سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
طرق.. مستقبل العلاقات الإسرائيلية ببلدان "الربيع العربي" دبلوماسية ناعمة ورسائل طمأنة من القاهرة.. ولقاءات تونسية سرية في واشنطن.. ومخاوف من العزلة في تل أبيب
إلى أين تتجه دفة العلاقة بين إسرائيل وبلدان "الربيع العربي"؟ سؤال فرض نفسه بقوة في ظل الصعود السياسي لحركات الإسلام السياسي وما تبعه من إشارات الطمأنة التي بعث بها الإسلاميون، وعلى رأسهم جماعة "الإخوان المسلمون"، وإرهاصات الخوف التي انتابت "إسرائيل" حتى بدا الأمر من وجهة النظر الإسرائيلية وكأن الصدام وحده هو الذي سيرسم حدود العلاقة بين الطرفين. انعزال تل أبيب المحلل السياسي رئيس تحرير مختارات إسرائيلية التي تصدر عن مركز الدراسات الإستراتيجية بالأهرام الدكتور عماد جاد أكد في تصريحاته إلى "الوطن" أن "الثورة المصرية والثورات العربية عموماً جاءت ضد مصالح إسرائيل، ليس فقط بسبب انهيار نظام مبارك الذي كان حليفاً جيدًا لها، ولكن بسبب أن إسرائيل كانت دائماً ما تنادي بأنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، أما الآن ومع وجود الثورات فلن تصبح الأولى، وستكون هناك شعوب أخرى تتمتع بالميزة نفسها مما سيزيد من انعزال تل أبيب ويقلل مزاياها، خاصة أنها توجد بين دول عربية تحدث فيها انقلابات ونظم الحكم خاضعة للتغيير في أي وقت تبعًا لتلك الثورات." جائزة نوبل من جانبه، قال أستاذ القانون الدولي بالجامعة الأميركية المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية المصرية عبدالله الأشعل "إن الولاياتالمتحدة الأميركية وإسرائيل تبحثان عن مصلحتهما"، ويضيف في حديثه إلى "الوطن" أنه "إذا اكتسح "الإخوان المسلمون" وعملوا على توطيد العلاقات مع إسرائيل، فسوف يحصلون على جائزة نوبل للسلام، طالما عملوا لمصلحة إسرائيل، وهذا كان مضمون رسالة جون كيرى خلال زيارته الأخيرة لمصر ولقائه بعدد من المسؤولين وقيادات الحرية والعدالة، وهى التأكيد على عدم المساس بالعلاقات مع أميركا وإسرائيل واحترام قدسيتها للحفاظ على استمرار العلاقات والمعونات الأميركية على حد تعبيره." واستطرد الأشعل قائلا "لقد مضى الزمن الذي كانوا ينصبون فيه الحكام لمصالحهم، خاصة أن الخياشيم السياسية في مصر الثورة تفتحت، ووطننا يتقدم إلى الأمام، أما التيار الإسلامي فهو جزء من المجتمع المصري." خطب ود الخارج ويشير أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأميركية الدكتور سعيد صادق إلى أن "السياسة الخارجية لمصر ولغيرها من بلدان الربيع العربي لن تتغير في ظل صعود نجم التيارات الإسلامية." ويضيف، في تصريحات إلى "الوطن"، أنه "لن يكون هناك تغير في السياسات، وإنما سيكون هناك تغير في الأداء، بحيث يكون للتيارات الإسلامية خطاب للخارج يؤكد على احترام المعاهدات الدولية وعلى رأسها معاهدة كامب ديفيد، وخطاب للداخل يتبع لغة خطابية حماسية تنتقد الممارسات الصهيونية، وهو ما يعني أنهم سينتهجون سياسات خارجية علنية يخطبون بها ود الداخل من خلال مهاجمة أي ممارسات صهيونية لا يرضى عنها الشارع، وسياسات خارجية سرية تقوم على الحفاظ على مقومات العلاقة بينهم وبين الآخر بما في ذلك الولاياتالمتحدة الأميركية وإسرائيل." الدبلوماسية الناعمة ويؤكد الكاتب الصحفي المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية علي عبدالعال في حديثه إلى "الوطن" أن "موقف الحركات الإسلامية السلفية كان واضحاً فيما يتعلق بالاتفاقات والمعاهدات الدولية ومن بينها اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام مع إسرائيل، حيث أكدوا أنهم كغيرهم من التيارات السياسية ملتزمون بتلك الاتفاقيات، لكنهم يؤكدون على حق مصر في تعديل بعض البنود التي يرون فيها إجحافاً لمصر، ومنها البنود التي تتعلق بانتشار القوات العسكرية المصرية في سيناء." ويضيف عبد العال قائلاً "الحركات الإسلامية أكدت بشكل عام حرصها على إقامة علاقات طيبة مع كل دول العالم، بشرط أن تحترم تلك الدول المصالح المصرية، ويرون أن