألتراس الأفريكان وينرز) وسرعان ما قلدته بقية الأندية التونسية مثل الترجي الذي يضم ثلاث مجموعات ألتراس هي "المكشخين، السوبراس، والبلود آند جولدي"، ومن تونس امتدت الظاهرة إلى المغرب الذي تنتشر به 50 مجموعة ألتراس تتصدرهم مجموعة "الوينرز" الخاصة بفريق الوداد ثم مجموعة "الجرين بويز" التي تشجع فريق الرجاء البيضاوي. وفي عام 2007 عرفت مصر الظاهرة عبر ألتراس أهلاوي، ثم ظهرت في عام 2008 مجموعات ألتراس بالأردن عبر التراس" جرينز" الخاص بنادي الوحدات، ثم امتدت الظاهرة إلى الشام فانطلق من سوريا بدعم من نادي الكرامة وعبر رابطة "بلوصن".
ومع أن مصطلح الألتراس يعني والولاء الزائد عن حده لفريق ما أو لجهة أو جماعة بعينها، إلا أنه في العالم العربي يعبر عن حالة خاصة جدا بشباب تلك المنطقة، تحمل سماتها وقيمها الأخلاقية وتقاليدها الاجتماعية، وتركيبتها السياسية وأنظمتها الحاكمة. وهوما يميز نشأتها وبدايتها الهادئة المتزنة، التى تستهدف امتاع الجماهير بالأناشيد والأغاني الكروية الحماسية.
ورغم انتشارها عربيا، إلا أنها ما زالت محدودة خليجيا، وإن كانت تتميز بانضباطها وعدم تدخلها في الشئون السياسية، والتفرغ التام لخدمة النادي والجماهير.
هدف هؤلاء آنذاك كان رياضيا بحتا، فمع عالم الألتراس يتصرفون بحرية تامة وبدون أي قيود، ولا يترددون في إظهار تعصبهم الشديد لناديهم، ولا تهدأ لهم حركة يبدون خلالها تشجيعهم الحماسي، دون أن تتلون مشاعرهم أو يرتدوا أي قناع سياسي. فالأولوية والانتماء هنا للنادي، فهو بالنسبة لهم وطنهم الأول الذي يتغنون به، وينظمون له أجمل الأشعار والأهازيج ويعزفون له أعذب الألحان والشعارات.
ولم يأت ظهورهم في الساحة الرياضية العربية من فراغ، وإنما من رغبة وإصرار من قبل هؤلاء الشباب لأن تكون لهم كلمتهم داخل المدرجات، تعويضا عن عدم سماع صوتهم في الحياة العامة، ولذا تكون فرحتهم وسعادتهم لا توصف عندما يكون لأناشيدهم وأهازيجهم تأثير السحرعلى أداء فريقهم، وخاصة في المباريات المهمة محليا ودوليا، وذلك على غرار ما كانوا يشاهدونه من فرق التشجيع المعروفة باسم (الألتراس) في دول أمريكا الجنوبية وأوربا، موطن النشأة الأولى لفرق الألتراس عالميا، قبل أن تنتقل إلى الدول العربية، انطلاقا من تونس إلى جيرانها شرقا وغربا.
وتعبر هذه الخصوصية في مجملها عن حالة اغتراب داخلي تعيشها فئة من الشباب العربي، يجدون في هذه الروابط الرياضية متنفسا طبيعيا للتعبير عن طاقة إيجابية مختزنة بداخلهم، قرروا توجيهها إلى شيء مفيد، بعيدا عن قبضة الدولة وروتينها،حيث أصبح النادي هنا بالنسبة لهم قضيتهم المحورية والأساسية وكل شيء في الحاضر والمستقبل.
وعودة إلى الرئيس السيسي ولقاء الألتراس، من المهم أن نشير أيضا إلى أن ظهور الألتراس في مصر كان عفويا وتلقائيا خلال احتفال النادي الأهلي بمئويته الأولى عام 2007. ففي ذلك الحفل فوجيء الحضور بمجموعة من الشباب تترواح أعمارهم ما بين 14 و20 عاما فأكثر، يتصدرون الحفل، يرددون بعض الهتافات التشجيعية بنغمة وطبقة صوتية خاصة ومرتبة، ويطلقون على أنفسهم "ألتراس أهلاوي ".ومن أشهر الهتافات الاهلاوية: "النادي الأهلي في قلبي لآخر عمري" النادي الأهلي مش عزبة حد، اللي بيهتف أبناؤه بجد".
