عشقه للتراث جعله يبني منزله محاكياً للمنازل الطينية لأجداده في نجران، وتولدت قناعة صالح ضاوي للبناء الطيني بحثاً عن الفوائد الصحية لذلك الأسلوب المعماري رغم تكبده زيادة في مصاريف البناء مقارنة بالمنازل المسلحة الحديثة، ومع توجهه النادر إلا أن ضاوي يتحسر على ما آلت إليه المنازل الطينية الأثرية في نجران والتي أصبحت هاجساً للأهالي والجهات الأمنية. "الوطن" جالت على تلك المنازل التي انتهى عمرها الافتراضي وأصبحت آيلة للسقوط ومأوى للمخالفين والحيوانات الضالة، وطالب الأهالي بالالتفات لمخاطر المنازل المهجورة التي توحي جدرانها بالسقوط فوق رؤوس الأهالي، بالإضافة إلى كونها ملاذاً لضعاف النفوس؛ حيث يجدون فيها مأوى لأفعالهم المشبوهة، الأمر الذي سبب مصدر قلق بسبب العمالة التي تتخذها مأوى بعيدا عن أعين الجهات الرقابية، وما قد يحصل بها من مخاطر مثل اشتعال النيران بداخلها نتيجة تكدسها بالنفايات والمخلفات والأشجار. مأوى للمخالفين وأبدى المواطن عبدالله قمزان سعادته لرؤيته للمنازل الطينية في نجران والتي تميز المنطقة بطابعها الأصيل، وقال "من حسن الحظ أنه لا تزال هناك بيوت طينية قائمة، فهي هوية المنطقة وتحكي تاريخاً مشرقاً لمن عاشوا فيها"، وطالب قمزان بالاهتمام بتلك المباني، مضيفاً "يجب أن تقوم هيئة السياحة والآثار بتسجيل تلك المباني وحصرها وخصوصا الجيد منها وإعاده تأهيلها، وأن تتضافر الجهود في هيئة السياحة والآثار بالمنطقة لاختيار معالم تاريخية وترميمها لتكون مزارا لضيوف المنطقة والسياح." وأشار المواطن علي آل عباس إلى أن الأماكن القديمة والتي هجرها الأهالي استخدمت استخداما سيئا، وقال "بعد أهالي تلك المباني الأثرية عنها ساعد على استغلالها من قبل ضعاف النفوس والمجهولين ليمارسوا فيها المخالفات ويتجاوزوا فيها القوانين، وكل يوم نسمع فيه خبراً عن مداهمات واكتشاف مصانع مسكرات وغيره, وفي حقيقة الأمر المسؤولية تطال الجميع، أصحاب البيوت القديمة وكذلك المواطن الذي يجب أن يتسم بالحس الأمني تجاه أولئك المخربين، وأيضا الجانب الأمني الذي يجب أن يجري مداهمات على تلك الأماكن وأخذ تعهدات على أصحابها." خطورة وأرجع علي آل عقيل - أحد سكان نجران – عزوف الأهالي عن سكن المنازل الطينية إلى تحسن الأحوال المادية والمعيشية للأهالي، قائلاً "النهضة العمرانية التي شملت نواحي البلاد جعلت الأهالي ينتقلون إلى المساكن الحديثة ويهجرون المباني الطينية التي لا زالت تصارع للبقاء." وأضاف "وبفعل الإهمال وتقادم الزمن أصبحت تلك البيوت الطينية المنتشرة هنا وهناك لا تصلح للسكن بل وتهدم أغلب أجزاؤها لتصبح خطيرة في حال سقوطها بل وتكون مأوى للزواحف السامة والحيوانات السائبة الخطيرة على المواشي والأهالي،" وتابع "وعلاوة على ذلك فأغلب تلك المباني آيلة للسقوط تهدد حياة سكان الأحياء والمارين فيها". من جانبه، استغرب محمد آل هتيلة - أحد سكان منطقة البلد- من بقاء مثل تلك المباني الخطرة على وضعها وقال "يوجد مبان طينية كثيرة في أبا السعود القديمة وخصوصا ما يسمى بالقصر القديم, فهذا المكان وللأسف يقع وسط السوق الشعبية التي تعج بالعمالة الأجنبية خصوصاً الآسيوية، والتي اتخذت من تلك المنازل المهدمة سكناً لها بالمجان؛ لأن أغلبية تلك المنازل مهجورة وبعض أجزائها مهدمة" متسائلاً "أين الجوازات والأمن من هذا الوضع, كيف يسمح لمثل هؤلاء بالسكن دون رقابة, فأغلب المشكلات تنتج عن العمالة التي تقطن البيوت المهجورة علاوة على وجود السكان غير النظاميين ومجهولي الهوية والذين