لا أجدُ ما أفسرُ به التصريحَ الذي بعثه مديرُ بلديةِ محافظةِ حفرِ الباطن إلى الشرق(عدد 315) سوى القول إنه كلمةُ حقٍ أريدَ بها باطل، حيث أن محاولةَ إيهام الآخرين أن الناسَ قد احتجوا على البلديةِ بسبب أنها تعاقدت مع شركةٍ متعهدةٍ بالنظافةٍ ما هي إلا عذرٌ أقبحُ من ذنب، و التصريحُ لا ينطوي على مخادعةٍ واضحةٍ للوزارة فقط إنما هو قد جمعَ بين تزييفِ الحقائق والإساءةِ إلى الناس، بالإضافةِ إلى ما فيه من ليٍّ لأعناقِ الأنظمةِ و محاولةٍ للإيحاءِ أن قرارَ البلديةِ كان بغطاءٍ قانوني!، مع أن الذين احتجوا على هذا القرارِ انطلقوا من النظامِ الأساسيِّ للحكمِ وتحديداً المادة العشرون منه: (لا تُفرَض الضرائبُ والرسومُ إلا عند الحاجةِ وعلى أساسٍ من العدلِ، ولا يجوزُ فرضُها أو تعديلُها أو إلغاؤها أو الإعفاءُ منها إلا بموجبِ النظام)، فالناس ناقمون على البلدية بسببِ أنها تريدُ فرضَ رسومٍ كبيرةٍ؛ لا تتناسبُ مع حجمِ الخدمات التي تقدمُها في مجالِ النظافة لهم، لأن كلَ ما كانت تفعلُه في هذا المجالِ هو الإتيانُ ب(براميل) متهالكةٍ غيرِ معتدلةِ الانتصاب إلى درجةِ أن (البرميلَ) نفسهَ لا يعرفُ على أي جانبٍ سيسقط فظل واقفاً!، حتى أن الزائرَ من خارجِ المحافظةِ ليس بمقدوره التمييزُ بين ما أُعِدَ من هذه (البراميل) لمخلفاتِ الأطعمةِ، و ما أُعِد منها لزيوتِ السيارات، فضلاً على أن الغايةَ لا تبررُ الوسيلةَ، و المواطن مهما يكن متسامحاً فلن تقنعَه البلدية بفرضِ هذه الرسومِ الباهظةِ لمجردِ أنها أدركت متأخرةً أن النظافةَ مهمةٌ للمحافظةِ!. كذلك فإن التجمعَ الذي قامت به مجموعةٌ من الأهالي أمام مبنى البلديةِ في محافظةِ حفرِ الباطن لم يكن ليحدث لولا أن بعضَ المسئولين قد اعتادَ أن يرى الناسَ بمنظارِ الفوقيةِ والاستعلاء، وينظرَ إليهم على أنهم مجموعةٌ من الغوغاء والبسطاء لا يليقُ بمسئولٍ كبيرٍ مثلِه أن يستمعَ إلى تظلماتِهم أو يتعاملَ بشكل جادٍ مع مطالبِهم، فتجده بدلاً من محاولةِ إقناعِهم بأهميةِ القرار – هذا على افتراضِ أنه مهمٌ بالفعل- وأنه ما شُرِع إلا من أجلهِم، فإنه يعمدُ إلى استثارتِهم و إخضاعِهم عبرَ عباراتٍ هي في غايةِ الاستفزازِ والتعالي مثل القول :(القرار نهائي وإذا مو عاجبك رح اشتك!)، و ما كان لمثلِ هذا المسئولِ أن يصلَ إلى هذا الحد من الفظاظةِ والغلظةِ في تعاملِه مع المراجعين لولا إدراكه أن هؤلاء المواطنين مغلوبون على أمرِهم وأنهم في النهايةِ سيرضخون لهذا القرار، أما كيف أمكن له الحديثُ مع الناسِ بهذا الشكلِ و هو لم يوفِّر حتى الاحتياجاتِ الأساسية لهم فتلك أعجوبةٌ لم أجد لها مثيلاً حتى في دولٍ تحكمها أنظمةٌ قمعية!. من المؤسفِ أن البعضَ يلوم المتجمهرين لأن مطالبَهم اقتصرت على (ما نبيك … ما نبيك)، وهم لا يدرون أن التعابيرَ المحترمةَ قد استُنفِذَت كلُها في مكاتبِ المسئولين، ولو وجدوا ما هو أكثر مسالمةً منها وأنفع لمَا أرادوا تجريبَ غيرِها؛ حتى لا يأتي من يصطادُ في الماءِ العكرِ فيقولُ أشياء!، لذلك لا يجبُ أن يُفهم من هذا المقطعِ سوى حجم الاحتقانِ والإحباطِ واليأس الذي وصل إليه الناسُ، ومن المؤكدِ أن هذا الشعورَ سيتعاظمُ مع ردودِ الفعلِ التاليةِ لانتشارِ هذا المقطع خصوصاً إذا ما قوبِلَ ببرودِ شديدٍ من قبل المسئولين، لأنه سيرسِّخ في أذهانِ الناسِ أن القنواتَ الرسميةَ لا تعيدُ لهم حقوقَهم وأنها غيرُ جادةٍ في التعاطي مع قضاياهم، وليس شيئاً أكره على الإنسانِ من أن يجدَ نفسَه مضطراً للشكاوى والمراجعات وهو يشعرُ في أعماقِ نفسه أنه ينفخ في رمادِ، مع أنه لا يلجأ إلى هذا الأسلوبِ غالباً ما لم يكن اللجوءُ إليه خياراً حتمياً!. إذ لا أسوأ من مسئولٍ قد جمعَ بين التقصيرِ في العملِ و السوءِ في التعامل، ولا يغرُبنَّ عن بالِ أحد أن الناسَ يحركهم الشعورُ بالظلمِ أكثرَ من الظلمِ نفسِه، وأن الأشياءَ الصغيرةَ هي طريقُ الأشياءِ الكبيرة، والناس – على رأي توينبي- لا يلاحظون المنعطفاتَ الخطيرةَ التي تغير مجرى التاريخ لأنها تمر عبر أحداثٍ صغيرة ٍلا يلتفتُ إليها الناسُ إلا بعد أن يكون التاريخُ قد قال كلمتَه. وإنَّ أخشى ما أخشاه هو أن يريدَ مديرُ البلديةِ شيئاً ويريدَ الناسُ شيئاً آخر؛ فتغلب إرادةُ مديرِ البلديةِ إرادةَ الناسِ جميعاً: و( كم من فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرة). شافي الوسعان