مصر تمتلك كثيراً من أدوات الدبلوماسية الناعمة وأوراق الضغط التي تمكنها من الحفاظ على مصالحها وعلى دورها في المنطقة في مرحلة ما بعد ثورة 25 يناير، وهو ما حدث في ملف المصالحة الفلسطينية- الفلسطينية، حيث نجحت مصر بإتقان في لعب دور الوساطة بين فتح وحماس، ونجحت في أن تجبر إسرائيل على إطلاق سراح كثير من الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، حتى أن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل أكد أن المفاوض المصري أحرز للفلسطينيين أكثر مما يتوقعونه، ومن هنا يرى أعضاء الحركات الإسلامية أن مصر لها قوة ناعمة يمكن استخدامها بما يجبر أي طرف للحفاظ على مصالحها، وهو ما كان يتجاهله نظام الحكم السابق." وحول الموقف من فلسطين، يؤكد عبد العال أن "الحركات الإسلامية تؤمن بأنه ليس من مصلحة أي طرف مصري اللعب على وتر الخلافات على الساحة الفلسطينية، ويؤمنون بضرورة تشجيع الحوار بين الفصائل الفلسطينية من خلال سياسة التوفيق بين تلك الفصائل." حماس مستفيد أكبر إلى ذلك، يؤكد السفير هاني خلاف مساعد وزير الخارجية السابق، أن "الإخوان المسلمون" إذا حكموا مصر لن يقدموا على إحداث تغييرات جذرية على صعيد السياسات الخارجية خلال فترة أولى لن تقل عن عام أو عامين؛ بهدف البعث برسائل طمأنة إلى الخارج، وبعد فترة الطمأنة تلك ستكون العلاقة مع إسرائيل محددة في إطارها القانوني ما لم يحدث استفزاز من قبل طرف إقليمي أو دولي يحتاج إلى ردة فعل دبلوماسية، لكن العلاقة مع إسرائيل ستشهد مراجعة في ملف تصدير الغاز إليها، ومن الوارد أيضاً فتح مواد معاهدة السلام للتعديل وتفعيل مواد أخرى، بمعنى تعديل الملحق الأمني وبالأخص المسائل المتعلقة بنشر القوات المصرية على الحدود في المنطقة (ج)، وكذلك تفعيل المادة الثامنة من المعاهدة والخاصة بالتسويات المالية بين الجانبين المصري والإسرائيلي؛ حيث إنه من الممكن أن تطالب مصر بتعويضات عن فترة الاحتلال الإسرائيلي لمصر واستغلال موارد سيناء في الفترة 1967-1982 وهي المطالب التي يدعم موقف مصر فيها أرضية قانونية صلبة، لكن هذه المطالب ستواجهها مطالب إسرائيلية مقابلة بالحصول على تعويضات عما ترى إسرائيل أنه أملاك اليهود في مصر." وحول الموقف من حماس، يرى السفير خلاف أن "حركة حماس ستكون هي المستفيد الأكبر من صعود نجم الإسلاميين سياسياً، وستحصل على دعم قوي لمواقفها، كما ستحظى بدفعة قوية فيما يتعلق بوضعها داخل المعادلة الفلسطينية." احتمالات التفاوض ويقول الكاتب الصحفي حلمي النمنم أن "هناك رسائل طمأنة متبادلة بين الإسلاميين والغرب، وتحديداً الولاياتالمتحدة الأميركية، حيث أعلنت وزيرة خارجيتها هيلاري كلينتون أن بلادها مستعدة للتعامل مع القوى الإسلامية الصاعدة في المنطقة، فيما أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما استعداده للتعامل مع "الإخوان المسلمون" إذا فازوا في الانتخابات، ولا أظن أن هذه التصريحات تقال في الفراغ، فهناك جلسات وحوارات سابقة بين الطرفين، وهو ما عبرت عنه الإشارات المطمئنة لإسرائيل، والتي صدرت عن الإسلاميين فيما يتعلق بالالتزام بالاتفاقيات الدولية التي وقعتها مصر بما في ذلك معاهدة السلام مع إسرائيل." ويتوقع النمنم أن "أقصى ما يمكن أن يحدث فيما يتعلق بالملف الإسرائيلي في ظل الصعود السياسي لنجم "الإخوان المسلمون" هو العمل على إعادة تعديل بنود التعامل بين البلدين مثل اتفاقية الغاز أو بعض بنود معاهدة السلام، وهو ما يعني إمكانية أن يكون هناك تفاوض مع إسرائيل في حالة وصول الإسلاميين إلى الحكم." ما قاله النمنم يتفق في جزء كبير منه مع ما صرح به محمد مهدي عاكف، المرشد العام السابق لجماعة "الإخوان المسلمون"، مشيراً إلى أنه "ضد اتفاقية كامب ديفيد على المستوى الشخصي" حسب تعبيره، لكنه أضاف قائلاً "أنا ضد اتفاقية كامب ديفيد على خط مستقيم، ومع إلغائها، وأرى أنها عقدت بغير رغبة الشعب، لكنني فرد في الشعب، ونحن نحترم كافة الاتفاقيات بين مصر وكل الدول، ولا يمكن فتح ملف الاتفاقية بعيداً