بعد وفاة شقيقة "ليلى" قرر والدها أن تتزوج من أرمل شقيقتها، حتى لا تربي أطفال المتوفاة زوجة أب غريبة على العائلة، نفس الأمر حدث مع "جاسم" الذي توفى أخوه، فقررت العائلة أن يتزوج من أرملته، حتى لا يربي أطفال شقيقه في حالة زواج الأم رجل غريب. هكذا تفرض العلاقات الاجتماعية نوعا من الزيجات، هو "زواج العوض" والذي ينتشر في السودان، وعدد من الدول العربية، وفيه تتزوج الفتاة من أرمل شقيقتها المتوفاة، أو يتزوج الشقيق من أرملة أخيه، وعادة ما يتم هذا الزواج من باب الشهامة، والمحافظة على الأسرة والأطفال من التشتت والضياع. تقول "ليلى. ر" "توفيت شقيقتي الكبرى، وتركت خمسة أطفال، أصغرهم طفلة لم تتجاوز عامها الرابع، وفي اليوم الثالث لوفاتها ترجل أخي الأكبر أمام جميع المعزين وقال لزوج أختي "أبشر بالعوض وليس هناك أفضل من خالة الأطفال لتربيتهم بعد وفاة أختها" وبطبيعة الحال فزوج أختي المتوفاة تسيطر عليه مشاعر الحزن والأسى لفراق زوجته والتفكير في مصير أطفاله بعدها، وما إن تقدم أخي بذلك العرض حتى قوبل بالاستجابة من قبل زوج أختي المتوفاة وزوجي حاليا، وبكلمات خالطتها العبرات تقول: وقع علي العرض كالفاجعة حيث فاجأني أخي بعد ثلاثة أسابيع من وفاة أختي بهذا القرار وهو الوصي علي بحكم وفاة والدي، ومن هول الصدمة أحسست بعقدة في لساني ولم أتمكن من الرفض أو القبول واكتفيت بالصمت الذي سيطر على مشاعري قبل حواسي، واعتبر صمتي هذا من نوع الموافقة. وبحسرة شديدة تقول: "لم أفق من هول الصدمة إلا في ليلة زفافي إلى زوج أختي، وكان ذلك في وقت سريع جدا (أي بعد ستة أشهر من وفاتها)، وبالفعل انتقلت إلى بيت زوجي أي زوج أختي سابقا، في ذات البيت وعلى نفس الأثاث، وعند دخولي إلى المنزل لم أتمالك نفسي فانفجرت بالبكاء فور وقوع نظري على تحفة أهديتها لها في يوم زفافها، بعد أن كتبت عليها بماء الذهب عبارة (لن أنساك وأتمنى لك الحياة السعيدة)". وتتابع: أيام عصيبة مرت عليّ لا أستطيع فعل أي شيء في المنزل سوى مداعبة أطفال أختي يرحمها الله وبدأت بإقناع نفسي بأنني لن أكون الزوجة التي تأخذ مكان أختها ولكنني اقتنعت في مجيئي لهذا المكان لهدف وهو تربية أطفال أختي وشقيقتي التي كانت بمثابة التوأم لي، فأكون كالزوجة المكلفة في الاسم فقط، وتتابع مع مرور الشهور والسنين، أدرك زوجي الحالة النفسية التي أعيشها وطلب مني السفر معه إلى دولة عربية وتحت إصرار العائلة وافقت، وهناك ربما اختلاف المكان أثر على نفسيتي وبدأ يقنعني بأن هذا الأمر فرض عليهما ولا بد من تقبله حتى تستمر الحياة، عندها وافقت أن أعامله معاملة الزوج شريطة الانتقال إلى مكان آخر. أما "جاسم" فقد تزوج بزوجة أخيه المتوفى بعد وفاته بسنتين على الرغم من أنه متزوج، وعن السبب قال "أنا الوصي الشرعي على أبناء أخي، وفضلت الزواج بأمهم لتسهيل معاملاتهم، والتفاوض حول أي أمر يخصهم". ويضيف إن "أبناء أخي يحتاجون إلى متابعتي حفاظا عليهم، ولم يكن أمامي خيار سوى أن أتقدم إلى أرملة أخي والزواج بها، حتى