قابلت يوماً رجلاً ناجحاً في تجارته، ووجدته نشيطاً متحمساً، لا يكلّ ولا يملّ، وكأنه وقع على بوابة سرداب كنوز قارون. ولقد لمست في صاحبي ميزة أنه مطّلع بشكل كبير على كل ما يتعلق بتجارته، وكيف يحقق نجاحه وأرباحه فيها. وهذه صفات ومهارات جيّدة يجب أن يتحلّى بها كلّ تاجر. لكن تُرى ما الذي لفت نظري هنا، وجعلني أسطّر هذا المقال!.. ذلك أنني سألت صاحبي سؤالاً واحداً؛ وصُدمت حقيقة عندما لم أجد أجابة واضحة لديه، وهو الخبير والمتمكّن في تفاصيل تجارته؛ وكان سؤالي منطقياً، وفي نظري أنه لا يمكن أن يخلو منه ذهن أي تاجر مسلم. لقد سألته : (هل هذا النوع من التجارة حلال؟) والإجابة هنا كما هو معلوم لا يكفيها نعم أو لا، بل يجب أن تُبنى على تفصيل دقيق للمسألة. والذي ظهر لي من ردة فعله أنه ربما نسي أمر هذا السؤال، ولم يخطر له على بال، عندما شرع في تجارته. أو أنه اعتمد كغيره على أحاديث المجالس حول مسائل الحلال والحرام. أو أنه ربما سأل من لا يعتدّ بعلمه في مثل هذه القضايا. وأنا أقول هذا الكلام لأن إجابته جاءت باهتة تدل على عدم فهمه، واقتناعه، وتمكنه. لقد عمل صاحبي بجد على جمع أصغر المعلومات وأندرها حول تجارته، وتغافل عن معلومة واحدة يمكنها أن تنسف جهده كله. وتمحق بركة عمله فلا تُقبل منه صدقة ولا زكاة، لأن "الله طيبٌ لا يقبل إلا طيبا"، "وكل جسد نبت من السحت فالنار أولى به". أو كما قال عليه الصلاة والسلام. ولكن ما هي فائدة الإجابة اليوم؟! بعد أن توسعت تجارته، ونما ماله! ثم هل لديه العزم على تركها وراءه، والبدء من الصفر لو علم بحرمتها؟!! من المؤكد أن صاحبنا ومن على شاكلته يعتقد أنه (معذور بالجهل) كما يقول عدد من الفقهاء. ثم لا أحد ينفي أن رحمة الله واسعة، ولكن هل نحن بالفعل معذورون أمامه سبحانه بالجهل! ونحن وسط هذا الكم الهائل من وسائل المعرفة وتقنيات التواصل؟! ولقد أصبحنا اليوم من كلّ إجابة أقرب. قال تعالى (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون). وقال المصطفى عليه الصلاة والسلام (إن الحلال بيّن، والحرام بيّن، وبينهما أمور مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات، استبرأ لدينه، وعرضه، ومن وقع في الشبهات، وقع في الحرام؛ كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يرتع فيه؛ ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه؛ ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب) متفق عليه. خلف العبدلي رابط الخبر بصحيفة الوئام: التاجر والحرام