عن الشعب، ونواب الشعب هم الذين يحددون الموقف من هذه الاتفاقية، والإخوان أكدوا لرئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي جون كيري أنهم يحترمون معاهدة كامب ديفيد، لكن الأزمة هي أن الدعم الأميركي المطلق لإسرائيل هو السبب في وصول الأوضاع في المنطقة إلى ما هي عليه الآن." الغول في مصر ويذهب المحلل السياسي الدكتور محمد رياض إلى أن "التصريحات الإسرائيلية التي ترى في صعود نجم الإسلاميين على المستوى السياسي غولاً يتهددها يرجع إلى أن إسرائيل تخشى مصر القوية بوحدتها ومن ثم تسعى للشرذمة والفوضى بها ضماناً لها.. فهي برغم معاهدة الصلح ترى الغول في مصر، ولهذا تأتي تصريحات متشدديها بحتمية مواجهة جديدة مع مصر، وقد يستدعي ذلك تضمينها في الحديث عن وجود قلاقل في سيناء بوصفه محركاً لذلك. كذلك ارتبطت حدة الموقف الإسرائيلي من مصر برعايتها التقريب بين الفلسطينيين ودعم إعلان دولة فلسطينية معترف بها دولياً؛ لأنه يقضي على إستراتيجية التفتيت التي تتبناها إسرائيل وتسعى إليها بقوة، فقيام دولة فلسطينية هو بمثابة مسمار في نعش التوسعية الإمبريالية الإسرائيلية." ويضيف رياض أنه "في هذا المضمار تسعى أميركا إلى قيام توازنات مصرية تضمن بقاء إسرائيل، وتضمن نقطة تفوق في الشرق الأوسط لإمبراطورية أميركية متآكلة المصداقية.. لهذا فهي تفضل حكماً مستقراً في مصر وقد لا يهمها من يحوز السلطة، فالغرض الأساسي بنية ذات شكل ديموقراطي سلس في التعامل من أطياف ليبرالية قد يكون سقف مطالبها مشاكساً للسياسة الأميركية." تصريحات رياض تزامنت مع تصريحات سفيرة الولاياتالمتحدة الأميركية آن باترسون في القاهرة من أن "واشنطن سوف تعمل مع أي طرف يختاره الشعب المصري،" مضيفة أن "الديموقراطية هي عملية وليست انتخابات واحدة فقط بل انتخابات تتلوها انتخابات أخرى وهكذا.. والحزب الذي ينتخبه ويختاره الشعب يجب أن يعبر عن خياراته." وهي نفس التصريحات التي عبر عنها، وإن كان بلغة مختلفة، دنيس روس المستشار السابق للرئيس الأميركي باراك أوباما حول الشرق الأوسط، مشيراً إلى أن "الولاياتالمتحدة يجب أن تتحاور مع القوى الجديدة في الشرق الأوسط بعيون مفتوحة، ويجب عليها ألا تصدر أحكاماً سريعة على قوى إسلامية مثل "الإخوان المسلمون"، فجماعة الإخوان اليوم ليست بالضرورة هي التنظيم نفسه في السابق،" وأكد روس أن "اللقاءات الأخيرة لمسؤولين أمريكيين مع قيادات حزب الحرية والعدالة كانت تستهدف في المقام الأول التأكيد على أن معاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية تمثل أهمية قصوى للأمن القومي الإقليمي والأميركي." أكثر واقعية وترى الكاتبة الصحفية المتخصصة في الشؤون الإسرائيلية نهال الشريف ، أن "فريقاً من المحللين الإسرائيليين يرون أن ما تبقى من علاقات بين مصر وإسرائيل هو قليل بالفعل، ولكنه مهم للغاية ولا بد من الحفاظ عليه، فالاتفاقيات الزراعية تجمدت ومصانع الكويز توقفت عن الإنتاج، ومنذ ثورة 25 يناير توقف السياح الإسرائيليون عن التوجه إلى مصر، وتعرض خط الغاز المصري إلى إسرائيل للتفجير 9 مرات، وهناك مخاوف قوية من مطالبة التيارات الإسلامية في مصر بمراجعة اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل والتي تجعل من سيناء منطقة منزوعة السلاح، لكن.. هؤلاء المحللون يرون في الوقت ذاته أن هناك رسائل طمأنة كثيرة بعث بها المحسوبون على التيارات الإسلامية مثل انتقاد الدكتور محمد العوا المرشح المحتمل في انتخابات الرئاسة المصرية لحادث اقتحام السفارة الإسرائيلية في القاهرة، وكذلك اللقاء الذي جمع بين راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة الإسلامي الفائز بانتخابات المجلس التأسيسي في تونس، وبين شخصيات إسرائيلية في واشنطن، وهي اللقاءات التي صرح الغنوشي بعدها بأن الدستور التونسي الجديد لن يمنع مثل هذه اللقاءات في المستقبل وبالتالي فإنها لن تكون سرية، وهو ما دفع السفير الإسرائيلي السابق لدى مصر إسحق ليفانون للقول بأن الإسلام السياسي الجديد أصبح أكثر واقعية."