ومن الأهلي انتقلت العدوى إلى الأندية المصرية الأخرى، وسرعان ما تكونت روابط رياضية تحمل شعارات الألتراس، ومن أشهر هذه الروابط "ريد ديفيلز" بالنادي الأهلى، و" الفرسان البيضاء" بنادي الزمالك، "التنين الأصفر" بالنادي الإسماعيلى، السحر الأخضر بالنادي المصري، والنسور الخضراء بنادي الاتحاد السكندري، وغيرها من الروبط التي شكلت في مجملها ظاهرة كروية رياضية جديدة قبل أن تصبح حركة اجتماعية مؤثرة، فرضت نفسها داخل الأندية الكبرى، بخصوصيتها ومؤيديها الذين تجاوزوا الآن حدود الملايين.
تشكيلات خاصة
ومع أن فرق الألتراس أصبحت أكثر تنظيما وترتيبا، إلا أن بعضها ما زال يفتقد إلى القيادة الهرمية المطلوبة في قيادة الحشود والتجمعات الكبرى. وتخضع فرق الألتراس لتنظيم خاص لا يوجد إلا بها، تسند من خلاله مهام وألقاب معينة لقيادات المجموعة أو الفرقة، ولكل مجموعة من المهام قائد معين، فيطلق لقب "الكابو" مثلا على قائد التشجيع الأول، فهو المسؤول عن نوعية الأغاني واختيار الهتافات وحركات الأيدي والتشكيلات الجسدية المتعارف عليها في المدرجات، كما أنه المسئول عن تحديد أوقات خروج هذه الأغاني وتلك الحركات، وعلى الجميع الالتزام بتوجيهاته.
وتضم تشكيلات الألتراس ما يعرف باسم ( الباتش )، ومهمة هؤلاء حمل اللافتة الكبيرة التى تحمل اسم وشعار المجموعة، وضياع هذه ( اليافطة ) كما يطلقون عليها يعنى ضياع شرف المجموعة وانتهائها. وإن أرادوا توصيل رسالة معينة إلى وزير أو مسئول، يشكلون بأجسادهم لوحة معينة يرسمونها بحركاتهم المبهرة في بداية المبارة، وتسمى هذه اللوحة باسم ( التيفو) أو الدخلة الأولى، وغالبا ماتوظف هذه الدخلة دائما ضد الأمن ؛ اعتقادا من الألتراس بأن الشرطة تقف أمام استمتاعهم العفوى بتشجيع أنديتهم، وتتعمد إهانتهم بتفتيشهم الدقيق جدا قبيل كل مباراة، ومنع دخول أدوات التشجيع. وعبثا حاولت الشرطة إقناعهم بأن ما تقوم به تجاههم جزء أساسي من واجبها في تأمين المباريات، والحد من نشر التعصب الأعمى والعنف وأعمال الشغب في الملاعب والمدرجات.
توحد حركات وخطوات هؤلاء الشباب الذين تجمعهم لغة واحدة وأهداف مشتركة، أثار حفيظة رجال الأمن، وباتت هذه الروابط الرياضية مصدر إزعاج دائم للمسئولين، وهو ما جعل مسيراتهم وخطواتهم وتحركات قياداتهم مرصودة ومحسوبة بدقة من قبل الأجهزة الأمنية والسيادية، ويبدو ذلك واضحا أثناء الأزمات السياسية؛ تحسبا من استغلال هذه ( الفرق الألتراسية) اإستغلالا خاطئا من جماعات الضغط المجتمعي أو القوى السياسية المعارضة للنظام الحاكم.
الأمن عدو لدود
وقد يرى البعض، ان الشرطة تقوم بالفعل بواجبها في متابعة ومراقبة بعض فرق الألتراس المتطرفة او العنيفة ، لكن فريقا آخر يرى ان هذا الواجب ينقصه شيء من المرونة والتعامل بحذر شديد في الظروف التى تعقب إندلاع الثورات، حيث يصبح تقدير مشاعر الشباب مسئولية ليست سهلة، ومن ثم يكون إحتواء غضبهم ويأسهم أمرا مطلوبا بل ضروريا، وهو ما لم تستوعبه سريعا أجهزة الأمن، التى كانت ومازالت تعتبر القنابل المسيلة للدموع والرصاص البلاستيكى أنجع الوسائل لتفريق تظاهرات الألتراس وحشودهم المنظمة.
