تطرق كتاب الأعمدة بالصحف السعودية الصادرة اليوم الاثنين للكثير من الموضوعات على الساحة السعودية حيث تناول الكاتب بصحيفة عكاظ هاشم عبده هاشم موضوع أعضاء هيئة التدريس بالجامعات السعودية وأكد أننا نبحث عن أعضاء هيئة تدريس متواضعين في رواتبهم ومزاياهم للعمل في (24) جامعة لسد الاحتياح الكبير أو للمواءمة بين هذه الحاجة وبين ما هو متاح في بنود المرتبات فإننا نخطئ بحق أجيالنا كثيرا ونحكم على جامعاتنا بالموت أكثر مما هي عليه في الوقت الراهن وإن كان السبب في هذا الموت هو الفجوة الكبيرة بين مناهج التعليم العام ومناهج التعليم العالي بكل ما تتركه هذه الفجوة من ضعف على المخرجات.. وتردد في سوق العمل عن القبول بتلك المخرجات الهزيلة. عبدالرحمن السلطان يا خسارة الابتعاث فيهم! نعم؛ الابتعاث مبادرة رائعة، وأثرها يتجاوز الفرد بذاته إلى مجتمعه المحيط، وبالتالي وطنه الكبير، لكن كل هذا مشروط بقدرة المبتعث "الفرد" على الاستفادة الشاملة من بيئة الابتعاث الكاملة، وليس فقط مجرد حضور الفصول الدارسية، وإنجاز الفروض والأبحاث العلمية. خلال هذا الصيف، أتيحت لي فرصة مقابلة عدد كبير من المبتعثين في أربع ولايات أميركية، وكم كنت فخوراً بالتعرّف على نماذج رائعة من الشباب السعودي المثقف، ولكنني للأسف صدمت بما رأيت من واقع مزعج لعددٍ من مبتعثينا، فكل علاقتهم بالابتعاث هو مجرد الذهاب إلى الجامعة والعودة منها فقط، دون انغماس حقيقي في النشاطات الجامعية الأخرى، أو محاولة الغوص في الثقافة المحلية للمجتمع الذي يعيش فيه حالياً. بل زاد الطين بلّة؛ تقوقع شبابنا مع بعضهم في شققٍ مستأجرة، تتحول كما لو كانت استراحة شبابية في الرياض، ليمسي يوم صاحبنا المبتعث كالتالي: جامعة، ثم نوم، ثم "أربعة بلوت"، وقليل من ال"بليستيشن"، ثم لقطة الختام بالكبسة السعودية! وللأسف، لن يدرك المبتعث الفرصة الذهبية التي يعيشها حالياً، إلا بعد عودته إلى الوطن، واكتشافه أنه يفتقر إلى الكثير من المهارات والمعارف، والتي كان لا يمكن اكتسابها في الجامعة فقط، بل هي نتاج تفاعل يومي، وتداخل ثقافي مستمر، طبعاً اللوم قد تتحمل الملحقية الثقافية جزءا منه، كونها تركز فقط على المتابعة الدراسية للمبتعثين، دون الاهتمام بالمكتسب الثقافي أو الاجتماعي لهم. خلاصة الحديث: أيها المبتعث حاول أن تكسر حاجز الخوف، وأن تعيش التجربة كاملة دون تردد، وتداخل مع الجميع، وشارك بما تحب من نشاطات طلابية داخل الجامعة، أو خارجها، وتذكر أنك الرابح الأكبر من كل هذا. فهيد العديم التقليد.. أعمى بصراً وبصيرة! تستوقفني دائماً جملة «التقليد الأعمى»، وتُلح عليَّ بالتساؤل: هل يوجد تقليد مُبصر؟ المُقلِّد في أحسن أحواله يشكر المُقلَّد بطريقة مواربة، يجهل أن متعة المبدع هي اكتشاف طرق جديدة للوصول، أما القمة فالمبدع يراها دائماً أبعد، فيما المُقلد يتمنى أن يصل للنقطة التي وصل إليها المبدع الحقيقي، حيث ينظر لها باعتبارها القمَّة. نحن شعب مُقلد بالوراثة والتنشئة، نُقلد في البداية الآباء، رغم أنهم لم يطلبوا منَّا ذلك، لكننا بالغريزة ندرك أن تقليدهم لن يعرضنا لنقدهم القاسي، والنقد في الذاكرة الجمعية الشعبية مفردة مخيفة، فمن وصايا الأب «انتبه يا ولدي لا تنقد عليك الرجال»، أي لا تعمل أشياء تفتح عليك باباً للنقد، لا يهم قناعتك المهم أن تكون «مع» ما يريده المجتمع، وبهذا يبدأ الفرد مُقلداً بلا وعي، لكونه