بعض الآراء كبيرة جداً، لا تصدر إلا من رجال كبار جداً، ويكمن حجمها في بساطتها وعمقها في وقت واحد، مما يسهل على متوسط الذكاء أن يستوعبها للوهلة الأولى! إنها آراء تهطل كالمفاجآت المذهلة التي يحتاج معها البشر بعض الوقت لتستوطن أذهانهم وتتآلف مع مدركاتهم، والعم أبو أحمد، أو قل المفكر البحريني الأستاذ يوسف الشيراوي، من أولئك الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الإتقان عليه. وأتذكر أن صديقنا المثمر غازي القصيبي – رحمه الله – أهداه كتابه (في رأيى المتواضع)، قائلاً: (إلى الأستاذ يوسف الشيراوي الذي لا أعرف له رأياً متواضعاً)، إن آراء الشيراوي كبيرة مُغرِّدة، لا تعرف التواضع، ولا تؤمن به، إنه فقط يدرك ما قاله جده المتنبي: (على قدر أهل العزم تأتي العزائم)! ومن آراء الشيراوي الكبيرة في الاقتصاد ما قاله قبل سنوات عديدة من وجوب تخلي دول الخليج عن العلاقات القوية مع الدول العربية، والاتجاه فوراً إلى شبه القارة الهندية! ويبرر الشيراوي ذلك بقوله: إن حاجات دول الخليج الأساسية لا تتوفر في أي مكان بقدر ما توفرها الهند، خذ مثلاً – (الأرز والشاي والبهارات والعَمالة.. إلخ)! وأزيد على ما قاله شيخي الشيراوي بما أُحدث أخيراً، وقد يكون خير الأمور مُحدثاتها، شرائح الكمبيوتر، والفتيان المهرة المبدعين في صناعة البرامج الحاسوبية! لقد قال لي جدي لأمي عبد الله العجلان -رحمه الله- قبل ربع قرن: (الهند هندك إذا قل ما عندك)! حسنا يا جدي عبد الله، ويا عمي الشيراوي، إننا لم نجن من العروبة إلا القوميات الكريهة والعصبيات المُزعجة، والهُويات القاتلة، إنهم سكنوا بواد غير ذي زرع، ودهنوا أجسادنا من قوارير فارغة، وألبسونا لباس الوهم والإدعاء الزائف بالأمجاد العربية التي لم تعد موجودة إلا في ذاكرتهم التي تجاوزها الزمن، مُستشهدين بقول السياب على لسان فتاته: عَرَبِيَّةٌ أَنَا، أُمَّتِي دَمُهَا خَيْرُ الدِّمَاءَ كَمَا يَقُولُ أَبِي!فماذا ننتظر أكثر من ذلك؟! إن الهند كما توقعها جدي والشيراوي، مناهل الخير، وينابيع من الإنتاج منذ ربع قرن، في ذات الوقت نجد أن السيدة الأنيقة كونداليزا رايس مستشارة الرئيس الأمريكي للأمن القومي لم تدرك هذه الحقيقة إلا الآن إذ تقول: (إن الهند مؤهلة كدولة ديمقراطية لأن تلعب دورا مهما في العالم)! حتى الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل -الذي يُؤخذ من كلامه ويُرد- يذهب إلى أكثر مما تقول السيدة كونداليزا، إذ يقول أن الهند سيكون لها دور في الخليج أكثر مما لها في العالم، إذ سيحتلون الخليج احتلالاً أبيضاً، على الطريقة السليمة، وذلك خلال سنوات قليلة مقبلة! يجب على كل الكُتّاب الذين يتلمسون دوراً مهما للهند في مستقبل الأيام، أن يشهدوا للشيراوي بدقة الرؤية، وحسن القراءة للمستقبل، ويفعلوا مثلما فعل الكاتب المشرق سمير عطا الله عندما قال: (وما دامت المناسبة قد حضرت، فأنا مدين باعتذار للأستاذ يوسف الشيراوي، فقد كتب مقالاً يطرح فيه فكرة الاتجاه إلى الهند، ويقول أن علاقات الخليج بالهند قديمة، ولا يقتضي الأمر أكثر من تجديدها، لأن الهند الحديثة مقبلة على نهضة كبرى، ويومها -والكلام لسمير عطا الله- كتبت مُداعباً للشيراوي كالعادة، باعتبار أن الهامات الكبرى وحدها تتحمل الدعابة الراقية والمحبة، أما القامات الضئيلة والجوفاء، فترى في الدعابة تحريضاً لا أقل)! حسنا ،ماذا بقي ؟ بقي القول : أخي وصديقي سمير، تصور أنني أرقص أحياناً، متمنياً ومنشداً بيت ذلك الشاعر الهندي الذي هرب من انكسارات العرب وإخفاقاتهم، واستكثر حتى أن ينشده بالعربية الفصحى، ففضل اللهجة العامية قائلاً:ما يشرفنا نكون من العرب نحمد الله يوم خلانا هنود! [email protected] تويترarfaj1