تحدثنا في المقال السابق عن تطور الهند المذهل رقمياً (في لغة الأرقام)، وأسبابه وفي هذا المقال أرى أهمية الآليات أو النقاط التالية للاستفادة من الخبرة الهندية في مجال توطين التقنية: 1 - التعاون المباشر (الشراكة الفعلية) بين الجامعات السعودية خصوصاً الجامعات الحديثة (حتى لا تصبح فقط لاستيعاب أبناء المناطق التي احدثت فيها ونسخ جديدة لجامعات متواضعة) ونظيراتها الهندية المرموقة في المجالات الحيوية وبالخصوص في مجال التقنية وتوطينها واستقطاب الخبرات، تكون على النحو التالي: - دعوة الأساتذة الهنود المتميزين لقضاء سنوات تفرغهم العلمي بين ردهات جامعاتنا، بالطبع قبولهم لهذه الدعوات تبنى على الحافز المادي (في عالم أصبحت المادة العامل الأساسي لاستقطاب العقول) والمعنوي وبالنسبة للمسلمين منهم حبذا أن يوجهوا إلى جامعات المنطقة الغربية ليكونوا قريبين للحرمين الشريفين ليكون حافزاً آخر لهم. - حث أعضاء هيئة التدريس لقضاء سنوات التفرغ العلمي في الجامعات الهندية المرموقة ومدن صناعة التقنية كمدينة بنغالور (عاصمة التقنية الهندية البعيدة عن فوضى الهند الحضرية) وأيضاً حضور الدورات والمؤتمرات هناك. - دعوة المتميزين من الهنود لإلقاء محاضرات قصيرة (Seminars) وورش عمل تدريبية (Worksops) لأعضاء هيئة التدريس والطلبة في الأقسام العلمية. - تهيئة الجو المناسب لهم بتوفير المسكن وتسهيل إجراءات الحصول على الفيزا وأن يكون لهم معاملة خاصة تقديراً لعلمهم واقترح على وزارة الخارجية فتح قسم أو مكتب لاستثمار العقول النيرة من علماء وطلبة متميزين لتسهيل إجراءات دخولهم مربوط بالجهات الأكاديمية (استحداث وكالة مخصصة لاستقطاب هذه العقول في وزارة التعليم العالي وعمل مكاتب ارتباط بالجامعات). وبهذا السياق اضم صوتي لصوت الكاتب المعروف الأستاذ يوسف القبلان في أحد مقالاته (جريدة «الرياض» 22/7/2005) بالمطالبة بتبسيط إجراءات التأشيرة للمتخصصين والمثقفين كرد للتعقيد المتبع من بعض الدول الغربية. - إعطاء الأقسام وأعضاء هيئة التدريس المتميزين سيولة مالية مباشرة وإبعادهم عن البيروقراطية الإدارية لاستقطاب الطلبة الهنود المتميزين وتوفير المواد المتطلبة للبحث في مجال التقنية. - إشراك الطلبة الهنود المتفوقين في الدراسات العليا (الماجستير والدكتوراه) مع طلبة الدراسات العليا السعوديين في البحث لما يتميزون به من التمكن باللغة الانجليزية وبالتالي يسهل جلب التقنية. - الإشراف على طلبة الدراسات العليا بالأخص طلبة الدكتوراه السعوديين يتم بالتعاون مع أساتذة هنود متميزين وفي المراحل المتقدمة من بحث الطالب ويفضل أن يمكث هناك، في بيئة التقنية، فترة من الزمن. - التقييم والمراجعة المستمرة لهذا التعاون. 2 - الارتباط المباشر والتعاون المثمر بين الشركات أو المؤسسات الخاصة المهتمة بالبرمجيات وتقنية المعلومات والاتصالات خصوصاً المتوسطة والصغيرة مع الشركات الهندية على النحو التالي: - الاستفادة المباشرة ممن يستقطبون من الهنود الاكفاء (كما ذكر في النقطة السابقة) في الجامعات السعودية بجانب أعضاء هيئة التدريس السعوديين للتطبيق العلمي للبحث وإيجاد الحلول لمشاكلهم لرخص التكاليف (كمستشارين) مقارنة مع الشركات الاستشارية العالمية. - إرسال المهندسين والفنيين للتدريب في الشركات الهندية المرموقة وحضور الدورات في مراكز صناعة التقنية المشهورة. - الاستعانة بالمواد والأجهزة المصنعة والبرمجيات بالكامل هناك لإمكانية معرفة تصنيعها وتصميمها بالتعاون معهم. - الاستثمار المباشر في صناعتهم خصوصاً في البرمجيات وتقنية المعلومات والاتصالات. 3 - تقديم منح من قبل الأثرياء ورجال الأعمال والشركات الكبرى خلال فترة الصيف للأساتذة السعوديين لعمل أبحاثهم في الهند وكذلك للهنود لعمل أبحاثهم هنا ليكون عاملاً رئيسياً في بناء علاقة قوية بين جامعات المملكة والجامعات الهندية وبالتالي سيسهم في جلب التقنية كالمنح المقدمة من قبل شركة بي. أيه. إي سيستمز البريطانية لحملة الدكتوراه والتي تنفق عليه حوالي (125) ألف جنيه استرليني سنوياً. 