مجرد مقلد للآخرين، بعد ذلك نستمر مقلدين، بل ونطوِّر موهبة التقليد إذا أردنا ألا نخسر رئيسنا في العمل، فإذا كان الرئيس معتَّقاً بداء البيروقراطية، فالأنسب أن تبتكر من الأساليب ما تتناسب مع فكره، وبالطبع ستضمن العلاوة لو ابتسم لدهائك البيروقراطي ولفكرتك الجهنمية التي جعلت الشيطان نفسه يهتف: «عيييد يخرب بيتك عيييد»، وهُنا نصل للوجه الآخر للتقليد – والتقليد في كل حالاته إن لم يكن أعمى فهو بلا بصيرة- وهو تقليد السيئ، ومشكلة تقليد السيئ أنه أسهل بكثير من تقليد المبدع، وهذه يتحمل الإعلام -للأسف- وزراً كبيراً فيها، فهو يصنع النجم ويسوِّقه بصفة مبدع، ويخلط على المتلقي بحيث لا يدرك الفرق بين الإبداع والنجومية، فمثلاً الإعلام المرئي يحتاج في رمضان لدراما تُسيل لعاب المُعلن، ولأن الفن الحقيقي -غالباً- لا يسوَّق، فالمُعلن يريد أن يُخاطب شريحة «كعدد» وليس «كعقل» فهو يوحي للمنتج «الذي فهمها قبل الإيحاء» فيسارع «لسلق» – وسلق هنا فعل، أكرمكم الله عن السلق «الاسم» والدراما المحلية – ثم تأتي شركات الإنتاج ب «الممثلين» السعوديين الذين يقضون طيلة شهر رمضان وهم يحاولون إقناعنا بأنهم يجيدون «تقليد» لهجات مناطق المملكة، أو بالأصح «إضحاكنا» على لهجات أهلنا! ويستميت الإعلام في وصف «السخف» الذي يعلِّمونه بأنه فن، ثم يأتي من يُقلد هؤلاء باعتبارهم مبدعين، وحسنة هؤلاء الوحيدة أنهم يقنعونك بحرمة «الفن»، بل بأنه من الكبائر! هاشم عبده هاشم السعر الأدنى لأعضاء هيئة التدريس بكل تأكيد.. فإن السبب الأقوى والمباشر في تعثر الكثير من المشاريع وباتفاق جميع الشركاء.. هو: اعتماد منطق السعر الأدنى كأساس في اختيار الشركة والمؤسسة المقبولة لتنفيذ المشروع، إلى جانب شروط أخرى.. وهي شروط لا يمكن التوفيق – لتحقيقها – بين جودة العمل والالتزام بالمواعيد المحددة للإنجاز وبين هذا السعر الأدنى بكل المقاييس.. لسبب بسيط هو: أن الجودة مرتبطة في العادة بالأهلية والكفاءة والجاهزية والانضباط.. وهي عناصر ترفع من تكلفة العمل إلى حد كبير.. هذه الحقائق باتت معروفة ومسلم بها.. اعترفنا بها أو لم نعترف.. لكن هذا ليس هو موضوع هذا المقال اليوم.. بل الموضوع الخطير الذي أريد تناوله هو.. أن معيار السعر الأدنى في الاختيار قد انسحب على التعاقدات مع أعضاء هيئة تدريس الجامعات السعودية وتلك كارثة عظمى.. لو تأكد هذا.. هي كارثة عظمى.. لأنها تخل بأول معايير الاختيار لهذا العضو.. وهو التميز.. والخبرة.. والقدرات البحثية العلمية.. وعلى قدر علمي أيضا.. فإن الجامعات في كل دول العالم وفي منطقة الخليج العربي بصورة أكثر تحديدا تتقاتل للوصول إلى أصحاب الخبرات والكفاءات العالية وتقدم لهم عروضا مغرية ومرتبات ومزايا هائلة لكي تحصل على أفضلهم.. فإذا صح – بالفعل – أننا نبحث عن أعضاء هيئة تدريس متواضعين في رواتبهم ومزاياهم.. للعمل في (24) جامعة لسد الاحتياح الكبير.. أو للمواءمة بين هذه الحاجة وبين ما هو متاح في بنود المرتبات.. فإننا نخطئ بحق أجيالنا كثيرا.. ونحكم على جامعاتنا بالموت أكثر مما هي عليه في الوقت الراهن.. وإن كان السبب في هذا الموت هو الفجوة الكبيرة بين مناهج التعليم العام.. ومناهج التعليم العالي.. بكل ما تتركه هذه الفجوة من ضعف على المخرجات.. وتردد في سوق العمل عن القبول بتلك المخرجات الهزيلة.. رابط الخبر بصحيفة الوئام: أعمدة الرأي: يا خسارة الابتعاث فيهم!