في يوم اختفى فيه قرص الشمس قليلا بين سحب جبال منطقة الجوف شمال المملكة، صرخت «حياة» صرختها الأولى معلنة قدومها إلى الدنيا، زهرة جديدة في عائلة «الشمري»، وبينما كان والدها نشو عبد الكريم يستقبلها فرحا مثل كل الأباء، راسما قبلته الأولى على جبين صغيرته، ارتجف قلبه وجلا، كأن شيئا قد حدث سيخطف منها فرحة الحياة. في ذلك اليوم، الذي مضى عليه أكثر من خمس سنوات، لم يكن اختيار اسمها صعبا، فنظرات عينيها إلى أمها وأبيها حددته بسهولة، كأنها تقول لكل من يحملها: «سأتحدى الإعاقة، وأعيش وأتعلم وأذهب إلى المدرسة بأذن الله، فاكتبوا اسمى في دفتر الدنيا (حياة)». وكانت الصدمة، التي ذبحت قلب الأب، فلن تستطيع مولودته السير على قدميها مثل كل البنات، وحفر القدر على عظامها حكاية طفلة، يتحدث عن مأساتها وتحديها الإعاقة كل مركز الأضارع غرب محافظة دومة الجندل. ومن اسمها استمد والدها روح التحدي، لم يترك طبيبا متخصصا إلا ودق بابه بحثا عن علاج، حرث الأرض شرقا وغربا، ولكن كانت كلمة القدر أقوى من أي محاولة. وعاما بعد آخر نمت صغيرته، زاحفة كالعشب الأخضر، ولما اشتد عودها لم يقف والدها عاجزا أمام حاجز الإعاقة، وقرر إلحاقها بالمدرسة الابتدائية، فإرادة «حياة» كانت تخبره دوما بألا يشعر بأنها تختلف عن أقرانها، إلا في الصبر والتحمل والإيمان بما كتبه الله. قبل أن يدق جرس المدرسة بنحو أكثر من ساعة، تستيقظ «حياة» مبكرا، تستعد لأصعب رحلة مدرسية تخوضها طفلة في عمرها، فلضيق ذات اليد، لا يملك والدها سيارة خاصة يحمل فيها صغيرته، وتحميها من أشعة الشمس الحارقة، وكان البديل حوض سيارته الجيب، يحمل إليه «حياة» ذهابا وإيابا من المدرسة، حائزا إعجاب كل من يراه وينظر إلى صغيرته وهي تعانقه وتقبله قبل أن تساعده وتدفع بكلتا يديها كرسي الحياة نحو باب المدرسة، لتبدأ يوما جديدا مع القلم والدفتر والمعاناة. سنوات مضت، والشمري يحلم بسيارة خاصة، تعفيه وصغيرته من نظرات الفضوليين، ومن يراها في حوض الجيب، تتحمل ضربات الشمس، وتراب الطريق، ولكن ماذا يفعل؟! ومن أين يأتي بثمن السيارة؟ وبعد تفكير عميق سبقته دموع الحزن على حاله، تقدم الشمري إلى وزارة الشؤون الاجتماعية بطلب للحصول على سيارة، وجرى تحويل طلبه للتأهيل الشامل بمنطقة الجوف، وهناك كانت المفاجأة التي أدمت قلبه، قال له الموظف المختص: «عفوا.. ستستمر معاناتك.. جئت متأخرا، لقد جرى إيقاف طلبات الحصول على سيارة لذوي الاحتياجات الخاصة». ضرب «الشمر» كفا بأخرى، متعجبا، متسائلا في دهشة: «معقول هذا الكلام!»، هل لهذه الدرجة لا توجد سيارة لدى الوزارة تساعده على مواجهة ظروفه، وإنقاذ صغيرته من هذا الحوض المكشوف الذي يفتت عظامها ويزيد من آلامها؟! لم يصدق الشمري ما سمع، أعاد على الموظف طلبه، وجاءت الإجابة: «خلاص.. انتهى.. لا يوجد شيء وتوقفت الطلبات». وعاد أبو «حياة» حزينا كسيرا، ماذا يفعل؟ ولمن يذهب؟ وفي وجه من يصرخ حتى يشعر بمعاناته اليومية؟ وفي طريق العودة، حدثته نفسه، وأخبرته بأن يبعث ل«الوئام» بحكاية بنت اسمها حياة، ولم يطلب الشمري سوى سيارة تستر صغيرته وتنهي عذابها اليومي مع «حوض الجيب الشاص». ومضى الشمري معاتبا هؤلاء الذين لم يرحموا جراحه: «هل يستطيع أحدكم تحمل الحرارة التي تبلغ ال(48) درجة، مثلما تتحملها الصغيرة حياة؟ وهل يقبل أحدكم أن يرى ابنته هكذا يوميا تعيش تلك المعاناة؟ تبكي وتتألم في عز الظهيرة من أشعة الشمس الحارقة؟ وقبل أن يختم «الشمري» معاناته، علت نبرة صرخته وقال بحسرة لا تخلو من الألم: «سبق أن أعلنت وزارة الشؤون الاجتماعية تأمين سيارات مجهزة تناسب ذوي الإعاقات خدمة لهم ولأسرهم، لتسهيل تنقلاتهم وتيسير حياتهم… فأين هذه السيارات؟ وهل سارت سرابا عندما أردت إحداها لإنقاذ صغيرتي ومساعدتها على تعليمها مثل كل بنات عمرها؟! إنني لم أطلب المستحيل بل حقا من حقوق ابنتي.. فهل يتحقق حلمي وأنال مطلبي وأرى طفلتي تجلس بجواري، وليس في حوض الجيب الذي يئن حديده من لهيب الشمس، ويكاد .ينطق طالبا إنقاذ (حياة) ابنتي.. فلذة كبدي الصابرة، القوية، والصامدة؟ وبكلمات تنطق بأمل في غد أفضل له ولابنته، أضاف الشمري: «أرجوكم، ذكروا المسؤولين في الشؤون الاجتماعية، بأننا في مملكة الخير، وأنني لن أيأس أبدا من رحمة الله ومن استجابة المليك (أبا متعب)، فقد أوصى ووجه – حفظه الله – بذوي الاحتياجات الخاصة، وأمر بتقديم كل سبل الرعاية والاهتمام بهذه الفئة الغالية». رابط الخبر بصحيفة الوئام: «حياة» معاقة تذهب لمدرستها كل يوم في حوض السيارة