تقترن صورة القرى النجرانية بالبيوت الطينية مع صور أخرى متعددة ومتشابكة عن مفردات النجراني الذي يساكنها ويعيش كفلاح يمارس مهنة الزراعة أولاً ثم تربية الماشية ثانياً في حياة سهلة ميسرة همه فيها أن يجعل أرضه منتجة يأكل من خيرها الجميع. لكن.. ومع دخول الحضارة والتوسع العمراني وخدمات البنى التحتية إلى تلك القرى، ضاعت معالم القرية الريفية وانحسرت الرقعة الزراعية وهجر الناس البيوت الطينية ورحل الكثيرون إلى أماكن أكثر قرباً من أعمالهم أو هربا من ضيق المساحة التي أصبحت عليها تلك القرى فبرز جانب سلبي اشتكى منه كثير من سكان القرى النجرانية. ضيق رغم فسحة المكان ويصف أحد ساكن قرية "زور وادعة" سعيد سالم الحال بقوله: "الشق أكبر من الرقعة" مؤملا أن يلتئم الشق بقدر هذه الرقعة، مؤكداً أن الشوارع ضيقه ولا تتسع لسيارتين متقابلتين ولو حدث حريق فلن تتسع هذه الطرقات الضيقة لسيارات الدفاع المدني أو سيارات الإسعاف، مشيرا إلى أن هناك مدارس وسط "الزور" يكون الوصول إليها صعباً في فترات ذهاب وعودة الطلاب والطالبات ومعلميهم، كما أن سيارات الكهرباء تعاني الشيء الكثير عندما يحدث عطل كهربائي في أحد المنازل أو الترانسات المغذية ويحتم عليهم الأمر إصلاحه، وكذلك حاويات النفايات على كل جانب ممتلئة وتسبب ضيقا للمرات، مضيفاً أنه يسميها ممرات لأنها لا تستحق أن يطلق عليها شوارع ولعدم وصول سيارات نقل النفايات بشكل منتظم ولبعدها عن الرقابة البلدية، وكذلك النخيل المعمر المنتشر على الطرقات والمائل عليها مهدداً حياة الناس والمارين بدون التفات من الجهات المختصة لإزالته وزاد في تضييق الطرقات وكذلك يهدد أمن السكان. منازل آيلة للسقوط ويوجد في نجران قرى أخرى غير قرى زور وادعة فهناك زور آل حارث وكذلك مناطق في الحضن والقابل وغيرها كثير تعاني من الإهمال، ناهيك عن المنازل الآيلة للسقوط في هذه المناطق حتى في أبا السعود المسمى البلد الذي يؤمه جميع الناس لقضاء احتياجاتهم من التسوق توجد فيه منازل مهجورة آيلة للسقوط على المارة، وبعض تلك المنازل المتهالكة الآيلة للسقوط توجد بها دكاكين تمارس فيها التجارة من قبل بعض الناس علاوة على المارة والمتسوقين، ويتساءل الأهالي "أين الجهات المختصة من هذا الشأن لتلافى الشر قبل وقوعه؟". المهجورة ملاذ المجهولين التقت "الوطن" في جولتها في تلك القرى المواطن محمد علي آل قريشة الذي تحدث عن احتياجات القرى النجرانية، فقال: "سأتحدث أولا عن خدمات الكهرباء المعدومة في الطرق الزراعية وطرق القرى خصوصا قرانا جنوبي وادي نجران حيث تكثر البيوت الطينية المهجورة التي تكون مبيتا للمجهولين أثناء الليل وبدون الإنارة في تلك الأماكن يسهل من تسللهم إليها", مضيفاً أن الطرق تشكو من الإهمال وعدم التوسعة رغم أن الفرصة مهيأة لتوسعتها فما زالت جوانبها أرضا زراعية ويمكن نزعها وتوسعة الطرق لخدمة الأهالي والأراضي الزراعية خصوصا أثناء نقل المحصول من المزارع إلى السوق وكذلك نجد معاناة في دخول آلات المكننة الزراعية لخدمة الأرض واستصلاحها. هجرة نهائية للزراعة في مكان آخر وجدنا المواطن هادي آل جالي قد اقتطع جزءاً من أرضه الزراعية لبناء استراحة للإيجار، وعندما سألناه عن سبب هجره للزراعة قال: "من المؤلم جدا انحسار الرقعة الزراعية لكن حقيقة الأمر وكما يقال "مكره أخاك لابطل"..