لا يربي أبناء شقيقي شخص غريب في حالة زواج الأم، وبطبيعة الحال بارك الجميع هذا الزواج ومن بينهم زوجتي التي حرصت على موافقتها، فهي امرأة متفهمة ولم تعارض هذا الزواج لمعرفتها بالأسباب". وتبرر أم مضحي موافقتها على مثل هذا الزواج برغبتها في تربية أبناء شقيقتها، قائلة "عندما توفيت أختي فضلت الزواج بزوجها حتى أقوم بتربية أطفالها، وأنا من بادر بهذا الاقتراح، ونال استحسان الجميع بمن فيهم والدتي التي انهمرت عيناها بالدمع، لأنها أدركت بأن أحفادها سيكونون في مأمن عند خالتهم، فالخالة أحن على الأطفال من غيرها". وتضيف إن "زوج أختي المتوفاة لم يكن راضيا عن هذا العرض في بداية الأمر، خوفا من أن تتسبب تضحيتي لي إشكاليات نفسية، وأيضا لأنه يكبرني سنا، ولكن مع مرور الأيام استطعت كسر حاجز المخاوف، ورزقت منه بولدي "مضحي" الذي ملأ علي الحياة نورا، إلى جانب أبنائي الآخرين وهم أبناء شقيقتي يرحمها الله". وتتفهم اختصاصية الطب النفسي هدى الحسن البعد الاجتماعي في هذه الزيجات، ولكنها تشترط موافقة الطرفين، قائلة "رغم تفهم البعد التكافلي في الموضوع، فإن مثل تلك الزيجات تربك العقل البشري، وتضع المرأة في ضغوطات نفسية لاحصر لها، وقد تحد من الاستقرار النفسي أو العاطفي لكلا الزوجين، وتؤدي إلى عدم الانسجام فيما بينهما سواء على الصعيد النفسي أو العاطفي، وهنا قد يقع نوع من الطلاق الخطير بين الزوجين، وهو الطلاق العاطفي الذي قد يفرز حالات نفسية خطيرة، أهمها الاكتئاب". وتضيف أن "من الأمور التي يجب أن يراعيها أولياء الأمور هي الصحة النفسية للفتاة، أو الشاب، فلابد من موافقة الفتاة، لأن أخذ رأيهما خاصة في هذا النوع من الزواج دونما أية ضغوطات، يجنبهما الوقوع في الصراع النفسي، وضغط التفكير، والهواجس المخيفة، ومنها شعور بأنها سلبت حقا من حقوق أختها المتوفاة، وقد يمتد هذا الهاجس إلى الاعتقاد بأنها لوثت العلاقة الحميمة التي تربطها بأختها قبل وفاتها". وفي المقابل تنتقد أختصاصية التربية الأسرية مسفرة الغامدي هذه الزيجات وتقول "من المؤسف أن تلجأ بعض الأسر لمثل تلك الزيجات التي قد تسلب الفتاة والرجل حقهما في الاختيار، حيث يفرض بعض أولياء الأمور رأيه على الفتاة للقبول بزوج الأخت المتوفاة، أو إجبار الرجل على الزواج بزوجة شقيقه المتوفى، وقد يكون هذا من قبيل امتداد المصاهرة لشخص له قيمته المجتمعية، أو من منطلق الرحمة والشفقة على أطفال الأخ أو الأخت". وتضيف أن المبررات لا تشفع في ارتباط الفتاة بزوج أختها، أو ارتباط الشاب بزوجة شقيقه المتوفى، ليكون الشابة أو الشابة عوضا عن المتوفاة أو المتوفى في تربية الأطفال"، مشيرة إلى أن مثل تلك الزيجات تهدد أسرة بكاملها، مؤكدة على ضرورة دراسة الأمر من جميع الجوانب سواء النفسية أو الاجتماعية أو الأسرية، قبل الشروع فيه. وترى مسفرة أن مثل تلك الزيجات قد تكون مقبولة في السابق عند بعض الأسر من منطلق الفزعة، وغالبا ما تكون في المجتمعات البدوية، ولكن الآن تراجعت بحكم انتشار الوعي الثقافي.