يمارسون الشعوذة وبيع الممنوعات." فيما يرى مهدي دكام أن البيوت الطينية رغم أنها تحمل عبق الماضي الجميل والذكريات الخالدة إلا أن التطور والحضارة أجبرا الناس على هجرها والارتحال إلي السكن الحديث، وتابع "ومن هنا عز على الكثيرين إن يهدموا ذكرياتهم لأنهم يرون في البيت القديم أصالة يجب أن لا تزول, وتمنى دكام "أن تقوم هيئة الآثار بمحاولة الحفاظ على هذا الإرث الجميل وإلزام أصحاب البيوت بإعمارها ومساعدتهم على ذلك، أو تخييرهم بهدمها وتعويضهم خصوصا أن أغلب البيوت وبعد هجرها صارت ملجأ للغرباء والمتخلفين وهذا يشكل خطرا كبيرا على أمن البلد والمجتمع." السكن المجاني ومن جانبه، أشار المسن سالم آل عقيل إلى الراحة النفسية التي يجدها ساكن البيوت الطينية، بقوله "سكنت البيوت الطينية لفترات طويلة من عمري والآن قد تجاوزت الثمانين عاماً ووجدت فرقاً في السكن بالمنازل الطينية والمسلحة" مفصلاً "حيث تتميز البيوت الطينية ببساطة الحياة ورائحة الطين وقرب المزارع والماء مما يجعلك في راحة بال بعيدا عن تعقيدات الحياة," وأضاف متحسراً "لكن أبنائي لم يتركوا لي خيارا فتركت منزلي القديم عرضة للخراب، رغم إيصال التيار الكهربائي له وخدمة الهاتف ولا ينقصه شيء، وأتمنى أن أجد من يستأجره أو يسكنه بالمجان ليصونه لأن المنازل الطينية إذا هجرت آلت للسقوط والخراب"، وأضاف "وكثير مثلي هجروا بيوتهم وأصبحت خرابة، وبعضها قد تهدم ولم يعد صالحا للسكن والأفضل هدمها قبل أن تجلب ما لا يحمد عقباه." فيما حمل مانع دواس الدفاع المدني وهيئة السياحة والآثار مسؤولية ترك المنازل الطينية بوضعها الحالي مهددة حياة الناس، وقال "هناك قصور واضح من الدفاع المدني وهيئة السياحة والآثار, فهل معقول أن تترك هذه المباني بهذا الشكل تشوه المنظر العام وخصوصا أن هناك منازل عمرانية تحيط بالمكان ما يعني وجود حياة وحركة وأطفال، وهذه الأبنية تشكل خطرا حقيقيا على حياتهم، فلماذا لا تقوم الإمارة بالإيعاز للدفاع المدني بإزالة تلك المباني أو إرغام أصحابها على إزالتها ومع ذلك ينتهي خطرها عطفا على وجود مبان بعيدة معزولة داخل المزارع يسكنها العمالة أوالمجهولون القادمون من بلاد مجاورة، والذين قد يرتكبون أي مخالفات أو حوادث إجرامية, فلماذا لانبادر إلى إنهاء المشكلة ونضع لها حداً استباقياً." مميزات صحية إلى ذلك، أرجع الشاب صالح ضاوي تفضيله بناء منزله محاكياً به المنازل الطينية إلى قناعته التامة بأن المنازل الطينية أفضل صحياً من المباني الأسمنتية، وقال "بنائي لمنزلي بالطين ليس لتخفيض التكاليف، بل العكس فقد كلفني أكثر من بناء المسلح" مضيفا "فالمنزل الطيني من الداخل عكس الطقس الخارجي فهو دافئ شتاءً وبارد صيفاً، علاوة على أن الطين يمتص الشحنات السالبة من الجسم باستمرار وهذا إعجاز رباني, كما أنني مزجت بين الماضي والحاضر". ظافر أحمد قدر قيمة المباني الأثرية بقيمتها التارخية، قائلاً "المنازل الطينية قيمة أثرية وهي تعبر عن الأصالة وكل منزل طيني له حكاية جميلة وتاريخ عند أصحابه, وهجرتنا إلى المنازل الحديثة لا تعني أن نترك تراثنا وأصالتنا عرضة للضياع، على الأقل ترك منزل واحد قديم يشهد بتاريخ آبائنا وأجدادنا"، مستشهداً بما قام به "تم ترميم بيتنا القديم وصيانته وإصلاحه، وبناء ضيافة في فنائه وخلال جلسات السمر يكون البيت بهامته وكبريائه درة حديث الليل." إلى ذلك، أرجع عبدالله آل عسكر سكن أهل القرى في البيوت الطينية إلى قلة الأراضي السكنية، وقال "أغلب سكان القرى في نجران لا يزالون يعيشون