فالأرض لم يعد هناك مردود إيجابي منها فندرة العمالة وتكاليف الزراعة يفوق ما يدره الإنتاج"، مؤكداً أن الأرض خصبة ومواتية للزراعة وتجود بأنواع عديدة من الخضراوات والفاكهة ومن أشهر الزراعات العنب والطماطم علاوة على باقي المزروعات الأخرى, لكن عندما يزرع الفلاح ويجني الثمار ويسوقها فإن العائد من المنتج لا يغطي تلك المصاريف ولا يستحق كل هذا العناء والتعب, فهناك مشتريات البذور والأسمدة والمبيدات وتمديدات أنابيب الري علاوة على ضيق الطرق المؤدية إلى المزارع وعدم الاهتمام بصيانتها، التي رغم ضيقها إلا أنها مع مرور الزمن أصبحت متهالكة من جوانبها وكثرت الحفر فيها, مشيراً إلى أنه هناك صعوبات أخرى متمثلة في هروب العمالة فبعد الاستقدام يتابع العامل منضبطا للمدة التجريبية وعند استخراج إقامة يقوم بالهروب والعمل في مكان آخر وربما في مدينة أخرى, وعندما يتقدم الكفيل لاستقدام عمالة بديلة يواجه الأمور الروتينية في الإعلان ثم الانتظار لمدة طويلة حتى يسمح له بالاستقدام مرة أخرى وهذا كله يعطل المشاريع الزراعية ويجعل الفلاح يهجر الزراعة ويبدل النشاط الزراعي بنشاط آخر. وأضاف أنه في الماضي كانت العمالة متيسرة ولم يكن هناك مجال للهروب لأن العامل لا يمكن أن يسافر أو يذهب لمكان آخر إلا بورقة من كفيله تتيح له التنقل أما الآن فبإمكانه الذهاب إلى أي مكان بوجود الإقامة معه دون مساءله عن مكان عمله. وبالاستفسار منه عن الزراعة قديماً في غياب العمالة الأجنبية، قال: "كان هناك تعاضد وتآخ بين الناس واحتياج حقيقي للفرد, نجتمع ونساعد بعضنا بعضا لزراعة الأراضي حيث كانت الزراعة هي المورد الوحيد للأسر, نزرع القمح والشعير والبرسيم والذرة ونكتفي بما نزرع, ومع التطور الحاصل في جميع المجالات تغيرت المفاهيم نحو الموارد ونحو الاكتفاء". الغلاء أحبط المزارعين المواطن ناصر عبدالكريم آل منصور يقول: "أزرع أرضي منذ فترة طويلة وأنا فلاح مزارع أحرث الأرض وأبذرها وأسقيها وأنتفع من إنتاجها وإلى الآن وأنا أزاول زراعتها ولكن تحبطنا أشياء كثيرة فزيادة أسعار البذور والمبيدات الزراعية والأسمدة من العوائق"، مطالباً أن تنظر فيها الحكومة خصوصا للمزارعين وتأتي مساعدة الدولة لأضرار البرد كحافز للاستمرار في الزراعة ومواجهة موجات البرد التي تضر المزارع، وقال "لكننا منذ عام 1414 لم نستلم حقوقنا المصروفة من قبل الحكومة ولا نعرف أسباب ذلك". رداءة الطرق الزراعية ويقول آل منصور "إن الطريق الزراعي الذي نسلكه إلى هذه المزرعة وغيرها لا يؤدي الغرض المطلوب فنصفه مسفلت والآخر ترابي وضيق وتنتشر فيه الحفر، ولا أدري لماذا لا تقوم الجهات المختصة بمتابعة هذه الطرق وصيانتها"؟.