الوفاء طبع من طباع المرأة فهي اذا أحبت أخلصت، واذا أخلصت فإنها تبذل بسخاء، وتظل كل الاشياء والتفاصيل الحياتية عالقة في الذهن، تثير الذكريات الشجية، والايام الجميلة، وتستدعي الشجن والوجد مما ينتج الوفاء. ومن هذه السلوكيات الرائعة تأتي حالة رفض بعض الأرامل الزواج للمرة الثانية وفاء منهن لذكرى أزواجهن، فيما نجد أغلبية الأزواج الذين يتوفى الله زوجاتهم يسرعون في البحث عن زوجة جديدة ليكمل معها مشوار حياته؛ بعد فترة قصيرة من وفاة زوجته. وهناك قصة لزوجة ابتليت بمرض عضال وقد أيقنت بأن زوجها سيتزوج بعد وفاتها لامحالة؛ فأرادت ان تمنعه عن ذلك حتى بعد موتها فأخبرته بأنها مريضة بمرض خطير اخبرها الأطباء بأنها قد تفارق الحياة بعد أيام فوجهت أسئلة الى زوجها كوصية أخيرة قبل موتها قائلة له: ماذا ستفعل يا زوجي بعد فراقي؟، وهل ستتزوج من أخرى؟، ومن ستختار؟، فأجابها قائلا: لن أتزوج وسأبقى مخلصاً لك حتى بعد وفاتك؛ فقاطعته الزوجة بقولها لا يا زوجي، فالزواج من أخرى حقك الشرعي، وأنت ما زلت قويا وقادراً على الزواج، فلن أحرمك من هذا الحق، ولكن لدي شرط واحد فقط وهو ان تنتظر حتى يجف قبري وهذه وصيتي الأولى والأخيرة لك وماتت الزوجة، وبعد مضي أسبوع يذهب الزوج لزيارة قبرها فيتلمس بيده القبر فيجده مبتلاً ورطباً، فيعود أدراجه، فزواجه لم يحن بعد، ثم يعاود الكرة من جديد فترة أخرى، مستغربا التربة التي ما زالت رطبة، وبعد عدة أشهر على هذه الحال ذهب لزيارتها فوجد أخاها يسقي التربة بالماء، فيذهل ويكتشف الحقيقة عندما يخبره بأن تلك كانت وصية أخته له قبل موتها ب "ألا يترك قبرها جافاً أبدا". في الواقع إن هذه القصة الطريفة تدل على عدم وجود زوجة تحب أن يتزوج عليها زوجها حتى بعد وفاتها؛ لاسيما ان الزوجة غالباً ما ترفض جميع فرص الزواج الجديدة وفاء لذكراها مع هذا الزوج، فهل يكون الوفاء بعدم الزواج بعد وفاة احدهما؟، ولماذا ترفض الأرملة الزواج الجديد بعكس الأزواج؟. ابحث عن الحب أولاً تقول مها مسلم: إن مقدار الحب للزوجة هو الفيصل في الوفاء لها، فإذا كان يحب زوجته بشكل كبير وكانت حياتهما سعيدة فسوف يعيش على ذكراها، لكنها في الوقت ذاته ترى ان المرأة هي الأكثر وفاء في هذا الموضوع، فأكثر النساء لا يتزوجن بعد وفاة الزوج ويؤثرن الإخلاص له، أما فاطمة خضر فتعتبر أن زواج الزوج أوعدم زواجه بعد وفاتها ليس مهما، وما يهمها هو ألا يفعلها أثناء حياتها، فالرجل عموما لايعارض فكرة الزواج للمرة الثانية في حال وفاة الزوجة أو مرضها أو حتى بدون سبب باعتبار أن ذلك حقا شرعيا له، مؤكدة على ان المرأة أكثر وفاء من الرجل لأن تفكيرها يتركز على تربية أولادها ومصلحتهم، أما الرجل فيهمه نفسه بالدرجة الاولى، وهناك الكثير من الرجال الذين يبحثون عن زوجة أخرى في عزاء زوجاتهم، وقد حدث معي ذلك بالفعل حين طلب مني أخي ان ابحث له عن زوجة ولم يمض على وفاة زوجته أسبوعاً واحداً فقط، واللافت هنا هو انه وجد التشجيع لاتخاذ هذا القرار على وجه السرعة من طرف الأقرباء والأصدقاء في حين أن الأبناء أبدوا معارضة في البداية ولكنهم استسلموا في النهاية للأمر الواقع، وذلك بعكس الأرملة التي تجد استنكاراً كبيراً من المجتمع فيما لو فكرت بالزواج للمرة الثانية فهي مطالبة بتربية أبنائها ان كانوا صغاراً وان كانوا كباراً فإنها تخشى على مشاعرهم من سخرية المجتمع. الأرامل يرفضن الزواج وهناك الكثير من الأرامل اللاتي يرفضن الزواج للمرة الثانية على الرغم من أنهن لازلن في بداية شبابهن والسبب هو الوفاء لذلك الحبيب والزوج الراحل. تقول فوزية عوض: توفي زوجي بعد زواج استمر شهراً واحداً فقط، وكانت صدمتي قوية جدا ولم أتعاف من الحالة النفسية التي لزمتني بسبب فقده إلا بعد سنتين، وقد تقدم لي الكثير من راغبي الزواج إلا أني رفضت وبشدة لسبب واحد فقط وهو وفاء لحبه الكبير في قلبي والذي لن أرضى أبداً ان يحتله شخص آخر، وبالرغم من مضي تسع سنوات على وفاته فهو لازال يحتل كل كياني. من جانب آخر ذكرت هدى العلاوي –أستاذة علم الاجتماع – أن أسباب امتناع الزوجات من الزواج بعد ترملهن هو خوفها من انتقاد المجتمع لها، إلى جانب أنها عاطفية وترتبط في الذكريات التي تجمعها مع زوجها، كما أن درجة الحزن عند المرأة عموماً اقوى منها عند الرجل؛ لهذا يكون هذا الإحجام اختيارياً وليس إجبارياً بعكس الزوج الذي من السهل عليه الاقبال على فكرة الزواج الجديد حتى قبل جفاف دموع أطفالها وأهلها.