(الزّول) أو الشخصيّة السّودانيّة من الكائنات التي تنشر الحيرة في عقول المفكّرين، فهي كائنات توصف أحيانًا بالكسل والخمول، وهذا أقصى اليمين.. وأحيانًا تُوصف بالنّشاط والحيويّة النّادرة وهذا أقصى اليسار.. حسنًا؛ لندخل في عوالم الشّواهد والمقولات وما لها من عوائد، على هذا الشّعب الذي تتقاسمه الهموم والقصائد وكثرة الجوع وقلّة الموائد. فالشخصية السودانية تتهم أحيانا بصفات سلبية كثيرة ..منها على سبيل المثال : الكسل ، ومن أدلّة الكسل والخمول ما حدّثنا به أبو سفيان بن العاصي أنّ سودانيًّا أوصى ابنه قائلاً: (يا بني.. اجعل هدفك في الحياة الرّاحة والاسترخاء، يا بني.. أحبب سريرك فهو مملكتك الوحيدة، يا بني.. لا تتعب نفسك بالنّهار حتّى تتمكن من النوم بسهولة في اللّيل، يا بني.. العمل شيء مقدّس فلا تقترب منه أبدًا، يا بني.. لا تُؤجّل عملك للغد طالما يمكنك تأجيله لبعد غد، يا بني.. إذا أحسست بأنّ لديك رغبة للعمل فخذ قسطًا من الرّاحة حتّى تزول هذه "الرّغبة"، يا بني.. لا تنسَ أنّ العمل مفيد للصّحة لذلك اتركه للمرضى..)! ومن شواهد الكسل أنّ هناك مدينة في جمهوريّة السودان تُسمّى (كسلا)، متخصّصة في إنتاج وتصدير الكسل. ومن علامات كسل السّوداني أنّه يحترف في أحايين كثيرة الطّبخ الذي لا يتطلّب أكثر من التّمترس في مكان صغير، ونثر البهارات والملح والزّيت.. وفي العبادة يحب السّوداني (الدّروشة) والتّصوّف التي لا تتطلب أكثر من مسبحة طويلة وتمتمات أصلها غير ثابت وفرعها في الفراغ! أضف إلى ذلك أنّ الإخوة المصريّين ساهموا في تكريس هذه الصّورة، حين صوّروا في أفلامهم شخصيّة السّوداني (النّوبي) بأنّه حارس عمارة يأكل الطّعام ويحرس الأبواب.. كما إنّ بعض الملابس السّودانيّة تحتوي على جيب أمامي وآخر خلفي بحيث يصحّ لبس الثّوب على أيّ جهة كان، الأمر الذي يعفي السّوداني من بذل أيّ جهد في اللّبس كون الوجهتان كلتاهما أماميّة! وفي كتاب (أسامة بن لادن الذي أعرف) للصّحفي الأمريكي بيتر برقر يروي المؤلّف عن أسامة بن لادن شكواه من العمالة السّودانيّة بأنّهم يوقّعون العقود معه على عمل يومي مقداره ثمان ساعات، وبعد الشّروع في العمل لا يلتزمون إلا بساعتين ويجعلون الستّة الباقية للرّاحة والاسترخاء! وآخر الشّواهد على الكسل أنّ الشّعر ومحبّيه عبر التّاريخ بضاعة (الكسالى)،ويشجع على الكسل والدّليل أنّ موريتانيا (بلد المليون شاعر) وليس (شاعر المليون) لا تنتج إلا الكلام، وهي في صدارة الدّول في التخلّف والخمول.. ووفقًا لهذه النّظرة فإنّ السّوداني يحبّ الشّعر وينتجه، وفي ذلك يقول شاعرهم الكبير نزار قباني: (كلّ سوداني عرفته كان شاعرًا، أو راوية للشّعر.. ففي السّودان إمّا أن تكون شاعرًا.. أو أن تكون عاطلاً عن العمل! حسنًا.. ولكن ماذا عن الصفات الإيجابية الكثيرة في هذه الشخصية..ماذا عن السّوداني الذي في أقصى اليسار، أعني الذي في غاية النّشاط والحيويّة.. فلذلك أيضًا شواهد وعوائد؛ لعلّ أوّلها عندما زار سمو وزير الدّاخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز- رحمه الله- السّودان قبل سنوات قال: (أشهد لله أنّكم – معشر السّودانيّين – أفضل من عمل لدينا في المملكة).. ومن الشّواهد أنّك ترى الجامعات البريطانيّة حافلة بالشّخصيات العلميّة السّودانيّة، التي ليس لها مثيل في كلّ الميادين، الأمر الذي يجعل كلّ عربي يشعر بأنّ رقبته قد طالت واستطالت عندما يسمع المجتمع البريطاني يسبغ الثّناء على (العقول السّودانيّة) التي أعطت قيمة مضافة للحركة العلميّة في بريطانيا، ومثل هذا النّشاط العالي يحتاج إلى (سهر اللّيالي) الذي يمارسه الإنسان وليس (النّوم) كما هو ظلم وإجحاف أبو سفيان العاصي المذكور أعلاه! ومن شواهد ومعالم ومشاهد نشاط السّودانيين أنّهم أكثر النّاس احترافًا لمهنة الرّعي، وهي مهنة الأنبياء، إضافة إلى أنّها مهنة شاقّة لا يصبر عليها إلا أولو العزم من الرّجال، وأتذكّر أنّني في طفولتي الصّحفيّة أجريت تحقيقًا عن الرّعي والرّعاة في السّعوديّة؛ فكان كلّ المشاركين من السّودان، وعندما سألت أحدهم عن سرّ تعلّق (السّوادنة) بهذه المهنة قال: يا أحمد.. الجلوس مع البهائم، وتزجية الوقت في مصاحبتها أفضل من تزجيته مع البشر.. لأنّ المسألة ببساطة تمكن في أنّ البشر يخطئون عليك في حين أنّ البهائم لا يمكن أن يدركك خطؤها ولا زلّتها)! حسنًا ..، ماذا بقي بقي القول – أيّها القارئ – تبقى أنت في النّهاية الحكم، ولك أن تختار بين اليمين اللمتلئ بالحيويّة والتألّق والنّشاط؛ أو اليسار الحافل بالخيبة والخمول والإحباط. [email protected] @arfaj1 رابط الخبر بصحيفة الوئام: الكتابة الحيادية في الشخصية السودانية!