وانعكس هذا العداء الكامن بين الطرفين، سلبا على العلاقة بينهما، وأصبح الألتراس من وجهة نظر الشرطة فرقا متمردة، وصار الأمن في عيون الشباب العدوالأول، وأطلقواعليه (أكاب). . وهو يعنى ان كل رجال الأمن أوغاد.(ACAB) All Cops A RE BASTARDS
أول احتكاك
وكان أول احتكاك أو مواجهة مباشرة بينهما مطلع عام 2010 خلال مباراة النادي الأهلي ونادي كفر الشيخ، ورغم أن المباراة كانت ودية إلا أن قيام أجهزة الأمن بمنع دخول الشماريخ، أثار حفيظة الشباب، والقى القبض على سبعة من ألتراس أهلاوى، ووجهت لهم ولأول مرة تهم إثارة الشغب ونشر الفوضى والإتلاف العمدى للمال العام.
ومنذ تلك الواقعة، استمرت العلاقة بين الأمن والألتراس في شد وجذب، إلى أن جاءت حادثة تعذيب الشاب خالد سعيد على يد رجال الأمن بالأسكندرية، فاعتبرها شباب الألتراس فرصة للانتقام من أجهزة الأمن، وتخلوا تماما ولأول مرة أيضا عن حيادهم السياسي، وانضموا لزملائهم من شباب الفيس بوك وشبكات التواصل الإجتماعي، والمواقع الالكترونية ضد تصرفات الشرطة، وعندما اندلعت ثورة 25 يناير2011 تصدروا المسيرات في الشوارع والميادين، وكانت لخبرتهم في الكر والفر دورا في مناورة أجهزة الأمن واستمرار المظاهرات لأطول وقت ممكن، وكان ذلك واضحا في جمعة الغضب وفي أحداث شارع محمد محمود في قلب العاصمة القاهرة، وغيره من الشوارع التي شهدت عددا من المعارك الجانبية بين الألتراس والشرطة، وأسفرت عن قتل وإصابة بعضهم.
انفجار الأحداث
وكان كل ذلك كفيلا بازدياد العلاقة توترا، وانفجار الأحداث مجددا في نفس عام الثورة (سبتمبر 2011) خلال مباراة الأهلي وكيما أسوان، عقب اشتباكات دامية بين الشرطة وألتراس أهلاوي، أسفرت عن إصابة نحو 150 واحتراق 20 سيارة.
ولهذا تعرضت مجموعات الألتراس لهجوم إعلامي شديد نتيجة انحرافها عن التشجيع الرياضي وانخراطها سياسيا، خاصة بعد ظهور قياداتها وأعضائها في العديد من الأحداث السياسية، ومنها مشاركتهم في حماية أسر الشهداء أثناء محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك وفي مليونية 9 سبتمبر التي انتهت باقتحام لمقر السفارة الإسرائيلية في القاهرة، وكذلك مشاركتهم في مظاهرات ميدان التحرير في شهر نوفمبر 2011، وتصدرهم الصفوف الأمامية في مواجهة قوات الأمن المركزى. سيارة.
ورغم كل الاحتياطات الأمنية (الوقائية والاستباقية)، نجحت جماعة الإخوان المسلمين في مصر (جماعة دينية تأسست عام 1923على يد حسن البنا) في استثمار مقدرة قيادات الألتراس على الحشد والتجييش لتحقيق أهداف معينة، خلال ثورة 25 يناير، وما أعقبها من تطورات وأحداث سياسية، حيث لعبت "الجماعة" على وتر تخوين بعض أجهزة الدولة لهؤلاء الشباب والطعن في انتمائهم وولائهم، وتمكنت بعض القوى السياسية الدينية الأخرى (السلفيون والجماعة الإسلامية)، من اختراق صفوف الألتراس وجرهم إلى عالم السياسة، وتوظيف قدراتهم في تخويف الدولة وإهانة أجهزتها والإساءة لرموزها. وتجلى ذلك في انضمام بعض فرق الألتراس مع شباب وأنصار حازم أبو إسماعيل (محبوس حاليا على ذمة عدة قضايا سياسية وجنائية) لتسيير المسيرات المعادية لوزارة الداخلية والدولة بشكل عام.
وتوالى بعد ذلك، قيام جماعات الإسلام السياسي بتشكيل روابط أو مجموعات احتجاجية على غرار روابط الألتراس، من أشهرها ألتراس نهضاوي عطفا على برنامج النهضة الذة كانت قد طرحته جماعة الإخوان المسلمين لإنقاذ مصر وألتراس أحرار، وغيرها من المجموعات السياسية المنظمة التى ظهرت بعد عزل الرئيس محمد مرسي وأعلنت رأيها المعادي لتصرفات بعض رجال الشرطة.