في بيوتهم الطينية لعدم وجود أماكن للبناء العمراني, فالأغلبية لم يتم منحهم أراضي ولم يستطيعوا تملك أرض أو قرض لتوقف المحكمة عن إصدار الصكوك،" وتابع "في قرى الزور والحضن القديم والبلد القديم بيوت الطين شاهدة وسكانها لا يزالون موجودين وأحياء يشكون قلة ذات اليد وعدم مقدرتهم على بناء مساكن جديدة." وهو ما أيده، محمد هاشل بقوله "الزمن تغير والعالم يسير للأمام في الغرب أصبحت هناك منازل من زجاج وتحت الماء وفوق الماء وبطرز حديثة مدهشة ونحن لا نزال نزحم المكان بهذه الأبنية القديمة المتهدمة," وتابع "وأنا أدعو الجميع إلى إزالة تلك البيوت المتهالكة والتي عفا عليها الزمن والاستفادة من المساحة التي تشغلها." تراث عمراني من جهته، قال مدير هيئة السياحة والآثار بنجران صالح آل مريح في حديثه إلى ال"الوطن" :إن هناك لجنة مشكلة من عدة جهات حكومية بالمنطقة من بينها هيئة السياحة تقوم بجولات رقابية على تلك المنازل،" وأضاف "ونحن في الهيئة لا نساعد على الهدم، بل نطمح أن يقوم أهالي تلك المنازل بالحفاظ على التراث العمراني، والتي تعتبر المباني جزءاً منه وذلك من خلال الترميم والتطوير"، وأشار إلى أن هناك تفاعلا من بعض من أصحاب تلك المنازل الآيلة للسقوط ولا زال البعض الآخر بين أخذ ورد ونأمل أن يقوموا بحملة لترميم منازلهم". وحول خطورة الآيلة للسقوط منها قال "إذا ثبت أن هناك خطورة من تلك المنازل حسب تقرير هندسي فني يتطلب إزالة البعض منها فلا يمنع ذلك," مشيرا إلى أنه لا يمكن إزالة أي منزل ألا بعد الرجوع لهيئة السياحة والآثار وأضاف "وبدورنا نقوم بدراسة الوضع، فإن كان يمثل خطورة فتتم إزالته أما إذا هو بحاجة للترميم فيتم عن طريق صاحب المنزل، وهناك قروض للترميم من خلال بنك التسليف لتلك المنازل," وتابع "ويجب على أهل تلك المنازل الطينية المحافظة عليها واستثمارها بتحويلها إلى متاحف ومطاعم شعبية ومقاه تراثية لاستقبال الزوار، وهذا له مردود مادي من خلال رسوم الدخول للمتحف أو دخل المطعم الشعبي أو المقهى التراثي أو موقعاً للفنون التشكيلة والمهن الحرفية". وأشار مدير هيئة السياحة والآثار بنجران إلى وجود نحو 350 بيت طينياً و35 قرية تراثية بالمنطقة ومحافظاتها. وأشاد آل مريح بأعمال الترميم التي نفذها بعض المواطنين بنجران للحفاظ على هذا الإرث المهم والذي يعكس جزءا من موروث وثراث المملكة، كما أشاد آل مريح بتعاون كافة الجهات وعلى رأسها إمارة المنطقة للحفاظ على الثرات العمراني بها. حصر الآيلة للسقوط في المقابل، قال المتحدث الرسمي للدفاع المدني بنجران النقيب محمد آل مريط "إن الدفاع المدني مشارك ضمن اللجنة المشكلة لحصر المنازل الآيلة للسقوط إلى جانب الإمارة والأمانة وهيئة السياحة, حيث قامت بحصر المنازل التي تشكل خطورة على الأرواح والممتلكات وتعمل على التنسيق مع الأمانة لإزالتها, حيث إن المادة الثالثة من نظام الدفاع المدني تنص على أن من مهام وزراة الشؤون القروية والبلدية أن تعمل الوزارة على إزالة المباني المتداعية والآيلة للسقوط وكذلك أنقاض المباني المتضررة، وقد تم إزالة العديد من تلك المباني، كما تم التنسيق مع فرع هيئة السياحة بنجران مع لجنة البيوت الآيلة للسقوط حيال معالجة أوضاعها وإدراجها ضمن المباني الأثرية لترميمها والمحافظة عليها." وبين آل مريط إلى أنه "تم حصر 254 منزلا آيلا للسقوط صدر بحق 76 منزلا أمر إزاله، أزيل منها 4 منازل والبقية يجري التنسيق بشأنها بسبب خطورتها،" وأضاف "فيما قامت اللجنة المشكلة بالتوجيه بترميم 37 منزلا أخرى."