4 - أن ترسل (وزارة التعليم العالي) وفوداً لتعرف عن قرب على مؤسسات التعليم العالي هناك ومعرفة الإمكانات المتاحة للاستفادة من تجارب هذه الجامعات. 5 - تفعيل الاتفاقيات ومذكرات التعاون مع الجامعات الهندية الرائدة والمتميزة إذ سبق أن وقعت وإعطاء جامعات الهند خصوصية للأسباب السابقة وحبذا لو تم إنشاء هيئة للتعاون بين الجامعات السعودية والهندية في المجالات التقنية العلمية للتنسيق وتبادل الخبرات ورسم سياسات العلاقة التقنية بينهم. 6 - السماح للجامعات الهندية المرموق لفتح فروع لها في المملكة بجانب جامعات دولية أخرى لتنوع الخبرات ولتسهيل نقل التقنية استمراراً للنهج الاستراتيجي والنظرة المستقبلية العلمية من قبل الدولة وأن الاستثمار الصحيح هو في الإنسان. 7 - الاشتراك في قواعد المعلومات العلمية الهندية وربط المكتبات إلكترونياً. 8 - ربط مراكز البحث وتطوير الأفكار في الجامعات السعودية (ما يسمى بالحاضنات البحثية) مع نظيراتها الهندية لتترجم لمشاريع إنتاجية. هذه الآليات المقترحة، ليست محصورة على الجامعات الهندية، أرى أنه لا يكتب لها النجاح إلا إذا استخدمنا العنصر المفقود لديهم وهي الموارد (السيولة) المالية التي تجعلنا في موقف قوي ونفرض عليهم شروطنا كأن يجب أن يدربوا السعوديين المتميزين ويشركوهم في صناعة التقنية بصورة متميزة. إننا نعول على المسؤولين الوطنيين ورجال اعمالنا الخيرين وشركاتنا الوطنية بأن يستثمروا في هذا المجال الذي ليس له أرباح آنية مباشرة وإنما توطين التقنية لأجيال المستقبل ولنشارك الأمم في عجلة العلم والحضارة ونبني اقتصاداً يعتمد على صناعة التقنية بجانب ما حبا الله هذه البلاد من خيرات وقيادة رشيدة. قد يقول قائل (فطن) الهند تملك مقومات لا نملكها في تطوير التقنية من حيث الكثافة السكانية (تقريباً مليار نسمة) واللغة الانجليزية ونحن نزيد على (20) مليون نسمة بقليل (يقارب عدد سكان أحد المدن الهندية الكبيرة). أرى أن الإجابة ببساطة تتلخص في ثلاث نقاط: 1 - ماذا عن المنافسة الناشئة بين كوريا الجنوبية (تقريباً (40) مليون نسمة) والصين (تقريباً مليار ونصف نسمة)؟ وما هي لغة كل منهم؟! 2 - أليس من الممكن أن نكون بانجلور العربية للعرب (تقريباً (300) مليون نسمة) ومن ثم بانجلور الإسلامية للمسلمين (أكثر من مليار نسمة)؟! 3 - ماذا عن ربطنا التقني مع مدن صناعة التقنية فقط كمدينة حيدر أباد وبانجلور.. إلخ؟ الحجة (الواهية) التي دائماً نرددها بأن الغرب متقدم جداً علينا تقنياً وبفترة زمنية طويلة من الصعب اللحاق به وكأننا نلقي اللائمة على أجدادنا في هذا التخلف العلمي التقني أو نترك مسؤولية اللحاق بركب التقنية وتوطينها لأولادنا وأحفادنا (الأجيال القادمة) لهي حجة واهية أخرى! هل هذه الحجج موجودة عند الهند والصين؟! وإن وجدت كيف تغلبا عليها؟! أليس من حقهم (أجيال المستقبل) علينا أن نضع لهم على الأقل الأسس الصحيحة لتوطين التقنية إذا لم نقدر على توطينها في الوقت الراهن؟ أليس من الأفضل لنا كعرب وخصوصاً دول الخليج أن نقترن (بل نتزاوج) تقنياً بدولة لا يفصلنا عنها إلا بحر واحد جرافياً (بحر العرب) وتقريباً عشر سنوات (بداية التسعينات) متقدمة علينا تقنياً وقريبة لنا ثقافياً واجتماعياً؟! أما آن الوقت أن نسبر الجانب الآخر من الهند (التفوق العلمي التقني للهنود المطرد) وأن نغير الصورة المتجذرة في عقولنا عن الهندي بأنه متخلف وأن لا نظل اسيرين لمثل هذه الأفكار والذهنية الموروثة؟! إن الجزيرة العربية مهد الإسلام ومنبع الحضارة الإسلامية العظيمة التي انتشرت في الغرب والشرق في زمن قصير، أليس من الممكن أن نشارك بهذه الحضارة التقنية الحديثة وبالتالي نكون قياديين مع الزمن لا تابعين؟! أما آن الوقت أن نطوع المال مع شجاعة القبطان وطاقمه ليتحرك المركب شرقاً لجلب التقنية ومن ثمَّ نبحر معاً في بحر التقنية وأن لا يكون اقتصادنا مستقبلاً حبيساً للجهات الأجنبية المصنعة للتقنية؟! فاصلة: «نحن نستثمر الآن لأنه في الوقت الذي تصبح فيه إمكانية النمو واضحة لكل شخص، سيكون من المتأخر جداً اللحاق». تاون شور شوان نائب رئيس (أيه. ستار) وكالة تمويل العلوم في سنغافورة