مذبحة بورسعيد
لم يمض عام واحد على واقعة أسوان؛ وبالتحديد في فبراير 2012 حتى فجع المصريون بأسوأ حادث في تاريخ الملاعب والألتراس، شهده استاد مدينة بورسعيد (إحدى محافظات إقليم قناة السويس في الشمال الشرقي للعاصمة القاهرة)، حيث سقط أكثر من 72 شهيدا وأصيب أكثر من ألف مشجع من ناديي الأهلي والمصرى، في مذبحة تردد أنها مدبرة لإحراج المجلس العسكري الذي كان يترأسه المشير طنطاوي وتسييس الألتراس.
وصارت هذه المذبحة علامة سوداء في العلاقة بين الألتراس ووزارة الداخلية والقوات المسلحة، التى اعتبرها الألتراس مسئولة أيضا عن الحادثة، لمشاركة بعض عناصرها في عملية تأمين الاستاد، وأعلنت روابط الألتراس تضامنها مع ألتراس الأهلي والمصري. ومنذ ذلك الحين لا تمر مناسبة كروية مهمة، إلا وتعلن فرق الألتراس تحديها لأجهزة الشرطة، واعتراضها على استمرار العمل بقانون الطواريء، وقانون تنظيم التظاهر، مطالبة بالقصاص من المتسببين في قتل شباب في عمر الزهور، ملمحة إلى تورط قيادات من الشرطة والمحسوبين على النظام في تدبيرها، مرددين شعارات معادية ومخيفة مثل «أنا مش جبان أنا مش جبان، أنا ميت ميت في الميدان»، "هم معاهم ضرب النار، واحنا معانا عزيز جبار" وهو ما جعل الشرطة تستنجد بالقضاء، مطالبة باعتبار الألتراس من الجماعات الإرهابية.
وبعد أن يئست فرق الألتراس من القصاص السريع لدماء شهداء المذبحة؛ نتيجة بطء التقاضي، حاولت لفت النظر مجددا إلى القضية بمحاولة اقتحام لوزارة الداخلية، تلاها محاولة متزامنة لمحاصرة مديرية أمن إسكندرية، وفي تلك الأثناء صدرت أحكام عقابية مشددة من القضاء المصري، تراوحت ما بين الإعدام والسجن لبعض شباب ألتراس النادي المصري، أثارت هذه الأحكام موجة غضب عارمة في مدينة بورسعيد، اندلعت على إثرها مواجهة جديدة، حاصر خلالها ألتراس المصري سجن بورسعيد لتهريب زملائهم المتهمين، وأسفرت المواجهة عن سقوط 50 قتيلا.
ولم تقتصر احتجاجات الألتراس على القضايا الداخلية فقط، ولكنها طالت أيضا، القضايا الخارجية، والزيارات الدولية، التى يقوم بها بعض الرؤساء والمسئولين الغربيين لمصر، واتخاذ مواقف احتجاجية مدروسة ومخططة، لإثبات تواجدهم وإصرارهم على تحقيق مطالبهم وأهدافهم. ومن أمثلة هذه المواقف والاحتجاجات، قيام ألتراس أهلاوي بقطع طريق مطار القاهرة وإشعال النيران في إطارات السيارات، أثناء زيارة جون كيرى وزير الخارجية الأمريكي للقاهرة وقبيل مغادرته للمطار في طريقه إلى واشنطن.
واستمرارا للعداء مع أجهزة الأمن، وسياسة إبرازالعضلات والشماريخ، أقدم أعضاء من ألتراس أهلاوي في مارس 2013 على حرق نادي الشرطة واتحاد الكرة، وتعبيرا عن حالة غضب مكبوتة، اشتبكت عناصر من ألتراس أهلاوي في فبراير عام 2014 مع قوات الأمن التى كانت تقوم بتأمين مباراة السوبر الإفريقي بين الأهلي والصفاقسي التونسي، في إستاد القاهرة وأسفرت عن إصابة 10 ضباط و15 مجندًا.
وباندلاع ثورة 30 يونيو، وتولي عبد الفتاح السيسي سدة حكم مصر، تفاءل الألتراس خيرا، ووقف بجانب الجيش، والتزمت قياداته التي تميل للتيار الليبرالي المنفتح سياسيا واقتصاديا، بعدم التصعيد، على وعد بالقصاص العاجل من المتورطين، في مذبحة بورسعيد، ولكن مع ازدياد قبضة الشرطة، وتعاملها بعنف مع المواطنين، ووقوع بعض حالات التعذيب داخل الأقسام، عادت مجددا حالة الكراهية للشرطة والتى غالبا ما تظهر مقرونة بالجيش، الذى تعتبره فرق الألتراس المسئول الأول عن عودة أجهزة الأمن لرعونتها ولسابق تصرفاتها المعروفة في عهد مبارك.
مبادرة الرئيس السيسي
وفي أول فرصة سانحة، استغلت فرق الألتراس مباراة الأهلي وسموحة ورددت هتافات معادية للشرطة والجيش معا، الأمر الذى أزعج مؤسسة الرئاسة ووزارة الدفاع في مصر، ووجد الرئيس السيسي نفسه مضطرا لإجراء مداخلة مع عمرو أديب مقدم برنامج القاهرة اليوم على قناة أوربت الفضائية لمعرفة أسباب ودوافع هتافات الألتراس ومطالبهم، ووعد الرئيس بإنصاف الشباب بشكل عام والألتراس بشكل خاص، بل طلب منهم اختيار عشرة من بينهم للقائه وللوقوق على الملابسات والإجراءات القضائية التى تمت في قضايا زملائهم، كنوع من طمأنتهم ولمصلحتهم ومحاولة جذبهم مرة أخرى لأحضان الوطن والدفاع عن قضاياه وتقديم المصلحة العامة على الخاصة.
وبشأن مبادرة الرئيس انقسم المجتمع المصري، فريق يؤيد وآخر يعارض، ولكل مبرراته ودوافعه، فالمؤيدون يرون أن الرياضة أصبحت من متطلبات الأمن القومي، واحتواء شباب الألتراس يعد جزءا أساسيا من هذا الأمن، ومطلبا ضروريا لتحقيق التوازن السياسي، ولسد نافذة تحاول جماعات الإسلام السياسي في مصر الولوج منها لزعزعة استقرار البلاد بمظاهرات أو مسيرات أو حتى احتجاجات داخل ملاعب رياضية، وخلال مناسبات دولية، يشاهدها العالم أجمع.
وانعكست حالة الانقسام هذه داخل مجلس النواب المصري، ورحب بعض النواب باستضافتهم ولقائهم داخل المجلس أسوة بلقاء الرئيس وهو ما طرحه وتبناه النائب محمد فرج عامر رئيس نادي سموحة، إيمانا منه بأن الفكر يواجه بالفكر لا منعه وقمعه. في حين اعترض آخرون مثل مرتضى منصور ومصطفي بكري، لإيمانهما بخروج الألتراس عن النص والمسار الرياضي وتحوله إلى حركة سياسية مزعجة للدولة.
ورغم محاولات أعضاء الألتراس إبعاد شبهة اعتراك السياسة، وتفرغهم للدفاع عن الرياضة والجمهور، إلا أن ممارسات بعض الفرق وقياداتها في السنوت الأخيرة تثبت عكس ذلك. ولا تخلو قائمة الاتهامات الموجهة لهم من قبل بعض العالمين ببواطن الأمور في أنديتهم من عقد صفقات سياسية وتحالفات سرية لصالح بعض الأحزاب والجماعات السياسية، وهو ما تنفيه دائما قيادات الألتراس.
ولكن لا يعني ذلك أنها تحولت إلى حركات سياسية بمعناها الشامل والمفهوم، فهي ما زالت عاجزة عن التحول إلى كيان سياسي مستقل، لأسباب عديدة بعضها يرتبط بفلسفة وطريقة تشكيل هذه الفرق ومحدودية فئاتها العمرية، ومنها ما يتعلق بثقافة أعضائها فأغلبهم طلاب صغار في المدارس والفرق الأولى بالجامعات، ويميلون للتمرد دائما، وثقافتهم سطحية ويفتقدون للخبرة، ولآليات وقواعد العمل السياسي، لا يرتهنون لآيدلوجية سياسية معينة، كما أأأنهم بوضعهم الحالي لا يمثلون إلا جسرا لبعض القوى السياسية في المجتمع، تستطيع من خلاله الظهور للتعبير عن مطالبها وطموحاتها وآمالها.
ولحين يلتقي الألتراس الرئيس المصري، سيبقى الجدل مثارا والسؤال قائما: ماذا تريد مجموعات الألتراس من الدولة، والى متى تبقى بتصرفاتها غير المسئولة سببا في حرمان الجماهير المصرية من الاستمتاع بحضور المباريات في المدرجات؟ وهل تخطط بالفعل لتأسيس حزب جديد تعتمد فيه على قواعدها الشبابية وخبراتها وقدرتها على الحشد وقيادة الجماهير أم ستبقى بحالتها الغامضة مجرد ظاهرة نحتاج إلى دراستها بعناية فائقة لكشف مستورها وتبيان الحقيقة للرأي العام؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.